عهدُ وفاءٍ عجيب
أعترف أنها لم تكُن حفلةً مُمتِعة، لكن إطراء النِّسوة على فستان سهرتي الجميل وعباراتهم في أنني أنا ما جعله جميلا أشعرتني ببعض المُتعة خاصة وأنا أُجاملهنّ بتلك الابتسامة الرّاقية وكأنّني ملِكَةٌ تُحيّيهنّ من سُمُوِّ شُرفتها العالية.
أحبّ هذا الشعور، ولتعارضني أية فتاة تظنّ أنه ليس شعورا مُمْتِعا.
لقد تعوّدتُ عليه منذ الطّفولة، منذ أن كان رُفقاء اللعب الصبيان قبل البنات يمنحونني على الدّوام مركز الملكة الآمرة في كلّ لعبةٍ نلعبُها.. ولن تهُمّني غَيرةُ الفتيات فأنا في نَظرِ نفسي أرفعُ مقاما من التأثّر بها...
كلّ هذا غيرُ مُهمّ، فالذي أثار إعجابي هو طفلةٌ بين البنات اللائي حضرن مُرافقاتٍ لبعض النِّسوة، كل البنات حَصَلْنَ على العصير بينما هي لم تحصُل على شيئ منه، فلما نبّهتها إلى ذلك إحداهنّ قالت: " ماذا أفعلُ لشيء لم يكتُبه الله لي ولم يجعله من نصيبي؟ وإن كان قد كتب الله لي شيئا فسآخذه مهما كان السبب"
ضحِكت منها إحدى الصغيرات ولم تكُن تروقني هذه الطفلة من الأساس، رغم أن الكثيرات تُبدين الإعجاب بطريقة تصرّفها الشبيهة بتصرّفات شابةٍ ناضجة، إنها تربيةُ والدتها وأعترف أنها تربيةٌ فيها إيجابيّاتٌ عِدّة، لكنّ هذه الوالدة هي من لا تَروقُني في الحقيقة.
ذلك لأني أتذكّر جيّدا كيف كانت تُحاول التقليل من شأني في طفولتي، فقط لترفع من شأن ابنتها الكُبرى لتبدو أفضل مني، مع ذلك كنتُ أنا المَلِكة وكانت هي تحت إمرتي إلى اليوم الذي انتهت فيه ألعاب طفولتنا وصرنا صبايا ناضجات...
ما أجمل تلك الأيام ! كم أحِنّ إليها وأتمنى عَوْدَتَها ! على الأقل لم أكن خلالها تحت هذا المِجهر الدّقيق من عيون النساء ولم تكن هنالك من تُحاول اختباري في امتحانات ربات البيوت، أأصلح أن أكون منهنّ أم أنّ عليّ التدرّب أكثر...
على كل حال لم يكن يعنيني رأي أيّ كانت، ولا يهمّني ما تهتمّ به كثيرٌ من الصبايا، إثارةُ الإعجاب واغتنامُ عريسٍ للمستقبل يَصلُح للتغيير فيما إذا تبدّى على الطريق من هو أفضل منه.. فطموحاتي أكبر بكثير.
ناديتُ على تلك الطفلة التي أثارت كلماتها إعجابي وأعطيتُها كوبا من العصير ثم سألتها عن اسمها وكمِّ السنين الذي أفنته في هذه الحياة فقالت: "إسمي هو أَرْوَى وعُمري تسع سنوات" ما شاء الله يا أروى إنك صبية، واسمُك جميلٌ جدًّا، هل أنتِ مُجتهدةٌ في دراستك؟ ردّت: "نعم، لكنهم لا يسمحون لنا بتفجير طاقاتنا ولا يُحاولون اكتشاف مواهبنا، يُشجّعون فقط بنات الأثرياء ويجعلونهن يلعبن في الفريق القوي والناجح بينما أنا ألعب دائما مع الفريق الضعيف والخاسر مهما كنتُ موهوبة، فقطرة الحبر لا تُلوّن بركة ماء، وهن لا تُعِرْنَ نصائحي انتباها، فَضْلا عن الاهتمام"
رنوت إليها مليّا لأتأكد من صدقها فيما يَخُصّ العمر الذي ذكرَتْه، بل عاودتُ سؤالها لأتأكد بأنّ ما التقطته أذني هو الرقم الصحيح، فأكّدت لي أنني لم أتوهّمه، تسع سنوات؛ أخبرتها أن كلامها يبدو أكبر من سنّها فقالت: "ذلك ما تقوله لي خالتي الصُّغرى غادة ، إنها جميلةٌ جدّا لدرجة أنّ جمالها قد حرمها من الزّواج" ما هذا الكلام العجيب ! هل يُمكن للجمال أن يَحْرم صاحبته من الزواج؟ المعروف أنّ العكس هو الصحيح !
ولم تبخل عليّ أروى بالإجابة عن تساؤلي قبل أن أنْبِس: " لقد جعل الشباب اللذين أُعجبو بها يختصمون من أجلها لحدّ التشاجر بالأيدي ومُحاولة الاقتتال بالسكاكين وكلٌّ منهم يُقسم أنه لن يدعها تتزوّج سواه، وقد حاول أحدهم قتل حبيبها الذي اختارته فأقسَمَت أنها لن تسمح لأحد ببناء أي نوع من العلاقات معها ولا حتى الصداقة، وامتنعت عن الخاطبين، بل كانت تطردهم من بيت أهلها كلما حاول أحدهم التقدّم لها، وفي الأخير التزمت البيت وامتنعت عن الخروج فضلا عن حُضور أي نوعٍ من المُناسبات، الآن تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها وما تزال عزباء، لكنها تقول لي دائما أنني ابنتها التي لم تلدها، وأنا أعُدّها صديقتي المُقرّبة نحن نُحبّ بعضنا كثيرا لدرجة أنني انتقلتُ للعيش معها عند جدي وجدّتي منذ بدأتُ الدراسة، فبيت أهلي بعيد جدا عن المدرسة بعكس منزل جدي"
صمتنا قليلا كلٌّ منا تغوص في عالمٍ من الأفكار المُختلفة وجعلني الفضول أسألها: "ماذا عن حبيبها؟ هل تخلّى عنها واستسلم بسهولة؟" فقالت: "لا أبدا، لقد أقسم بأغلض الأيمان أنه لن يتزوّج غيرها وإن اضطر لانتظارها عقودا حتي يذهب جمالها ويبلى شبابها، ذلك لأنه أحبّها لذاتها لا لجمالها، لقد شوّه ذراعه بخنجرٍ دليلا على صدق عهده، تجاوز الأربعين ولا يزال ينتظر أن توافق على الارتباط به منذ سبع عشرة سنة وأعتقد أنه سينتظر طويلا بعد، فخالتي غادة ما تزال جميلة وما تزال تبدو أصغر من سنّها"
ونادت عليها امرأةٌ جميلة يبدو أنها والدتها تؤذِنها بموعد المُغادرة، فاستأذنتني إليها وتركني وسط دوّامةٍ من الذهول والاستغراق فيما روت لي..
أثرت فيّ لأبعد مدى قصّة خالتها لدرجةٍ شغلتني فيها عن كلّ شيئ كان في تلك الأُمسية..
أيُمكن لحبيبٍ أن يكون بكلّ ذلك الوفاء؟ أيمكن أن يهب كل هذه السنين لعهدٍ قطعه لامرأة؟ أله أن يسفك من أجله دمه ويشوّه جسده؟
تأمّلتُ النجوم المُشرقة تُرَصّع جَنَبات السماء قبل أن أُخفي جمالها خلف ستار نافذتي، استلقيت في فراشي أبتسم عَجَبا من الجمال الساحر للوفاء الذي فاق كُلّ جَمالٍ في الكَوْن.
أعترف أنها لم تكُن حفلةً مُمتِعة، لكن إطراء النِّسوة على فستان سهرتي الجميل وعباراتهم في أنني أنا ما جعله جميلا أشعرتني ببعض المُتعة خاصة وأنا أُجاملهنّ بتلك الابتسامة الرّاقية وكأنّني ملِكَةٌ تُحيّيهنّ من سُمُوِّ شُرفتها العالية.
أحبّ هذا الشعور، ولتعارضني أية فتاة تظنّ أنه ليس شعورا مُمْتِعا.
لقد تعوّدتُ عليه منذ الطّفولة، منذ أن كان رُفقاء اللعب الصبيان قبل البنات يمنحونني على الدّوام مركز الملكة الآمرة في كلّ لعبةٍ نلعبُها.. ولن تهُمّني غَيرةُ الفتيات فأنا في نَظرِ نفسي أرفعُ مقاما من التأثّر بها...
كلّ هذا غيرُ مُهمّ، فالذي أثار إعجابي هو طفلةٌ بين البنات اللائي حضرن مُرافقاتٍ لبعض النِّسوة، كل البنات حَصَلْنَ على العصير بينما هي لم تحصُل على شيئ منه، فلما نبّهتها إلى ذلك إحداهنّ قالت: " ماذا أفعلُ لشيء لم يكتُبه الله لي ولم يجعله من نصيبي؟ وإن كان قد كتب الله لي شيئا فسآخذه مهما كان السبب"
ضحِكت منها إحدى الصغيرات ولم تكُن تروقني هذه الطفلة من الأساس، رغم أن الكثيرات تُبدين الإعجاب بطريقة تصرّفها الشبيهة بتصرّفات شابةٍ ناضجة، إنها تربيةُ والدتها وأعترف أنها تربيةٌ فيها إيجابيّاتٌ عِدّة، لكنّ هذه الوالدة هي من لا تَروقُني في الحقيقة.
ذلك لأني أتذكّر جيّدا كيف كانت تُحاول التقليل من شأني في طفولتي، فقط لترفع من شأن ابنتها الكُبرى لتبدو أفضل مني، مع ذلك كنتُ أنا المَلِكة وكانت هي تحت إمرتي إلى اليوم الذي انتهت فيه ألعاب طفولتنا وصرنا صبايا ناضجات...
ما أجمل تلك الأيام ! كم أحِنّ إليها وأتمنى عَوْدَتَها ! على الأقل لم أكن خلالها تحت هذا المِجهر الدّقيق من عيون النساء ولم تكن هنالك من تُحاول اختباري في امتحانات ربات البيوت، أأصلح أن أكون منهنّ أم أنّ عليّ التدرّب أكثر...
على كل حال لم يكن يعنيني رأي أيّ كانت، ولا يهمّني ما تهتمّ به كثيرٌ من الصبايا، إثارةُ الإعجاب واغتنامُ عريسٍ للمستقبل يَصلُح للتغيير فيما إذا تبدّى على الطريق من هو أفضل منه.. فطموحاتي أكبر بكثير.
ناديتُ على تلك الطفلة التي أثارت كلماتها إعجابي وأعطيتُها كوبا من العصير ثم سألتها عن اسمها وكمِّ السنين الذي أفنته في هذه الحياة فقالت: "إسمي هو أَرْوَى وعُمري تسع سنوات" ما شاء الله يا أروى إنك صبية، واسمُك جميلٌ جدًّا، هل أنتِ مُجتهدةٌ في دراستك؟ ردّت: "نعم، لكنهم لا يسمحون لنا بتفجير طاقاتنا ولا يُحاولون اكتشاف مواهبنا، يُشجّعون فقط بنات الأثرياء ويجعلونهن يلعبن في الفريق القوي والناجح بينما أنا ألعب دائما مع الفريق الضعيف والخاسر مهما كنتُ موهوبة، فقطرة الحبر لا تُلوّن بركة ماء، وهن لا تُعِرْنَ نصائحي انتباها، فَضْلا عن الاهتمام"
رنوت إليها مليّا لأتأكد من صدقها فيما يَخُصّ العمر الذي ذكرَتْه، بل عاودتُ سؤالها لأتأكد بأنّ ما التقطته أذني هو الرقم الصحيح، فأكّدت لي أنني لم أتوهّمه، تسع سنوات؛ أخبرتها أن كلامها يبدو أكبر من سنّها فقالت: "ذلك ما تقوله لي خالتي الصُّغرى غادة ، إنها جميلةٌ جدّا لدرجة أنّ جمالها قد حرمها من الزّواج" ما هذا الكلام العجيب ! هل يُمكن للجمال أن يَحْرم صاحبته من الزواج؟ المعروف أنّ العكس هو الصحيح !
ولم تبخل عليّ أروى بالإجابة عن تساؤلي قبل أن أنْبِس: " لقد جعل الشباب اللذين أُعجبو بها يختصمون من أجلها لحدّ التشاجر بالأيدي ومُحاولة الاقتتال بالسكاكين وكلٌّ منهم يُقسم أنه لن يدعها تتزوّج سواه، وقد حاول أحدهم قتل حبيبها الذي اختارته فأقسَمَت أنها لن تسمح لأحد ببناء أي نوع من العلاقات معها ولا حتى الصداقة، وامتنعت عن الخاطبين، بل كانت تطردهم من بيت أهلها كلما حاول أحدهم التقدّم لها، وفي الأخير التزمت البيت وامتنعت عن الخروج فضلا عن حُضور أي نوعٍ من المُناسبات، الآن تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها وما تزال عزباء، لكنها تقول لي دائما أنني ابنتها التي لم تلدها، وأنا أعُدّها صديقتي المُقرّبة نحن نُحبّ بعضنا كثيرا لدرجة أنني انتقلتُ للعيش معها عند جدي وجدّتي منذ بدأتُ الدراسة، فبيت أهلي بعيد جدا عن المدرسة بعكس منزل جدي"
صمتنا قليلا كلٌّ منا تغوص في عالمٍ من الأفكار المُختلفة وجعلني الفضول أسألها: "ماذا عن حبيبها؟ هل تخلّى عنها واستسلم بسهولة؟" فقالت: "لا أبدا، لقد أقسم بأغلض الأيمان أنه لن يتزوّج غيرها وإن اضطر لانتظارها عقودا حتي يذهب جمالها ويبلى شبابها، ذلك لأنه أحبّها لذاتها لا لجمالها، لقد شوّه ذراعه بخنجرٍ دليلا على صدق عهده، تجاوز الأربعين ولا يزال ينتظر أن توافق على الارتباط به منذ سبع عشرة سنة وأعتقد أنه سينتظر طويلا بعد، فخالتي غادة ما تزال جميلة وما تزال تبدو أصغر من سنّها"
ونادت عليها امرأةٌ جميلة يبدو أنها والدتها تؤذِنها بموعد المُغادرة، فاستأذنتني إليها وتركني وسط دوّامةٍ من الذهول والاستغراق فيما روت لي..
أثرت فيّ لأبعد مدى قصّة خالتها لدرجةٍ شغلتني فيها عن كلّ شيئ كان في تلك الأُمسية..
أيُمكن لحبيبٍ أن يكون بكلّ ذلك الوفاء؟ أيمكن أن يهب كل هذه السنين لعهدٍ قطعه لامرأة؟ أله أن يسفك من أجله دمه ويشوّه جسده؟
تأمّلتُ النجوم المُشرقة تُرَصّع جَنَبات السماء قبل أن أُخفي جمالها خلف ستار نافذتي، استلقيت في فراشي أبتسم عَجَبا من الجمال الساحر للوفاء الذي فاق كُلّ جَمالٍ في الكَوْن.