السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق تقاته واعلموا أن الله جل جلاله قد أنزل القرآن هدى ونوراً وجعله لأهله سعادة وحبوراً قال تعالى في شأنه (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء : 82] وقال ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [الأنعام : 92] وقال (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم : 1]
ومن حكم الله أنه فضل بعض القرآن على بعض مع كونه كله مباركاً عظيماً نافعاً فالله يختص ما يشاء بما يشاء سبحانه.
ومن السور التي اختصت بمزيد فضل على عامته سورة البقرة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث في فضلها وفضل بعض آياتها والتنويه بشأن حفاظها العاملين بها فعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : «اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْن : البقرة ، وآل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غَمامتان - أو غَيَايَتَان - أو كأنهما فِرْقَانِ من طير صَوَافّ ، تُحاجَّانِ عن صاحبهما ، اقرؤوا سورة البقرة ، فإن أخْذَها بَرَكة ، وتَرْكَها حَسْرَة ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ» قال معاوية بن سلام : بلغني أن البطلةَ : السَّحَرَةُ . أخرجه مسلم. وعن ابي هريرة رضي الله عنه - قال : «بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بعثاً - وهم ذَوو عَدَد - فاسْتَقْرَأَهم ، فقرأَ كلُّ رجل ما معه من القرآن ، فأتى على رجل من أَحْدثِهِم سِنَّاً ، فقال : ما معك أنت يا فلان ؟ قال : معي كذا وكذا ، وسورةُ البقرة ، قال : أمعك سورة البقرة ؟ قال : نعم ، قال : اذهب فأَنت أَميرُهم ) الحديث أخرجه الترمذي وحسنه.
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءتها في البيوت فقال : «لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ ، إن الشيطان يَفِرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» . أخرجه مسلم والترمذي من حديث ابي هريرة.
ومعنى الحديث لا تهجروا قراءة القرآن في البيوت فتجعلوها بمنزلة المقابر فإن المقابر لا يشرع فيها قراءة القرآن وإنما تزار القبور لتذكر الآخرة والدعاء لموتى المسلمين لا يصلى عندها ولا يقرأ القرآن فيها، ثم نبه النبي صلى الله عليه و سلم إلى منفعة من منافع قراءتها في البيوت إضافة لما في قرائتها من الأجر والثواب وهو طرد الشياطين منها فإن الشيطان يفر من ذكر الله ولا سيما من قراءة سورة البقرة وإذا خرجت الشياطين من البيوت كانت بيوتا معمورة بالذكر والطاعة لأن فرار الشياطين من أسباب العون على الطاعة ومن أسباب السلامة من كثير من الشرور والآفات الحسية والمعنوية.
ومن الناس من لا يقرأ البقرة في بيته بل يستعيض عنها بتشغيل التلاوات المسجلة وهذا عمل فيه نظر فإنه لا يقصد من ذلك غالباً إلا جعل القرآن وسيلة لطرد الشياطين فقط ولهذا لا تجد أحداً يتابع هذه القرآء ولا يصغي لها بل ربما وجدت أهل البيت في لهو وغفلة بل ربما وجدتهم على بعض معاصي السمع والبصر في الحال التي تتلى فيه تلك الآيات الواعظات والمذكرات الزاجرات.
فلنحرص على قراءتها بأنفسنا ولنربي أزواجنا وأولادنا على قراءتها وعمران بيوتنا بآياتها تزكية لقلوبنا أولاً وحماية لبيوتنا ثانياً.
ومن الآيات ذات الشأن في سورة البقرة آية الكرسي بل في حديث أبي بن كعب أنها أعظم آية في تاب الله على الإطلاق فقد سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال «يا أبا المنذر ، أتدري أَيّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قلت : {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة : 255] فضرب في صدري وقال : لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المنذر» أخرجه مسلم .
ومن قرأ هذه الآية في ليلة لم يقربه شيطان حتى يصبح (فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : «وكَّلني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضانَ ، فأتاني آت ، فَجَعلَ يَحْثُو من الطعام ، فأخذتُه ، وقلتُ : لأرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، قال : إني محتاج ، وَعَلَيَّ عيال ، وبي حاجة شديدة ، قال : فَخَلَّيْتُ عنه ، فأصْبَحْتُ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : يا أبا هريرة : ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة وعيالاً ، فرحمته فخلّيت سبيله ، قال : أما إنه قد كذَبك وسيعود ، فعرفتُ أنه سيعود ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فَرَصَدْتُهُ ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفَعَنَّكَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، قال : دعني ، فإِني محتاج ، وعليَّ عيال ، لا أعود ، فرحمته فخلَّيت سبيله ، فأصبحتُ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : يا أبا هر ، ما فعل أسيرك ؟ قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة [شديدة] وعيالاً فرحمته ، فخلَّيت سبيله ، فقال : أما إنه قد كذَبك وسيعود ، فرصدته [الثالثة] ، فجاء يحثو من الطعام ، فقلت : لأرفَعَنَّكَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وهذا آخر ثلاث مرات ، إنك تزعم لا تعود ، ثم تعود ، فقال : دعني، فإني أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت : ما هُنَّ ؟ قال : إذا أويتَ إلى فراشك فَاقْرَأْ آيةَ الكرسي {الله لا إله إلاَّ هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ} حتى تختم الآية ، فإنه لن يزال عَلَيْكَ مِنَ الله حافظ ، وَلا يَقْرَبُكَ شيطان حتى تُصْبِحَ ، فخلّيت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- : يا أبا هر ما فَعَلَ أسيرك البارحة ؟ قلتُ : يا رسولَ الله ، زعم أنه يُعَلِّمني كلمات ينفعني الله بها ، فخلّيت سبيله ، قال : ما هي ؟ قلت : قال لي : إذا أَوَيْتَ إِلى فراشك فاقْرأ آية الكرسي من أولها ، حتى تختم الآية {اللهُ لا إله إلاَّ هُو الْحَيُّ القَيُّومُ} وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، وَلَنْ يَقْرَبك شيطان ، حتى تصبح - وكان أَحْرَصَ شيء على الخير - فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- : أما إنَّهُ قد صدقك وهو كذوب ، تَعْلَمُ مَنْ تخاطبُ منذ ثلاث يا أبا هريرة ؟ قال : قلتُ : لا ، قال : ذاك شيطان» أخرجه البخاري .
ومن الآيات ذات الشأن في هذه السورة الكريمة خواتيم سورة البقرة فعن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" متفق عليه. ولمعنى والله أعلم أنها تكفيه من كل سوء وشر في ليلته تلك وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود انه صلى الله عليه وسلم أعطي هذه الآيات ليلة عرج به إلى السماء وهو عند سدرة المنتهى. والمقصود بخواتيم سورة البقرة الآيتان الأخيرتان منها من قوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل غليه من ربه إلى قوله وانصرنا على القوم الكافرين).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين اقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من قراءة سورة البقرة في بيوتكم واحرصوا على قراءة خواتيمها إذا أمسيتم وعلى تلاوة آية الكرسي إذا أمسيتم و في دبر كل صلاة فإن تلاوتها دبر الصلوات من أسباب دخول الجنة كما في الحديث الذي رواه ابن السني وحسنه الألباني
إخوة الإيمان إن الله عز وجل أنزل القرآن لنتلو آياته ونتدبرها ونعمل بما فيها ابتغاء مرضاته فمن فعل ذلك كان من السعداء ومن أعرض عنه فلم يتله ولم يعمل بما فيه كان من الخاسرين الأشقياء.
إن أحوالنا مع القرآن شيء يبعث على الأسى والحزن إلا من رحم الله فما أكثر انشغالنا عنه بأنواع اللهو والمشغلات من متابعة الصحف والقنوات والأخبار وشبكة النت فضلا عن غيرها مما استهلكنا فيه كثيراً من أعمارنا مع قلة نفع وندرة فائدة واشتمال أكثرها على الضرر العقدي والأخلاقي.
فهل من وقفة صادقة مع النفوس لنحملها على الحفاظ على ورد يومي من كتاب الله لا نتخلف عنه نتلوه ونتفقه ما فيه ونجاهد أنفسنا على العمل بمضامينه .
اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها واخرجها من سكرتها وارزقها حسن الاستعداد لاخرتها والانشغال بما ينفعها في عاجلها وآجلها.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه أجمعين وارض اللهم عن الأربعة الخلفا الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين قضوا بالحق وكانوا به يعدلون وارض اللهم عن أزواج نبيك الطاهرات وعن أل بيته وسائر أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم أيد بالحق إمامنا وارزقه البطانة الصالحة وأره الحق حقاً وارزقه اتباعه واره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه وكن له على الحق مؤيداً ونصيراً .
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .