يقول الله تبارك وتعالى : { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخِيَرة }
(القصص 68) ،
قد اختار سبحانه العشر الأواخر من شهر من رمضان ، من بين سائر أيام
الشهر ، وخصها بمزيد من الفضل وعظيم الأجر .
فكان صلى
الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها ،
تقول عائشة رضي الله عنها:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )
رواه مسلم .
وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع
العبادة من صلاة وذكر وقراءة القرآن ،
تقول عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجَدَّ وشد
المئزر ) رواه مسلم .
فكان يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر ، حرصا
على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة ،
قال ابن رجب : " ولم يكن النبي صلى
الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه
" .
وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء ، والجد والاجتهاد
.
وداوم صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف فيها حتى قبض ،
ففي الصحيحين عن
عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر
من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ) .
وما ذلك إلا تفرغاً
للعبادة ، وقطعاً للشواغل والصوارف ، وتحرياً لليلة القدر ، هذه الليلة الشريفة
المباركة ، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر ،
فقال سبحانه:
{ ليلة القدر خير من ألف شهر} ( القدر 3) .
في هذه
الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام ، فيكتب فيها الأحياء والأموات ،
والسعداء والأشقياء ، والآجال والأرزاق ،
قال تعالى:{ فيها يفرق كل أمر حكيم }
( الدخان 4) .
وقد أخفى الله عز وجل علمها عن العباد ، ليكثروا من العبادة ،
وليجتهدوا في العمل ،
فيظهر من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها ، من العاجز
المفرط ، فإن من حرص على شيء جد في طلبه ، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل
الوصول إليه .
هذه الليلة العظيمة يستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان ، وهي
في الأوتار أرجى وآكد ،
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى
، في خامسة تبقى ) ،
وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها ، ففي حديث ابن عمر
رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في
المنام في السبع الأواخر ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرى رؤياكم
قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ) رواه
البخاري .
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ،
لحديث ابن عمر رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ) رواه أبو
داود .
فاحرص أخي المسلم على الاقتداء بنبيك صلى
الله عليه وسلم ، واجتهد في هذه الأيام والليالي ، وتعرض لنفحات الرب الكريم
المتفضل ، عسى أن تصيبك نفحة من نفحاته لا تشقى بعدها أبداً ، وأكثر من الدعاء
والتضرع ،
وخصوصاً الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي
الله عنها حين قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟
قال : ( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) رواه أحمد
وغيره
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]