هبت الرياح بقوة على القرية الصغيرة راسمة صورة بائسة لقرية أناسها بؤساء،أشقياء،لا حيلة لهم ولا قوة،قهرهم بطش الإستعمار و طاغوته الذي يفرض ظلاله على القرية، أو لنقل المحتشد الذي أقامه لهم.
كانت سمية وهي فتاة في الثالثة عشر من عمرها تسير في أزقتها الضيقة الملتوية،على أراضيها غير المستوية وهي تحمل فوق رأسها جرة ماء،تمشي برتابة وهي تنظر إلى الأطفال بثيابهم الرثة ووجوههم المتسخة وهم يلعبون محاولين بذلك قتل السكون الذي يخيم على القرية،لم يمنعهم الضيق الشديد من اللعب ، فكثيرا ما كان يصاب الأطفال أو تحدث مناوشات بينهم لأتفه الأسباب فتندلع حرب لا نهاية لها بينهم أو بين أمهاتهم،لا تتذكر سمية أنها كانت تلعب مثلهم فقد كلنت في صغرها تساعد أمها في أعمال البيت و في الإعتناء بإخوتها الصغار لأنها البنت البكر،واصلت سيرها وهي تحاول جاهدة أن لا يدخل الغبار إلى عينيها،كانت ترى منازلهم الصغيرة و النساء المُجْهَداتِ من عيش الذلّ،شيوخ قتلهم الوقت و النسيان ، أوساخ متراكمة هنا وهناك...،وبعد عناء كبير وصلت إلى بيتها بالرغم من أنه كبير مقارنة بالبيوت المحيطة به إلا أنها لا تعيش وحدها فهو يضم خمس عائلات ثلاث أعمام وعائلاتهم، وعمة مطلقة وبناتها بالإضافة إلى أمها و إخوتها الصغار.
تدخل سمية الالدار فتستقبلها أمها باللوم و العتاب لاتأخرها في إحضار الماء لأنها أخرتها في غسل الثياب و إعداد الطعام بسبب تكاسلها،فتأخذ منها الجرة وهي تتمتم ،أما سمية فتمر صامتت عبر الردهة المشتركة في وسط البيت وسط نظر زوجات أعمامها و ضحكات بناتهن ثم تصعد درجا متآكلا لقدمه،وتسير وسط دهليز مظلم لتدخل في الأخير إلى غرفة متوسطة الحجم،أعدت طعام الغداء على مضض ثم صعدت إلى السطح و الذي يشكل متنفسا لها من مشاكل هي في غنى عنها،من صراخ أمها و خصوماتها المتكررة مع زوجات أعمامها ومن ضجيج إخوتها وصغار البيت،اتخذت سمية مكانها و أخذت تراقب الذاهب و الآتي،هذا عمي رابح معروف في القرية يأتي كل يوم بحماره المحمل بكل أنواع الخردوات و يبيعها بأبخس الأثمان ، يمشي بحذر في الأرض غير المستوية ووراءه مجموعة من الأطفال كأنهم الذباب يتسابقون و يقتتلون من أجل الظفر بأنفع الأشيلء و أجودها، ولا يزالون كذلك حتى يأخذ كل منهم مراده،وفي جهة أخرى ترمق حانوتا صغيرا هو حانوت عبد الحميد الجزار يبيع اللحم بسعر معقول،هوغير راض عن هذا لكن ما باليد حيلة فإن رفه سعره فلن بشتري عليه أحد،لقد كان مشغولا بسماع ما يبثه مذياعه من أخبار عالمية ،ويحاول في نفس الوقت هش الذباب بمروحته البالية،فجأة شدّ انتباهها صراخ جارتيها وهما تتخاصمان لقد أصبح تخاصمهما شيئا عاديا بالنسبة لسمية و معظمه ينشب من جراء اختصام الصغار،وكل واحدة منهما تتهم الأخرى بالبدء وتتقاذفان السباب و أشنع الأوصاف،و في قليل من الأحيان يتطور العراك من كلام إلى بالأيدي،لكنهما في نهاية كل شجار تتصالحان وتمضي كل منهما لشؤونهاكأن لم يكن هناك شيء،وماترى سمية أن هذا الشجار سوى إفراغ لطاقة الغضب و السخط من هذه الحياة البائسة التي يعيشونها،نزلت سمية إلى الخندق كما يحلوا لها أن تسميه فوجدت أن غخوتها وأمها قد تناولوا طعامهم و لم يبق لها إلا القليل فتتناوله في قناعة ورضي،أتمت عملها وصلت الظهر ثم جلست في سرير بال تنظر إلى أمها وهي تخيط الملابس بآلة خياطة هي كل ما يملكونه وهي الوسيلة الوحيدة لضمان لقمة العيش،هي في السادسة و الثلاثين،نحيلة لكنها قوية ترتدي جبة سوداء و تعصب شعرها بشال أحمر اللون،تقاسيم وجهها النحيل الذي بدأت تغزوه التجاعيد و الهالات السوداء تحت عينيها كل هذا لم يمح القوة التي يشع بها وجهها و عيناها الجريئتين،قطع تأملها صوت والدتها وهي تأمرها بمساعدتها في خياطة الملابس فساعدتها وحينما أنهت صعدت إلى عالم حريتها هي تتفادى النزول إلى الردهة حتى لا تتشاجر مع بنات العم والعمةو في السطح تجول ببصرها نحو البيوت الشقية وهي تضم أناسا أكثر شقاء تتمنى لو أن لها خاتم سيدنا سليمان فتنزع البؤس عنهم و تطرد الاستعمار تنظر بعيدا الى حقول كانت في يوم ما ملكهم في ذلك الوقت كان الهناء و الرخاء،ثم تحول نظرها الى الجبال العتيدة و التي تعاقبت عليها اجيال كثيرة تتمنى لو تتكلم فتفرغ ما في جعبتها و تعرف تارخا نسي بعضه و طمس البعض الآخرهي تسبّه تعرجات الجبال ومسالكها بالتجاعيد التي كانت تسكن وجه جدتها المتوفاة،غربت الشمس وعم الظلام أرجاء القرية فلا ترى سوى أنوار خافتة من نوافذ ضيقة،شعرت سمية بنسات الليل الباردة،فنزلت مسرعة إلى خندقها لتنهي بذلك بقية نهار اعتادت تكرار تفاصيله كل يوم.
يتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتبع
أرجوا الردود