كثيرا ما نتحدث عن أولئك الذين ملكهم سحر مكان ما ، بهرهم و راحوا أبعد من مجرّد زيارته إلى أن يصبح صديقا يستنطقون جزئياته و يتحدثون مع فضاءاته بالبحث و التنقيب عن أسراره و خباياه.
و لعلّنا ندرك عذر هؤلاء و نحن نزور ولاية بشار بمختلف قصورها
و دوائرها.
[rtl]بشار التي هي ليست مجرّد ولاية تقع في الجنوب الغربي الجزائري على بعد ألف كم من الجزائر العاصمة ، بل هي جوهرة في صدر الصحراء الجزائرية حباها الله بسحر الطبيعة و بديع المناظر الفاتنة و الموروث الثقافي و الشعبي الجميل، كما أنّها تنفرد بخصائص من أهمّها:و لعلّنا ندرك عذر هؤلاء و نحن نزور ولاية بشار بمختلف قصورها
و دوائرها.
القصور: هذه القصور الشاهدة على عبقرية إنسان المنطقة ليست بقصور ملوك أو سلاطين و إنّما تجمّعات سكنية بنيت من طين الأرض و أخشاب النخيل و بعض الأشجار المثمرة كما رأينا ذلك في قصر دائرة بني عباس التي تبعد عن مقر الولاية بحوالي 250كلم و هي ميزة تنفرد بها هذه المدينة الساحرة عروس العرق الغربي الكبير.
و حسب شيوخ المنطقة بنيت هذه القصور بغرض الحماية من الغزاة
و هذا ما توحي به هندستها المعمارية، إذ يحيط بالقصر سور في أعلاه أبراج مراقبة و فتحات لتصويب البنادق و للقصر مدخل واحد.
داخل القصر نجد تجمعات سكنية ، مسجد ، "تاجماعت" أو دار الجماعة
و كانت بمثابة المحكمة داخل القصر ، كما حفر البئر داخل القصر لتأمين مصدر الماء للأهالي أثناء الغزوات.
أغلب القصور بنيت على ضفاف وادي الساورة أشهر و أكبر وديان ولاية بشار و يسميه الأهالي "الواد لخضر" إذ يستبشرون بفيضانه بعام فلاحي جيّد و هم كانوا يعيشون على الفلاحة .
نجد في أزقة هذه القصور ما يعرف ب"الدكانات " و هي مقاعد من طين الأرض بنيت ملتصقة بالجدران ليتخذها سكان القصر أماكن للجلوس
و تجاذب أطراف الحديث خاصة أيام الصيف الذي يعرف بشدّة حرارته في الصحراء.
في القصر مساحة كبرى لإقامة الأعراس و الأفراح على إيقاع أهازيج الأهالي الشعبية الجميلة و طلقات البارود الذي خصصوا له أماكن داخل القصر لسحقه و تحضيره.
من هذه القصور ما يتميّز بوجود زوايا كقصر القنادسة العتيق و القنادسة دائرة من دوائر بشار تبعد عنها بحوالي 18كلم قصرها مصنّف وطنيا
و يضمّ مكتبة قيّمة هي الخزانة الزيانية التي تضمّ بين أجنحتها مخطوطات و كتب تحدثت عن المنطقة.
و من القصور التي رغم أنّ سكانها هجروها الا أنّها ما زالت تملك تلك السلطة الروحية في وجدانهم لارتباطهم بها و مثال على ذلك قصر دائرة بني عباس المعروفة باحتفالاتها الشعبية الكبرى بالمولد النبوي الشريف
و التي تدوم اثني عشر يوما ابتداء من فاتح ربيع الأول إذ يقوم الأهالي في اليوم الأخير من الاحتفالات بدورة حول القصر العتيق الذي أصبح مهجورا و هم يرتدون اللباس التقليدي ، يحملون البنادق ، يطلقون البارود مردّدين الأهازيج الشعبية تعبيرا عن ارتباطهم بالقصر مسكنهم الأول .
صمود هذه القصور أمام عوامل الطبيعة و الزمن أعطى للمكان سحرا خاصا و كأنّك تلج بوابة من بوابات التاريخ ، تقف أمامها متأمّلا منبهرا.
الآثار:
كثيرة هي بصمات الإنسان الذي عمّر المنطقة على مرّ العصور نذكر منها:
النقوش الصخرية: و لعلّ أشهرها تلك الموجودة في دائرة تاغيت التي تبعد بحوالي 100كلم عن مقر ولاية بشار و التي توجد فيها أيضا بقايا قلعة لا لة تلوسان أو لالة تلمسان إحدى ملكات المنطقة قديما كشاهد على مشاركة المرأة في المنطقة في الحياة العامّة .
البحيرة المتحجرة: توجد بدائرة تابلبالة التي تبعد عن مقر ولاية بشار بحوالي 400كلم بحيرة متحجرة ما زالت تحتفط بحيواناتها البحرية المتحجرة.
الأذوات التي استعملها إنسان العصر الحجري: توجد بدائرة بني عباس
و بالضبط في أحد كهوفها الأذوات التي استعملها إنسان العصر الحجري ، لكنّها معرّضة للتخريب و الإهمال.
الكراكر: يوجد بدائرة العبادلة الواقعة على بعد88كلم من دائرة بشار قبور ضخمة يسمّيها الأهالي الكراكر و هي حسب الباحث في تراث المنطقة الأستاذ فلاح لخضر عبارة عن قبور ضخمة و يعتقد أن سبب كبر حجمها أنّ الميّت كان يدفن معه كل لوازمه اعتقادا منهم بأنّه يحتاجها في العالم الذي رحل إليه و في غياب البحث و المراجع لا أحد يعرف في أي عصر وجدت هذه الأهرامات الصغيرة التي منها ما له مدخل و يقال بأنّها قبور النبلاء و منها ما ليس له مدخل و يقال بأنّها قبور العامّة من النّاس.
يكتشف الزائر لولاية بشار معالم للجمال أبدع الخالق فيها ، تملك فيمن رآها الوجدان و تبعث في نفسه الارتياح منها:
الرمال ألوان و أشكال:
ما يسحرك في الصحراء هو ذلك التدرّج في ألوان الرمال خاصة الذي نراه في دائرة الواتة من بني إلى برتقالي إلى أصفر في لون الذهب، تدرج لا تملك أمامه الا أن تندهش و أن تعشق الصحراء ، هذه الرمال هي المادة الأولية للفنّانين التشكيليين الذين يبدعون بطريقة الرسم بالرمال.
و من الرمال ما هو ثابت و منها ما هو متحرك كتلك الموجودة بمنطقة قصابي في آخر نقطة من ولاية بشار و مدخل ولاية أدرار ، و الأهالي يقيمون تويزة لتثبيت هذه الرمال و الحدّ من زحفها بحسابات دقيقة
و بواسطة سعف النخيل و يسمّون العملية"تزراب".
الينابع و مغاراتها الصغيرة: من أجمل ما يمكن أن تراه العين مغارات صغيرة تنحني لتلجها فينساب الى مسمعك خرير مياه في موسيقى خلابة مصدره ينابيع صغيرة داخل تلك المغارات ، هذه اللوحة الطبيعية الخلابة توجد بدائرة اقلي و يسمّها الأهالي الحمّامات.
وردة الرمال: هذا الكائن الرملي الجميل و التي مهما قطفت من مكانها لا تذبل و لا تموت بل تزداد توهجا و جمالا ، يوجد حقول منها بدائرة الواتة بولاية بشار.
هذا بعض ما تكتنزه ولاية بشار الجميلة المضيافة و التي تروي لك فيها كل ذرّة رمل ألف حكاية و حكاية عن الجمال ، كل سعفة نخيل ، كل واحة ، كل ساقية أو بستان ، كل جزء له سر يدعوك للبحث و التنقيب لينتهي بك الأمر إلى حكاية عشق لقصائد شمس عن روعة المكان..[/rtl]