من روائع البيان في قوله تعالى"وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"
ذكر علماء اللغة والبيان عنها مايلي :

*أنها
الآية الوحيدة التي خالفت بقية الآيات التي تبدأ بسؤال الناس للنبي
الكريم، حيث كلها تأتي بصيغة "يسألونك"مثل "يسألونك عن الشهر الحرام قتال
فيه قل...،يسألونك عن الخمر والميسر قل...،يسألونك عن الأنفال
قل....،ويسألونك عن اليتامى قل....،يسألونك ماذا أحل لهم قل...،ويسألونك
ماذا ينفقون قل...،يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل...،ويسألونك عن الروح
قل....،ويسألونك عن الجبال فقل.." الا هذه الايه ! فمن عظمة الله أنه سبق
المؤمنين بالسؤال وهم لم يسألوا بعد ! وكأنه سؤال افتراضي، فأن الله هو
الذي وضع السؤال وبادر بالإجابة من قبل أن يُسأل حبا منه بالدعاء وبسرعة
الإجابة ! فانظر إلى واسع رحمته ! ومن كمال عناية البارئ أنه قال " وإذا
سألك عبادي" ولم يقل وإذا سألك الناس.

*على
غرار" ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا"كان القياس أن يقول " واذا
سألك عبادي عني فقل ربي قريب يجيب دعوة الداع" لكنه تبارك وتعالى تكفل
بالاجابة بنفسه وقال" فاني قريب أجيب دعوة الداع" فابتدأ جوابه بأنه قريب
للدلالة على عدم حاجته للوسطاء والاولياء اولا، وللدلالة على حفاوته
بالدعاء وبالسائلين ثانيا.فلم يتحدث بضمير الغائب عن ذاته فلم يقل "يجيب
دعوة الداع" لأنه يدل على البعد والعلو، بل نسبها لنفسه للدلالة على دنوه
وقربه من السائلين ! ومن الابداع للدلالة على قرب الله تعالى من عباده فانه
جل وعلا رفع كل الوسائط بينه وبين عباده " وبضمنها الوسائط اللغوية" ، فقد
رفع كلمة "قل" من جواب الشرط فلم يقل " واذا سألك عبادي عني قل فاني قريب"
وكذلك أتى بالصفة " فاني قريب" ولم يأت بالفعل "أتقرب" لان الصفة تدل على
ثبوت القرب ودوامه.ثم أتى بالفعل المضارع " اجيب دعوة الداع" للدلالة على
تجدد الاستجابة واستمرارها. ولم يقيد استجابة الدعوة بأي شرط !!

*أنه تعالى لم يعلق الاجابة بالمشيئة كأن يقول "اجيبه ان أشاء"،بل قطع وأكد بأنه يجيب دعوة الداع
*أنه قدم جواب الشرط على فعل الشرط، فلم يقل " اذا دعان استجب له" وذلك للدلالة على قوة الاجابة وسرعتها
*أنه
قال " اجيب دعوة الداع اذا دعان" ولم يقل "اجيب دعوة الداع ان دعان" وفي
هذا معان بلاغية غاية في الدقة ، منها انه استخدم اداة الشرط " اذا " ولم
يستخدم اداة الشرط " ان "، فما الفرق بينهما؟


السبب
أن "إن" تستخدم للأحداث المتباعدة والمحتملة الوقوع والمشكوك فيها
والنادرة والمستحيلة ، كقوله "قل ان كان للرحمان ولد فأنا اول العابدين"
وقوله "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" لان الاصل عدم اقتتال المؤمنين،
وقوله " ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني" ولم يقل " اذا "
استقر مكانه وقد علمنا ان الجبل دك دكا ! وكقوله " قل ارأيتم ان جعل الله
عليكم الليل سرمدا".بينما " اذا "تعني المضمون حصوله أو كثير الوقوع مثل
قوله "كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت" لان الموت واقع لا محالة ! وقوله
"وترى الشمس اذا طلعت تزاور عن كهفهم " وقوله "فاذا انسلخ الاشهر
الحرم"وقوله "فاذا قضيت الصلاة"، ولذلك نرى ان كل احداث يوم القيامة تأتي ب
" اذا " ولم تأت ب "ان "، مثال ذلك قوله " اذا زلزلت الارض زلزالها "وقوله
" اذا الشمس كورت ..." وغيرها من احداث يوم القيامة حيث لم تأت ايا منها
بأداة الشرط "ان " لانها تحتمل الندرة وعدم الوقوع . ومن اروع هذا البيان
هو حينما تأتيان معا في موضع واحد فتستخدم " اذا " للكثرة و"ان " للندرة
مثل قوله تعالى " اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...وان كنتم جنبا
"فجاء ب " اذا "للوضوء لانه كثير الوقوع و" ان " للجنب لانه نادر الحصول ،
ومثل قوله " فاذا احصن فان أتين بفاحشة "فالاحصان متكرر والفاحشة من
النوادر !

فمن
هذا نفهم ان المعنى من قوله تعالى " اذا دعان " انه يشير الى كثرة الدعاء
وبأنه دعاء متكرر مستمر كثير وليس نادرا قليلا ! لان الله يغضب ان لم يدع ،
والقلب الذي لا يدعو قلب قاس ، ألم تر الى قوله تعالى " فأخذناهم بالبأساء
والضراء لعلهم يضرعون ، فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم "
وقوله " ولقد اخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ".

*ثم
لاحظ أنه قال " اجيب دعوة الداع " ولم يقل " اجيب الداع " ! لان الدعوة هي
المستجابة وليس شخص الداع ، وفي هذا اشارة دقيقة جدا الى مكانة الدعوة بغض
النظر عن شخصية الداع ! والدعوة هي ( التوجه لجلب نظر الطرف الاخر لنا )
ومن نعم الله علينا انه بمجرد ان نتوجه بقلوبنا له جل وعلا فانه يجيب
دعوتنا ( يعني يتوجه لنا ) وكلام القلب يعلمه الله وبأي لغة كانت ويعلم حتى
كلام الصم ، وهو يعدل بين عباده فلا يفرق بين انسان بسيط في دعوته وبين من
يستعمل الكلام الادبي المنمق كما يفعل الادباء

*
قال " عبادي " بالياء ولم يقل " عباد" فما الفرق ؟" عبادي تشير الى عدد
اكبر من " عباد" فالياء تعني ان مجموعة العباد اكثر ، اي يجيبهم كلهم على
اختلاف ايمانهم وتقواهم ، كقوله تعالى للدلالة على الكثرة

"
قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم" والمسرفون كثر ، وكقوله " قل لعبادي
يقولوا التي هي أحسن" لان اكثرهم يجادل ، اما للقلة فيقول " فبشر عباد
الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه " وهؤلاء قلة ، وقوله " وقل ياعباد
الذين امنوا اتقوا ربكم " والمتقون قلة !

*-لاحظ
انه قال : " اجيب دعوة الداع " وكان القياس ان يقول " اجيب دعوتهم "! وذلك
للدلالة على انه يجيب دعوة كل داع وليس فقط دعوة السائلين ، فوسع دائرة
الدعوة ولم يقصرها على السائلين .

*قال " فاني قريب " ولم يقل " انا قريب " وهذا توكيد ب " ان " المشددة للتوكيد ، لان انا غير مؤكدة .
*ان
الاية توسطت ايات الصوم ، وهذا يعني ان الدعاء ديدن الصائم وان للصائم
دعوة لاترد كما ورد في الاثر "ما لم تكن بقطيعةرحم". الدعاء شعار الصائمين ،
ومن عظمة الدعاء ومنزلته عند الله ان الله احاطه بايات الصوم الذي قال عنه
في الحديث القدسي " الصوم لي وانا اجزي به " لان الصوم من شعائر الاخلاص
لله لانه شعيرة غير ظاهره الاثر على صاحبها ما لم يرائي ، فكذا الدعاء
اراده الله ان يكون خالصا له وهو الذي يجزي به من دون شرك فيه لاحد ، من
دون واسطة نبي او ولي او شرطي او موظف !

*
الاية " واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " هي الاية الوحيدة في القران
الكريم التي يستعمل فيها البارئ عز وجل ضميرالمتكلم "ا لياء " ست مرات
وضمير المتكلم المستتر وتقديره " انا " في كلمة " اجيب " باعتبار ان يتوجه
له الناس وحده بدون اي شريك او اي وسيط اخر !

( ملاحظة : ياء المتكلم الرابعة في" دعان " هي محذوفة لكون الكلمة مجزومة بأداة الجزم "اذا")