بسم الله والصلاة والسّلام على رسـول الله .. أمّـا بعد؛ فهذه مجموعـة من المُخالفات والأخطاء التي تقع فيها بعض أخواتنا وأمهاتنا أثناء الصلاة وخارجها، وكلّها ملاحظات سجّلتها خلال صلاة التراويح ورأيتُ أنها تتكرّر كلّ سنـة، فكان لزامًا عليّ أن أنصح لنفسي ولأخواتي ولعُموم المسلمين. وقد جمعتُ في هذه الرسالة المُختصرة ما يسّر الله لي جمعه من الأخطاء مع تصحيحها بما ثبت في السُنة وبما جاء في أقوال أهل العلم. سائِلة الله أن ينفع بـما قدمت. وجزى الله فضيلة الشيخ: أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي –حفظه الله- على مراجعته للرسـالة وعلى تصويبه.
1- مُخالفات خارج الصلاة:
- خروجهن مُتعطرات: كثيرًا ما نلحظ أخواتنا يأتين إلى المساجد مُتطيِّبات وفي ظنهن أن ذلك جائِز أو أن ذلك أمر مُستحب في الصلاة ومن تمام الطهارة، وهذا الأمر نهى عنه –صلى الله عليه وسلم- في مواضع كثيرة؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ» [1] تفلات: غير متطيِّبات، وثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ». وفي رواية : «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا» [2]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا خَرَجَت الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْتَغْتَسِلْ مِن الطِّيبِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِن الْجَنَابَةِ» [3].
وفي المُقابل هناك من تتساهل في طهارة بدنها وثوبها فتأتي إلى المسجد بثياب رثّة أو لا تُزيل عن بدنها الروائِح الكريهة أو لا تُزيل رائِحة الطعام من فمها أو ثوبها مما يُؤذي الحاضرات في المسجد؛ فعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسْ» [4]، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خطبته: (ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمَـرَ به فأُخرِجَ إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً) [5]. وعن عن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إنسانٌ منهم -وهو عندي- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» [6]. وقالت -رضي الله عنها-: (كان الناس مَهَنَةَ أنفسِهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم ، فقيل لهم: لو اغتسلتم) [7]. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- عندما سُئِل عن حُكم صلاة العُمال بثياب العمل المستخة بالزيوت: (وعليك يا أخي أن تغير الملابس التي يتأذى منها إخوانك، إذا كان فيها رائحة تؤذيهم، أما إذا ما كان فيها رائحة تؤذيهم، فصلي فيها والحمد لله؛ لأنها طاهرة، أما إن كان في روائح تؤذيهم، أو أوساخاً تنتقل إليهم، إلى من بجوارك تنتقل إليه الأوساخ، بدلها، أعد الثياب إذا أذن المؤذن تلبسها، وتذهب إلى الصلاة، وعليك أن تتقي الله في ذلك) أهـ [8].
- خروجهن بعباءات مزركشة: من المعلوم أن من شروط الحجاب الشرعي أن لا يكون زينة في ذاته وأن يكون واسعًا فضفاضًا لا يصف ولا يشف، وقد بالغت بعض أخواتنا –هدانا الله وإياهن سواء السبيل- في لبس العباءات المُزركشة والمطرزة المُلفتة للنظر. ومنهن من تكون عباءتها ملتصقة على جسمها، ومنهن من تضع على رأسها خمارًا لا يُغطِّي شعرها كاملاً ولا ورقبتها، فتُصلِّي وهي متكشّفة، وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت : سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» فقيل لِعَمْرَةَ : أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . [9]. ماذا لو رأت حالنا اليوم؟!! الله المستعان.
- كثرة الحديث في المسجد وعدم لزوم الصمت والسكينة: حقيقة هذه من أكثر الأمور التي باتت مُزعجة، فنرى الكثير من النسـاء ما إن يلجن المسجد لا يتوقفن عن الكلام مع بعضهن ويا ليتها كانت أمور نافعة، بل جل كلامهن في أمور دنيوية تافهة بل وحتى غيبة ونميمة والله المستعان، وهنّ بذلك يُشوشن على من تقرأ القرآن أو تذكر الله أو تُصلي. وكثيرًا ما يُوجه لهن الإمام الملاحظة باِلتزام الصمت وخفض أصواتهن لكن لا اِستجابة والله المستعان.
وقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض الصحابة عندما وجدهم يرفعون أصواتهم بعضهم على بعض في المسجد بتلاوة القرآن يشوشون على بعض وسماه النبي أذيه، فالأمر بالسكوت وخفض الصوت بالكلام غير القرآن من باب أولى، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِى قُبَّةٍ لَهُ فَكَشَفَ السُّتُورَ وَقَالَ « أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَلاَ يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ - أَوْ قَالَ - فِى الصَّلاَةِ». [10]. وعَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ -رحمه الله- أَنَّهُ قَالَ : (الْكَلامُ فِي الْمَسْجِدِ لَغْوٌ إلا لِمُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرِ رَبِّهِ أَوْ سَائِلِ خَيْرٍ أَوْ مُعْطِيه)أهـ [11].وكذلك مما لاحظته هو تلفظ الكثيرا منهن بألفاظ مخالفة للعقيدة والله المستعان.
- حجز الأماكن: كذلك من الأمور التي باتت منتشرة بكثرة بين أخواتنا هو حجز كل واحدة منهن مكان خاص بها ولا تسمح لغيرها بالجلوس فيه، وحتى وإن تأخرت فيجب أن يبقى ذلك المكان شاغر حتى مجيئتها، فأصبح المسجد عبارة عن أماكن محجوزة لا يحق لأي أحد الاِقتراب منها بل حتى لا يُسمح حتى بأداء سُنة تحيّة المسجد. وهذا مُخالف لما أمر النبِّي –صلى الله عليه وسلم-.
سُئِل الشيخ بن باز –رحمه الله-:سائل يسأل عن حجز الأماكن يوم الجمعة وحبسها لأناس خلف الإمام ومنع من جاء ليجلس فيها ؟
فأجاب: (المسجد لمن سبق، فلا يجوز لأحد أن يحجز مكانا في المسجد ، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ يَعْلَمِ النَّاسَ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاِسْتَهَمُوا» [12] أي : لاقترعوا ، فحجزه أمر لا يجوز وغصب للمكان ولا حق لمن غصبه، فالسابق أولى منه وأحق به حتى يتقدم الناس إلى الصلاة بأنفسهم) أهـ [13].
وسُئِل الشيخ بن عُثيمين –رحمه الله- عن حكم حجز المكان في المسجد؟
فأجاب: (حجز الأماكن إذا كان الذي حجزها خرج من المسجد فهذا حرام عليه ولا يجوز؛ لأنه ليس له حق في هذا المكان، فالمكان إنما يكون للأول فالأول، حتى إن بعض فقهاء الحنابلة يقول: إن الإنسان إذا حجز مكاناً وخرج من المسجد فإنه إذا رجع وصلى فيه فصلاته باطلة؛ لأنه قد غصب هذا المكان؛ لأنه ليس من حقه أن يكون فيه وقد سبقه أحد إليه، والإنسان إنما يتقدم ببدنه لا بسجادته، أو منديله، أو عصاه، ولكن إذا كان الإنسان في المسجد ووضع هذا وهو في المسجد لكن يحب أن يكون في مكان آخر يسمع درساً، أو يتقي عن الشمس ونحو ذلك فهذا لا بأس به، بشرط أن لا يتخطى الناس عند رجوعه إلى مكانه، فإن كان يلزم من رجوعه تخطي الناس وجب عليه أن يتقدم إلى مكانه إذا حاذاه الصف الذي يليه لئلا يؤذي الناس) أهـ [14].
- حرص بعضهن على الجُلوس في الصفوف الأخيرة: هذا أيضًا من الأمور التي باتت مُلاحظة بشكل كبير، حيث أن الكثير من الأخوات –والكبيرات في السن على وجه الخُصوص- يحرصن على الجُلوس في الصفوف الأخير حيث يكون خُروجهن من المسجد أسهل ويتركن الصفوف الأولى شاغرة وأوقات تُقام الصلاة والصفوف على تلك الحال والله المستعان، وقد كان النبِّي –صلى الله عليه وسلم- يَحُثُ أصحابه على إتمام الصفوف الأول فالأول، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُعِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ : «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» [15]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» [16]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» [17]. فكل هذه النُصوص تُبيِّن أنه يجب إتمام الصف الأول فالأول، وأنه لا يجب أن يُشرع في إنشـاء صف جديد حتى يكتمل الأول، وهذا ما لا نراه في المساجد والله المستعان.
نعم خير صفوف النساء المتأخرة وهي أفضل من الصفوف الأُول فقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « .. وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». [18].
وهذا يُحمل فيما إذا كنّ النساء يصلين في جزء من المسجد مكشوف للرجال ويراهم الرجال ويرون الرجال ولم يكن للنساء مكان منعزل في السجد ومستور عن أنظار الرجال ، أما والحال اليوم في غالب المساجد أن للنساء مكان مخصص في المسجد منعزل تماماً عن الرجال بجدار ومقفل ؛ فالواجب المبادرة للصف الأول وإكمال الصفوف لعموم الأدلة في ذلك .
- إحضار البنات الصغيرات وتركهن يعبثن في المسجد ويَمْرُرْنَ بين يدي المصليات، فمن ليس لديها من يعتني بأطفالها في البيت فلا يلزمها أن تأتِ بهم للمسجد فتشوش على المصلين ويذهب الخشوع والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة، لا سيما أن الأصل في فضل صلاة المرأة في بيتها، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن رفع الصوت بالقراءة في المسجد؛ فكيف بصراخ الأطفال ولعبهم في المسجد؟؟!!
- مرورهن بين يدي المصليّات أثناء تأديتهن للنوافل: وهذه من المسائِل التي تجهلها كثير من النسـاء وبِتْنَا نتحرّج منها كثيرًا؛ فقد ثبت عن النبِّي –صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: «يَقْطَعُ الصَّلاةَ: المرْأةُ، وَالحِمَارُ والكَلْبُ، وَيَقِي ذلِكَ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ». [19]، وعن أبي ذر –رضي الله عنه- قال: قال النبِّي –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدِ». [20]. فعلى أخواتنا التنبّه لهذه المسألة؛ فمن أرادت أن تُصلي فيجب أن تضع سُترة أمامها كي لا تُقطع صلاتها، ومن رأت أختها تُصلِّي فلا تمر أمامها إلى أن تنتهي من صلاتها.
1- مُخالفات خارج الصلاة:
- خروجهن مُتعطرات: كثيرًا ما نلحظ أخواتنا يأتين إلى المساجد مُتطيِّبات وفي ظنهن أن ذلك جائِز أو أن ذلك أمر مُستحب في الصلاة ومن تمام الطهارة، وهذا الأمر نهى عنه –صلى الله عليه وسلم- في مواضع كثيرة؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ» [1] تفلات: غير متطيِّبات، وثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ». وفي رواية : «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا» [2]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا خَرَجَت الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْتَغْتَسِلْ مِن الطِّيبِ كَمَا تَغْتَسِلُ مِن الْجَنَابَةِ» [3].
وفي المُقابل هناك من تتساهل في طهارة بدنها وثوبها فتأتي إلى المسجد بثياب رثّة أو لا تُزيل عن بدنها الروائِح الكريهة أو لا تُزيل رائِحة الطعام من فمها أو ثوبها مما يُؤذي الحاضرات في المسجد؛ فعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ المُنْتِنَةِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسْ» [4]، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خطبته: (ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمَـرَ به فأُخرِجَ إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً) [5]. وعن عن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إنسانٌ منهم -وهو عندي- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» [6]. وقالت -رضي الله عنها-: (كان الناس مَهَنَةَ أنفسِهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم ، فقيل لهم: لو اغتسلتم) [7]. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- عندما سُئِل عن حُكم صلاة العُمال بثياب العمل المستخة بالزيوت: (وعليك يا أخي أن تغير الملابس التي يتأذى منها إخوانك، إذا كان فيها رائحة تؤذيهم، أما إذا ما كان فيها رائحة تؤذيهم، فصلي فيها والحمد لله؛ لأنها طاهرة، أما إن كان في روائح تؤذيهم، أو أوساخاً تنتقل إليهم، إلى من بجوارك تنتقل إليه الأوساخ، بدلها، أعد الثياب إذا أذن المؤذن تلبسها، وتذهب إلى الصلاة، وعليك أن تتقي الله في ذلك) أهـ [8].
- خروجهن بعباءات مزركشة: من المعلوم أن من شروط الحجاب الشرعي أن لا يكون زينة في ذاته وأن يكون واسعًا فضفاضًا لا يصف ولا يشف، وقد بالغت بعض أخواتنا –هدانا الله وإياهن سواء السبيل- في لبس العباءات المُزركشة والمطرزة المُلفتة للنظر. ومنهن من تكون عباءتها ملتصقة على جسمها، ومنهن من تضع على رأسها خمارًا لا يُغطِّي شعرها كاملاً ولا ورقبتها، فتُصلِّي وهي متكشّفة، وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت : سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» فقيل لِعَمْرَةَ : أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . [9]. ماذا لو رأت حالنا اليوم؟!! الله المستعان.
- كثرة الحديث في المسجد وعدم لزوم الصمت والسكينة: حقيقة هذه من أكثر الأمور التي باتت مُزعجة، فنرى الكثير من النسـاء ما إن يلجن المسجد لا يتوقفن عن الكلام مع بعضهن ويا ليتها كانت أمور نافعة، بل جل كلامهن في أمور دنيوية تافهة بل وحتى غيبة ونميمة والله المستعان، وهنّ بذلك يُشوشن على من تقرأ القرآن أو تذكر الله أو تُصلي. وكثيرًا ما يُوجه لهن الإمام الملاحظة باِلتزام الصمت وخفض أصواتهن لكن لا اِستجابة والله المستعان.
وقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض الصحابة عندما وجدهم يرفعون أصواتهم بعضهم على بعض في المسجد بتلاوة القرآن يشوشون على بعض وسماه النبي أذيه، فالأمر بالسكوت وخفض الصوت بالكلام غير القرآن من باب أولى، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِى قُبَّةٍ لَهُ فَكَشَفَ السُّتُورَ وَقَالَ « أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَلاَ يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ - أَوْ قَالَ - فِى الصَّلاَةِ». [10]. وعَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ -رحمه الله- أَنَّهُ قَالَ : (الْكَلامُ فِي الْمَسْجِدِ لَغْوٌ إلا لِمُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرِ رَبِّهِ أَوْ سَائِلِ خَيْرٍ أَوْ مُعْطِيه)أهـ [11].وكذلك مما لاحظته هو تلفظ الكثيرا منهن بألفاظ مخالفة للعقيدة والله المستعان.
- حجز الأماكن: كذلك من الأمور التي باتت منتشرة بكثرة بين أخواتنا هو حجز كل واحدة منهن مكان خاص بها ولا تسمح لغيرها بالجلوس فيه، وحتى وإن تأخرت فيجب أن يبقى ذلك المكان شاغر حتى مجيئتها، فأصبح المسجد عبارة عن أماكن محجوزة لا يحق لأي أحد الاِقتراب منها بل حتى لا يُسمح حتى بأداء سُنة تحيّة المسجد. وهذا مُخالف لما أمر النبِّي –صلى الله عليه وسلم-.
سُئِل الشيخ بن باز –رحمه الله-:سائل يسأل عن حجز الأماكن يوم الجمعة وحبسها لأناس خلف الإمام ومنع من جاء ليجلس فيها ؟
فأجاب: (المسجد لمن سبق، فلا يجوز لأحد أن يحجز مكانا في المسجد ، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ يَعْلَمِ النَّاسَ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاِسْتَهَمُوا» [12] أي : لاقترعوا ، فحجزه أمر لا يجوز وغصب للمكان ولا حق لمن غصبه، فالسابق أولى منه وأحق به حتى يتقدم الناس إلى الصلاة بأنفسهم) أهـ [13].
وسُئِل الشيخ بن عُثيمين –رحمه الله- عن حكم حجز المكان في المسجد؟
فأجاب: (حجز الأماكن إذا كان الذي حجزها خرج من المسجد فهذا حرام عليه ولا يجوز؛ لأنه ليس له حق في هذا المكان، فالمكان إنما يكون للأول فالأول، حتى إن بعض فقهاء الحنابلة يقول: إن الإنسان إذا حجز مكاناً وخرج من المسجد فإنه إذا رجع وصلى فيه فصلاته باطلة؛ لأنه قد غصب هذا المكان؛ لأنه ليس من حقه أن يكون فيه وقد سبقه أحد إليه، والإنسان إنما يتقدم ببدنه لا بسجادته، أو منديله، أو عصاه، ولكن إذا كان الإنسان في المسجد ووضع هذا وهو في المسجد لكن يحب أن يكون في مكان آخر يسمع درساً، أو يتقي عن الشمس ونحو ذلك فهذا لا بأس به، بشرط أن لا يتخطى الناس عند رجوعه إلى مكانه، فإن كان يلزم من رجوعه تخطي الناس وجب عليه أن يتقدم إلى مكانه إذا حاذاه الصف الذي يليه لئلا يؤذي الناس) أهـ [14].
- حرص بعضهن على الجُلوس في الصفوف الأخيرة: هذا أيضًا من الأمور التي باتت مُلاحظة بشكل كبير، حيث أن الكثير من الأخوات –والكبيرات في السن على وجه الخُصوص- يحرصن على الجُلوس في الصفوف الأخير حيث يكون خُروجهن من المسجد أسهل ويتركن الصفوف الأولى شاغرة وأوقات تُقام الصلاة والصفوف على تلك الحال والله المستعان، وقد كان النبِّي –صلى الله عليه وسلم- يَحُثُ أصحابه على إتمام الصفوف الأول فالأول، فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُعِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ : «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» [15]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» [16]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» [17]. فكل هذه النُصوص تُبيِّن أنه يجب إتمام الصف الأول فالأول، وأنه لا يجب أن يُشرع في إنشـاء صف جديد حتى يكتمل الأول، وهذا ما لا نراه في المساجد والله المستعان.
نعم خير صفوف النساء المتأخرة وهي أفضل من الصفوف الأُول فقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « .. وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». [18].
وهذا يُحمل فيما إذا كنّ النساء يصلين في جزء من المسجد مكشوف للرجال ويراهم الرجال ويرون الرجال ولم يكن للنساء مكان منعزل في السجد ومستور عن أنظار الرجال ، أما والحال اليوم في غالب المساجد أن للنساء مكان مخصص في المسجد منعزل تماماً عن الرجال بجدار ومقفل ؛ فالواجب المبادرة للصف الأول وإكمال الصفوف لعموم الأدلة في ذلك .
- إحضار البنات الصغيرات وتركهن يعبثن في المسجد ويَمْرُرْنَ بين يدي المصليات، فمن ليس لديها من يعتني بأطفالها في البيت فلا يلزمها أن تأتِ بهم للمسجد فتشوش على المصلين ويذهب الخشوع والطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة، لا سيما أن الأصل في فضل صلاة المرأة في بيتها، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن رفع الصوت بالقراءة في المسجد؛ فكيف بصراخ الأطفال ولعبهم في المسجد؟؟!!
- مرورهن بين يدي المصليّات أثناء تأديتهن للنوافل: وهذه من المسائِل التي تجهلها كثير من النسـاء وبِتْنَا نتحرّج منها كثيرًا؛ فقد ثبت عن النبِّي –صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: «يَقْطَعُ الصَّلاةَ: المرْأةُ، وَالحِمَارُ والكَلْبُ، وَيَقِي ذلِكَ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ». [19]، وعن أبي ذر –رضي الله عنه- قال: قال النبِّي –صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدِ». [20]. فعلى أخواتنا التنبّه لهذه المسألة؛ فمن أرادت أن تُصلي فيجب أن تضع سُترة أمامها كي لا تُقطع صلاتها، ومن رأت أختها تُصلِّي فلا تمر أمامها إلى أن تنتهي من صلاتها.