وقفة مع محبة النبي صلى الله عليه وسلم







الحديث عن نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث تنشرح له صدور أهل الإيمان ، وتشتاق له نفوس الصالحين ، ويدفع المسلم إلى الاستقامة على هديه وسنته ، فهو - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم ، وخاتم النبيين ، وقد خصه الله تعالى بخصال رفيعة كثيرة ، انفرد بها عن بقية الأنبياء - عليهم السلام - ، فهو أول من يعبر على الصراط يوم القيامة ، وأول من يقرع باب الجنة ويدخلها ، وله المقام المحمود ولواء الحمد ، والكوثر .. إلى غير ذلك من خصائصه وفضائله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ : " معنى شهادة أن محمداً رسول الله : طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع " .

وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ، ونقدمها على محبة النفس والولد والناس أجمعين ، قال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(التوبة:24).

يقول القاضي عياض عن هذه الآية : " فكفى بهذا حضاً وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم - إذ قرَّع - سبحانه - من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وأوعدهم بقوله - تعالى - : { فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، ثم فسَّقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله" .

وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )( البخاري ).

وقد تغير مفهوم محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانحرف عند البعض , فبعد أن كانت هذه المحبة تعني إيثار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كل مخلوق , وطاعته واتباعه في كل أمر , صار مفهومها عندهم تأليف الصلوات المبتدعة , وعمل الموالد , وإنشاد القصائد والمدائح في الاستغاثة به , وبعد أن كان تعظيم الرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتوقيره والأدب معه , صار التعظيم عندهم هو الغلو فيه بإخراجه عن حد البشرية , ورفعه إلى مرتبة الألوهية ، وكل ذلك من الوهم والانحراف الذي طرأ على معنى المحبة ومفهومها , ومن ثم فمحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصادقة لها دلائل وعلامات كثيرة ، منها :

كثرة ذكره والصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لأمر الله عز وجل ، وتوكيده ، قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(الأحزاب:56) .. ففي هذه الآية أمْر بالصلاة والسلام عليه ، لهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – (البخيل من ذُكِرت عنده فلم يُصلِ علي )(الترمذي) ، وقال : ( .. من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليهِ بِها عَشْراً .. )(البخاري).

ومنها حب من أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم، وبغض من أبغضهم وسبهم ، فمن أحب شيئاً أحب من يحبه ، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )(البخاري).

ومن مظاهر محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفقة على أمته ، والنصح لها ، والسعي في مصالحها ، ورفع المضارّ عنها ، كما كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم – بالمؤمنين ، فقد قال الله تعالى عنه : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) .

ومن أهم علامات محبته - صلى الله عليه وسلم : متابعته والاقتداء به ، يقول القاضي عياض - رحمه الله - :
" اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقاً في حبه ، وكان مدّعياً، فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من تظهر علامة ذلك عليه ، وأولها الاقتداء به ، واستعمال سنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قول الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) .

ومن علامات حبه - صلى الله عليه وسلم - التمسك بسنته والدعوة إليها ، والحذر من الابتداع في دين الله ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )(البخاري)..

ومن دلائل محبته - صلى الله عليه وسلم - تعزيره وتوقيره ، كما قال الله تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(الفتح: من الآية9) .
يقول ابن تيمية - : " التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال ، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار " .

إن الحب الصادق لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمثل في اتباعه ، والأدب معه ، والسير على سنته ، وعلاج أنفسنا وواقعنا من خلال هديه .
فإذا كان أحدنا مقصراً في جانب العبادات والنوافل ، فليتذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي حتى تتورم قدماه وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

وإذا شعر أحدنا بالخوف والجبن في موقف يتطلب الشجاعة والإقدام ، فليعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر أنس بن مالك - رضي الله عنه - كان أشجع الناس ، وقد قال علي - رضي الله عنه - : ( كنا إذا حمي البأس واحمرت الحَدَقُ، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه )(أحمد).

وربما كان البعض منا مشغوفاً بحب الدنيا والتكالب عليها ، ومن ثم فلينظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وس لم - الذي كان أزهد الناس في الدنيا ، حتى قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أياما تباعاً من خبز حتى مضى لسبيله )(مسلم).

وقد نلمس في أنفسنا أو غيرنا جفاءً مع الناس وسوء معاملة ، فلنتذكر قول أنس ـ رضي الله عنه ـ : ( خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، فما قال لي أُفٍّ قط ، وما قال لشيء صنعتُه لِمَ صنعتَه ؟ ، ولا لشيء تركتُه لم تركته ؟. )(البخاري) .

إن محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصل من أصول الدين , وهذه المحبة وإن كانت عملاً قلبياً , إلا أن لها آثارها ودلائلها على سلوك المسلم وأفعاله ، حتى تصل بصاحبها إلى أن يكون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحبَّ إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ، كما في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )(البخاري).