منتديات الجزائر التعليمية
تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Ezlb9t10




منتديات الجزائر التعليمية
تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Ezlb9t10



منتديات الجزائر التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائر التعليمية دخول

منتديات الجزائر التعليمية ترحب بزوارها الكرام وتتمنى الانضمام الى ساحتها


descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:




فإن الله جل وعلا كتب مقادير كل شيء قبل خلق السماوات والأرض، فكل ما هو كائن فهو في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ومنذ أن أهبط آدم عليه السلام من الجنة إلى هذه ألأرض – وهذا والله أعلم – إيذانًا ببدء الابتلاءات والمصائب لأنها دار البلاء والاختبار فهو عليه الصلاة والسلام وذريته من بعده معرضون للمصائب على تنوعها.




ومن ثم انقسم الناس فمنهم الموفقون الذين }إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{[البقرة: 156] فجزاهم الله بما صبروا إيمانا وتوفيقا وكانت هذه المصائب ممحصة لسيئاتهم ورافعة لدرجاتهم.




وقسم غير موفقين فبمجرد أن تنزل بأحدهم مصيبة إذا هو يتسخط ويجزع ويظهر المخالفة الشرعية فتجده يلطم الخد ويشق الجيب وينوح على ميته ويقول الألفاظ الممنوعة، فيجره ذلك إلى الآثام والشرور ومضاعفة المصاب.




قال عليه الصلاة والسلام: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط»([1]).




وإنَّ من أعظم المصائب التي يبتلى بها المرء فقدان الأحبة والأقربين بموتهم وانتقالهم عن هذه الدار. وحيث إن الواجب على المسلم أن يتحلى بالصبر في هذه الحالة ويلتجئ إلى ربه تبارك وتعالى ويكثر من الذكر والاسترجاع. فقد حاولت الإسهام في تسلية من يصاب بهذه المصائب وذكرت فضيلة الصبر وأوردت بعض النصوص وذكر القصص المفيدة وبعض الأحكام الشرعية لأخذ العبرة والاقتداء بالسلف الكرام، قال الإمام أحمد رحمه الله: «ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا»([2]) وهذا يدل على فضله وأهميته.




والصبر عند أهل العلم على ثلاثة أنواع:




1- صبر على طاعة الله عز وجل.


2- صبر عن محارم الله عز وجل.


3- صبر على أقدار الله عز وجل.




وتكلمت على النوع الثالث فقط لأن موضوع الصبر يحتاج إلى أكثر من ذلك، وخصصت الكلام أيضًا على فقد الأحبة والأقربين.




أرجو الله جل وعلا أن تكون هذه الكلمات معينة على الصبر ومحتذى لمن ناله شيءٌ من الأذى والعون والسداد من الله، رزقنا الله العلم النافع والعمل الصالح، وجعلنا شاكرين لنعمه مثنين بها عليه قابليها، صابرين على مر القضاء محتسبين الأجر من الله.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




([1]) رواه الترمذي في الزهد: باب ما جاء في الصبر على البلاء (2396) وصححه الألباني في صحيح الجامع (285، 2110).
([2]) حاشية كتاب التوحيد (258).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الصبر عند الصدمة الأولى




عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة جاثمة على قبر تبكي فقال لها: «يا أمة الله اتقي الله واصبري قالت يا عبد الله ثكلى قال يا أمة الله اتقي الله واصبري قالت يا عبد الله لو كنت مصابًا عذرتني قال يا أمة الله اتقي الله واصبري قالت يا عبد الله قد أسمعت فانصرف عني، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه رجل من أصحابه فوقف على المرأة فقال لها: ما قال لك الرجل الذاهب قالت: قال لي كذا وكذا وأجبته بكذا وكذا قال هل تعرفينه؟ قالت: لا. قال: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوثبت مسرعة نحوه حتى انتهت إليه وهي تقول: أنا أصبر أنا أصبر يا رسول الله فقال: «الصبر عند الصدمة الأولى الصبر عند الصدمة الأولى»([1]). قال أبو عبيد: معناه أن كل ذي رزية فإن قصاراه الصبر ولكنه إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها.




قال ابن القيم وفي الحديث أنواع العلم:




أحدها: وجوب الصبر على المصائب، وأنه من التقوى التي أمر العبد بها.




الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن سكر المصيبة وشدتها لا يسقطه عن الآمر الناهي.




الثالث: تكرار الأمر والنهي مرة بعد مرة حتى يعذر المرء إلى ربه»([2]).




والمصيبة تختلف عن غيرها فهي تبدأ كبيرة ثم تصغر، فإذا قابلها المسلم بالصبر والاحتساب فإنها تصغر وتهون وقتا بعد وقت، وإلا فإن المصاب سوف يكون مرده إلى السُلو عن مصيبتة ولكن الحمد يكون لمن صبر عند الصدمة الأولى.




وإن من التسخط أن يشتكي المرء إلى غيره جرَاء ما أصابه، وكأنه يشتكي قضاء الله وقدره، وكان الواجب عليه أن يجعل شكواه لربه عز وجل: }قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{[يوسف: 86].




ويروى أن أحد الصالحين سمع رجلا يشتكي إلى أخيه فقال يا هذا والله ما أردت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك.




وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما


 
 
 
 
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم


 


وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله سبحانه: «ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابًا دون الجنة»([3]).
* * *


([1]) أورده السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للبزار وأبي يعلي وصححه الألباني في صحيح الجامع (3856) وبنحوه عند مسلم على اختلاف في ألفاظه ح (626) كتاب الجنائز باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى – وروى أصله البخاري في كتاب الجنائز (3/205) مع الفتح وفي مواضع أخرى.
([2]) عدة الصابرين (79).
([3]) رواه ابن ماجه (1597) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
من يتصبر يصبره الله




عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد خيرًا أوسع من الصبر»([1]).




فمن تصبر صبره الله وأعانه على مقصده النبيل وكان عاقبة أمره الفلاح والجزاء الحسن: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{[الزمر: 10].




فالواجب على المسلم التحلي بالصبر وحث إخوانه عليه لأنه من عزم الأمور، قال تعالى حكاية عن لقمان: }يابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{[لقمان: 17].




وقال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: }وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا{[إبراهيم: 12].




قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام: «ومن يتصبر يصبره الله»... ثم ذكر أن الصبر إذا أعطاه الله العبد فهو أفضل العطاء وأوسعه وأعظمه إعانة على الأمور قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ{[البقرة: 45] أي على أموركم كلها. والصبر كسائر الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها فلهذا قال: «ومن يتصبر»أي يجاهد نفسه على الصبر «يصبره الله» ويعينه.




وإنما كان الصبر أعظم العطايا لأنه يتعلق بجميع أمور العبد وكمالاته، وكل حالة من أحواله تحتاج إلى صبر، فإنه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله، حتى يقوم بها ويؤديها، وإلى صبر عن معصية الله حتى يتركها، وإلى صبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، بل إلى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس، فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم بل يشتغل بشكر الله، فهو في كل أحواله يحتاج إلى الصبر وبالصبر ينال الفلاح ولهذا ذكر الله أهل الجنة فقال: }وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{[الرعد: 23، 24].




وكذلك قوله: }أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا{[الفرقان: 75] فهم نالوا الجنة بنعيمها وأدركوا المنازل العالية بالصبر ولكن العبد يسأل الله العافية من الابتلاء الذي لا يدري ما عاقبته، ثم إذا ورد عليه فوظيفته الصبر فالعافية هي المطلوبة بالأصالة في أمور الابتلاء والامتحان والصبر يؤمر به عند وجود أسبابه ومتعلقاته، والله هو المعين...»([2]).




وقيل للأحنف: إنك لصبور فقال: «الجزع شر الحالين يبعد المطلوب ويورث الحسرة ويبقى على صاحبه عار الأمر بلا فائدة»([3]).




وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما احتضر أبو بكر قلت:




لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى


 
 
 
 
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر


 


فقال: يا بنية: لا تقولي هكذا ولكن قولي: }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{[ق: 19]»([4]).




إن الأمور إذا انسدت مسالكها


 
 
 
 
فالصبر يفتح منها كل ما ارتججا


لا تيأسن وإن طالت مطالبه


 
 
 
 
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا


أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته


 
 
 
 
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا


 


وقال سهل بن هارون: «التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصيبة»([5]).


* * *




([1]) رواه البخاري – الزكاة (1469) ومسلم – الزكاة (1053) باب فضل التعفف والصبر.
([2]) بهجة قلوب الأبرار (145-146).
([3]) فيض القدير (4/298).
([4]) بهجة المجالس (3/368).
([5]) المرجع السابق (3/357).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
موقف المسلم عند المصيبة








قال الله جل وعلا: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{[البقرة: 153].








وقال سبحانه: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{[البقرة: 155-157].








فهذه بشارة من الله عز وجل للصابرين فهو سبحانه مع الصابرين بتأييده وحفظه وإعانته، وعليهم صلوات من الله ورحمة، وبين سبحانه أنهم من المهتدين.








عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلفه الله خيرًا منها»([1]).








وفي رواية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فآجرني فيها وأبدلني خيرًا منها»، فلما احتضر أبو سلمة قال: «اللهم أخلفني في أهلي خيرًا مني، فلما قبض قالت أم سلمة إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي»([2]).








قالت: «فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم»([3]).








فكان عاقبة صبرها واسترجاعها أن أخلفها الله من هو خير من أبي سلمة حيث تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم.








ثلاث يعز الصبر عند حلولها




 
ويذهل عنها عقل كل لبيب




خروج اضطرار من بلاد يحبها




 
وفرقة أخوان وفقد حبيب








عن أنس رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»([4]).








وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد قال الله لمائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد»([5]).








فما أحسن الصبر إذا استحضر المصاب ما أعده الله للصابرين.




فأنت أيها المسلم لو تأملت وما وعدك به ربك جل وعلا من عظيم الأجر والثواب لكان ذلك معينًا لك على الصبر الجميل فما جزاء من صبر عند فقد أحد أصفيائه؟!








عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»([6]).








ومهما صغرت المصيبة أو كبرت فإن لها ميزان عظيم، والله عز وجل (لا يضيع أجر من أحسن عملا). ففضله واسع، وعطاؤه لا يغيض، وكم من صابر على مصيبة صغيرة حصَّل بصبره الحسنات العظيمة وأدرك بصبره الدرجات الرفيعة.








عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها»([7]).








وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»([8]).








يقول العلامة السعدي رحمه الله: «ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله، وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم وزال عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما يمكن التعبير عنه....»([9]). انتهى المقصود من كلامه.




وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنًا لي احتضر فأتنا، فأرسل يقريها السلام ويقول: إنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيُّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع الصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعده في حجره ونفسه تقعقع كأنها شنٌّ، ففاضت عيناه فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»([10]).








فهذا هو الموقف الذي ينبغي أن يقفه المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا جزع ولا تسخط ولا كلام مذموم ولا شق للجيوب ولطم للخدود كحال أهل الجاهلية، بل صبر واحتساب واسترجاع.








صبرت فكان الصبر خير مغبة




 
وهل جزع يجدي علي فأجزع




ملكت دموع العين حتى رددتها




 
إلى ناظري فالعين في القلب تدمع








ولعل من الحكمة – والله أعلم – حين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأجلَّة من الصحابة أن يربيهم التربية العملية وهي مشاهدة المحتضر ومعاينة ما يقاسيه من سكرات الموت، وأن هذه الضجعة سوف يضجعونها لا محالة، فيستفيدون من ذلك الشيء الكثير ويستعدون لما أمامهم، فينبغي على المسلم إذا سمع أن أحد أصدقائه يحتضر أو أحد أقاربه أن يجلس عنده ويلقنه الشهادة ويرغبه بما عند الله ويحضه على حسن الظن بالله وأنه قادم على أرحم الراحمين، وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وفي المقابل هو أيضًا يستفيد من مشاهد هذه الحالة بالتوبة النصوح والعمل الصالح والإقبال على الله، والتوفيق بيد لله.




([1]) رواه مسلم – الجنائز ح(918) باب ما يقال عند المصيبة.
([2]) رواه أحمد في المسند (4/27) وأبو داود في الجنائز (3119) باب في الاسترجاع والحاكم (4/16) في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.
([3]) رواه البخاري فتح (3/1303) واللفظ له. ومسلم (2315).
([4]) رواه مسلم – كتاب الجنائز ح(918) باب ما يقال عند المصيبة.
([5]) رواه الترمذي في الجنائز (1021) وحسنه ألألباني في السلسلة الصحيحة (1408) وصحيح الجامع (795).
([6]) رواه البخاري مع الفتح 11 (6424).
([7]) رواه البخاري – كتاب المرضى ح(5640)، ومسلم (2572) كتاب البر والصلة والآداب.
([8]) رواه البخاري – كتاب المرضى ح(5641) وبنحوه عند مسلم (2573) كتاب البر والصلة والآداب.
([9]) الوسائل المفيدة – مطبوع ضمن مؤلفاته (2/491).
([10]) رواه البخاري في الجنائز (3/124/126) ومسلم في الجنائز ح(923) باب البكاء على الميت.

عدل سابقا من قبل المطر الغزير في الإثنين 25 مايو 2015 - 22:41 عدل 1 مرات

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الحذر من الاعتراض على قضاء الله




في الحديث: «إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط»([1]). فعلامة رضا الله عز وجل عن عبده أن يصبر عند البلوى، وعلامة السخط أن يسخط العبد إذا ابتلي، ولا تظن أيها المسلم أن تحصيل الصبر غير ممكن بل هو من أيسر الأشياء إذا كان عندك الإيمان الصادق والبصيرة النافذة والعمل الصالح والعلم النافع.




يقول ابن القيم رحمه الله: «والصبر وإن كان شاقًا كريهًا على النفوس فتحصيله ممكن، وهو يتركب من مفردين العلم والعمل...»([2]).




واعلم بارك الله فيك أنك عند المصائب بين خيارين وضدين، إما صبر واحتساب يعقبهما الرضا من الله عز وجل، وإما جزع وتسخط يعقبهما السخط من الله تبارك وتعالى.




فأنت بإيمانك وصدق عزيمتك لا أخالك ترغب عما أمرك الله به وهو الصبر، وتقتحم ما نهاك عنه وحذرك منه وهو السخط، فاصبر وتأمل العواقب، وتأمل قول أهل النار عياذًا بالله من حالهم: }سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ{[إبراهيم: 21].




فكذلك كل ما قدره الله عليك كائن لا محالة، ولا يرده جزع ولا تسخط، والمصاب حقيقة من حرم الثواب، وجاء في الحديث: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب»([3])، فهي بذلك جمعت بين السخط الذي لا يقدم ولا يؤخر وبين العذاب في الآخرة، ولو صبرت لنالت فضيلتين الصبر والرضا والثواب الجزيل، بل ورد في الحديث: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه»([4])، والمقصود ليس مطلق البكاء بل بكاء خاص وهو النياحة.




فلا يليق بالمسلم أن يجزع فيضر نفسه، ويلحق الضرر بأخيه المسلم وهو في قبره، في وقت يلتمس من إخوانه المسلمين أن يسدوا له أقلَ الأعمال الصالحة.




واختلف العلماء كيف يُعَذَّبُ والله جل وعلا يقول: }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{[الأنعام: 164].




قال الألباني رحمه الله: وقد اختلف العلماء في الجواب عن ذلك على ثمانية أقوال وأقربها إلى الصواب قولان:




الأول: ما ذهب إليه الجمهور وهو أن الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوص بتركه مع علمه بأن الناس يفعلونه عادة.




والآخر: أن معنى (يُعَذَّبُ) أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرقُ لهم ويحزن وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة»([5]).




ويجب على من حضر وفاة أخيه أن لا يدعو إلا بخير لأن الملائكة يُؤَمِّنُونَ على ما يدعو به، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شقَّ بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قُبِضَ تبعه البصر» فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في أهله في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونَوِّر له فيه»([6]).




ثم احذر - أيها المسلم – كلمة (لو) فإنها من عمل الشيطان قال عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن اصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قَدَّرَ الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان»([7])، فإذا أصبت بمصيبة كحادث سيارة أو حريق ونحوه، فلا تفتح على نفسك بابًا للشيطان فتقول: لو أنه لم يركب السيارة لما حصل الحادث وهكذا، لما فيه من الاعتراض على القدر، وإنما عليك التسليم بما حصل واليقين بأن ما حصل لابد من وقوعه، قال السعدي رحمه الله: «إذا أصاب العبد ما يكرهه فلا ينسب ذلك إلى ترك بعض الأسباب التي يظن نفعها لو فعلها، بل يسكن إلى قضاء الله وقدره فيزداد إيمانه ويسكن قلبه، وتستريح نفسه، فإن لو في هذه الحال تفتح عمل الشيطان بنقص إيمانه بالقدر واعتراضه عليه وفتح باب الهَمِّ والحزن المضعف للقلب»([8]).


([1]) تقدم تخريجه.
([2]) عدة الصابرين (56).
([3]) رواه مسلم (1/58) كتاب الجنائز ح(934) باب التشديد في النياحة.
([4]) رواه البخاري (3/128) ومسلم ح (927) الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
([5]) أحكام الجنائز وبدعها (41) وانظر كلام ابن القيم في تهذيب السنن (4/290-293).
([6]) رواه مسلم كتاب - الجنائز ح(920) باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر.
([7]) رواه مسلم في الزهد (4/2295).
([8]) بهجة قلوب الأبرار (39-40) وانظر التفصيل المهم لاستعمال (لو) في فتاوى الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله (3/127).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
مواقف في الصبر




كان الصحابة والتابعون وسادات الأمة لهم مواقف ذات عجب، يتحير عندها أولوا الألباب، فإذا نزل بأحدهم مصيبة فإذا هو يضرب أروع الأمثلة بصبره وحزمه وتجلده حتى إنه ليَعْجَبُ الحليم ولسان حاله يقول سبحان من رزقهم تلك العقول ووهبهم الإيمان والصبر، فهم يقابلون المصيبة الداهية بما أمرهم ربهم تبارك وتعالى فتتحول إلى أمر يسير فما أجمل الاقتداء بهم، وما أحسن النظر في سيرهم وتتبع أحوالهم التي هي مدرسة تقتبس منها الآداب والأخلاق الفاضلة.




عن أنس رضي الله عنه قال: «اشتكى ابن لأبي طلحة فمات وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيَّأت شيئًا وسجته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح، فظن أبو طلحة أنها صادقة، قالت فبات معها، فلما أصبح اغتسل فلمَّا أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلَ الله أن يبارك لكما في ليلتكما»، قال ابن عيينة: فقال رجل من الأنصار: فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن»([1]).




فما أعقل هذه المرأة – أم سليم – وما أشد تجلدها وصبرها، وفق الله نساء المسلمين للاقتداء بها وبنساء الصحابة ورزقهن الستر والعفاف.




ويُروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه مرض فعادوه فقالوا ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال: قد رآني الطبيب، قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: إني فعَّال لما أريد»([2]).




وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال: «سحابة صيف ثم تنقشع»([3]).




إني رأيت وفي الأيام تجربة


 
للصبر عاقبة محمودة الأثر


وقل من جدَّ في أمر تطلعه


 
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر




ومات ابن للحسين بن عبد العزيز المروزي فقال لأمه: «اتقي الله واحتسبيه واصبري فقالت: مصيبتي أعظم من أن أفسدها بالجزع»([4]).




وقيل للأحنف: «إنك لصبور فقال الجزع شر الحالين يبعد المطلوب ويورث الحسرة ويُبقي على صاحبه عار الأمد بلا فائدة». وعن أنس رضي الله عنه قال: «أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال: «ويحك – أو هبلت – أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة وإنه لفي الفردوس»([5]).




قال سليمان بن القاسم رحمه الله: «كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ [الزمر: 10]. قال: كالماء المنهمر»([6]).




أما والذي لا خلد إلا لوجهه


 
ومن ليس في العز المنيع له كفو


لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه


 
لقد يجتنى من غبه الثمر الحلو






وقال الأوزاعي في قوله تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ...{ ليس يوزن لهم ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفا»([7]).




وقال عمر رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر»([8]).




قال لقمان لابنه: «أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت»([9]).




وهذا غيض من فيض في مواقف السلف رحمهم الله عند المصائب فبهم يُقتدى وعلى نهجهم يحتذى فالخير كامنٌ في سيرتهم ومواقفهم لأنهم أخذوا بحظ وافر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن القيم: «... وبالجملة فعاداتهم – يعني السلف – أنهم لم يكونوا يغيرون شيئا من زيهم قبل المصيبة ولا يتركون ما كانوا يعملون فهذا كله مناف للصبر»([10]). رزقنا الله الاقتداء بهم والسير على نهجهم.




([1]) رواه البخاري: باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة فتح (3/201).
([2]) رواه أحمد.
([3]) عدة الصابرين (96).
([4]) عدة الصابرين (299).
([5]) رواه البخاري (6550).
([6]) عدة الصابرين (96).
([7]) رواه أحمد.
([8]) عدة الصابرين (96).
([9]) عدة الصابرين (100).
([10]) المرجع السابق (100).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الكل مبتلى




فمنذ أن خلق الله أبانا آدم عليه الصلاة والسلام والمصائب والأحزان والابتلاءات ترد عليه وعلى زوجه ثم على ذريتهما وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.




فآدم عليه السلام بعد أن كان هو وزوجه في الجنة ينعمان، وسوس لهما الشيطان فكان سببًا في إخراجهما منها ثم أهبط إلى الأرض وأهبط معهما عدوهما رأس المصائب وداعية الشر الذي أقسم بعزة الله ليغوين ذرية آدم: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{[ص: 82، 83].




فأيُّ مصيبة وأيُّ حسرة أعظم من مصيبة آدم عليه الصلاة والسلام الذي كان في الجنة ثم يُهْبطُ منها إلى دار المصائب والأحزان ومع ذلك كله صبر عليه الصلاة والسلام هو وزوجه وكان أهم شيءٍ عندهما أنْ يرضى عنهما ربهما تبارك وتعالى: }قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{[الأعراف: 23].




ثم يستمر الشيطان الرجيم في الغواية وإلحاق الضرر إلى بني آدم فيغوي أحدهما بقتل أخيه فيقتله([1])، وهذا ديدنه في كل عصر ومصر ففي كل شر له نصيب وفي كل تقصير له حظ أعاذنا الله منه وكفانا شره ووسوسته.




وكذلك أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام تعرضوا لكثير من المصائب ولكنهم صابرون محتسبون لا تتغير أحوالهم إلا إلى الخير ولا تنقص أعمالهم الصالحة، بل كانوا يستعينون عليها بالصبر والصلاة تحقيقًا لقوله تعالى:}وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ{[البقرة: 45].




فخيرهم وأفضلهم نبينا محمدٌ عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فلطالما وجد راحته فيها.




وثَمَّ أمرٌ بالغ الأهمية وهو أنَّ المصائب وفجائع الزمان أنواع مختلفة فبعضها تكون في النفس وبعضها في الأهل وبعضها في الأولاد وبعضها في الأموال، ولكن قاصمة الظهر والفاجعة الحقيقية هي التي تكون في الدِّين – نسأل الله العافية والسلامة – وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا»([2]).




قال شريح رحمه الله: «مما أُصيب عبدٌ بمصيبة إلا كان لله فيها ثلاث نعم: ألا تكون في دينه، وألا تكون أعظم ما كانت، وأنها لا بد كائنة فقد كانت»([3]).




ومما قاله أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس:




فجائع الدهر ألوان ملونة


 
وللزمان مسرات وأحزان


وللحوداث سلوان يسهلها


 
وما لما حل بالإسلام سلوان




ومما يؤثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لكل فرحة ترحه، وما ملئ بيت فرحًا إلا ملئ ترحًا»([4]). وكتب عمر رضي الله عنه، لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أما بعد فإن الخير كله في الرضا فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر)»([5]).




ومن نظر في أحوال المسلمين اليوم وطالع كيف تنزل البلوى والمصائب بهم، وكيف يُحصدُ المسلمون جماعات وفرادى، وتُصفَّى جموعهم، وتُهدَم ديارهم، فإنه يعلم أن ما نزل به من مصيبة لا تساوي مصائب المسلمين لأنه قد يفقد شخصًا أو شخصين لكن غيره يتساقطون هلكى جماعة بعد جماعة، نسأل الله أن يرفع عن إخواننا المسلمين الضر والبلاء وأن ينصرهم في كل مكان وأن يجعل الدائرة على أعدائهم وأن يجعلنا آمنين، ويحفظنا وإياهم من كل شر وكيد، والله المستعان.




يجري القضاء وفيه الخير نافلة


 
لمؤمن واثق بالله لا لاهي


إن جاءه فرح أو نابه ترح


 
في الحالتين يقول الحمد لله






ويروى أن الإسكندر لما حضرته الوفاة كتب إلى أمه أن اصنعي طعامًا يحضره الناس ثم تقدمي إليهم أن لا يأكل منه محزون، ففعلت، فلم يبسط أحد إليه يده، فقالت: ما لكم لا تأكلون؟! فقالوا: إنك تقدمت إلينا أن لا يأكل منه محزون، وليس منا إلا من قد أصيب بحميم أو قريب!! فقالت: مات والله ابني وما أوصى إليَّ بهذا إلاَّ ليعزيني به ([6]).




شيئان لو بكت الدماء عليهما


 
عيناك حتى يأذنا بذهاب


لم يبلغا المعشار من حقيهما


 
فقد الشباب وفرقة الأحباب




 




([1]) يذكر في بعض كتب قصص الأنبياء أن آدم حزن لمقتل ابنه وأنه بكى طويلاً ورثى ابنه بأبيات منها:
تغيرت البلاد ومن عليها




فوجه الأرض مغبرٌ قبيح


تغير كل ذي لون وطعم




وقل بشاشة الوجه المليح


وأن الشيطان رد عليهم وهذه القصة باطلة وهي من الإسرائيليات، انظر لزامًا كتاب آراء خاطئة وروايات باطلة (48) للشيخ عبد العزيز السدحان حفظه الله.
([2]) رواه الترمذي (5/493) ح(3502) وحسنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1268).
([3]) عدة الصابرين (121).
([4]) زاد المعاد (4/190).
([5]) مدارج السالكين (2/185).
([6]) العقد الفريد (3/233).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
بشرى للصابرين




قال تعالى: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{[البقرة: 155-157].




قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نعم العدلان ونعمت العلاوة }أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ{ فهذان العدلان }وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{ فهذه العلاوة وهي ما توضع بين العدلين وهي زيادة في الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا»([1]).




وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامَّتِه حتى يلقى الله وليست عليه خطيئة»([2]) – حَامَّتِه – قرابته وخاصته، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم»([3]).




ولا شك أن المصيبة بتنوعها لها غصص ومرارة ومقابلتها بالصبر يحتاج إلى إيمان واحتساب لكن من نظر إلى العواقب الحميدة التي ينالها بالصبر صار الصبر عنده أحلى من العسل.




الصبر مثل اسمه مر مذاقته


 
لكن عواقبه أحلى من العسل




وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة. فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟! قال أو اثنين»([4]).




ويقول ابن كثير رحمه الله في قوله: }الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{[البقرة: 156] قال أي تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما شاء وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة)»([5]).




وحُكيَ أن أعرابية دخلت من البادية، فسمعت صراخًا في دار فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان.


فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، ومن قضائه يتبرمون، وعن ثوابه يرغبون.




وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها فقالت: يا نبي الله! ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة، قال (دفنت ثلاثة؟) قالت نعم. قال: «لقد احتظرت بحظار شديد من النار»([6]). وورد في أجر من فقد ولدين وولد واحد مثل ذلك.




وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{[الزمر: 10]: «... والحاصل أن الآية تدل على ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه، وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه، وهذه فضيلة عظيمة ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله وطامع فيما عنده من الخير أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه ويقيدها بقيده فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل، ولا يجلب خيرًا قد سُلب، ولا يدفع مكروهًا قد وقع، وإذا تصور العاقل هذا حق تصوره وتعقله حق تعقله علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم، وظفر بهذا الجزاء الخطير، وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، فضم إلى مصيبته مصيبة أخرى ولم يظفر بغير الجزع، وما أحسن قول من قال:




أرى الصبر محمودًا وعنه مذاهب


 
فكيف إذا لم يكن عنه مذهب


هناك يحق الصبر والصبر واجب


 
وما كان منه للضرورة أوجب ([7])




ومن أعظم البشارات لمن أصيب بمصيبة فذكرها بعد مدة طويلة فجدد لها استرجاعًا وصبرًا، ماله عند الله من الأجر كلما ذكرها واسترجع.


فعن الحسين بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها -قال عبَّاد: قدم عهدها- فيحدث لذلك استرجاعًا، إلا جدد الله له عند ذلك، فأعطاه مثل أجرها يوم أثيب بها»([8])، وفضل الله واسع ورحمته بلغت كل شيء.


* * *




([1]) تفسير القرآن العظيم (1/203) وانظر صحيح البخاري (3/205) مع الفتح.
([2]) رواه مالك في الجنائز ح40 (1/236) وأخرجه بنحوه الترمذي (2401) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5815).
([3]) رواه البخاري – كتاب الجنائز (1249) ومسلم – البر والصلة (2632) واللفظ له.
([4]) رواه البخاري – كتاب الجنائز (1249) ومسلم – البر والصلة (2632) واللفظ له.
([5]) تفسير القرآن العظيم (1/198).
([6]) رواه مسلم – كتاب البر والصلة والآداب – ح (26360).
([7]) فتح القدير (4/454).
([8]) رواه أحمد في المسند (1/201) وفي سنده هشام بن زياد قال في التقريب ص(572) رقم (7292) (متروك).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
المصيبة العظمى




المصائب ألوان بعضها أعظم من بعض، فبعضها تمر على المرء وفيها نوع من السهولة، وبعضها يحار العقل ويتمنَّع في قبولها وخصوصًا إذا كانت تتعلق بملاك الحياة وزمام الأمر، وبأهم شيء في حياة المسلم وهي المصيبة في الدِّين.




وإذا كانت المصائب لا بد واقعة لأن الله عز وجل قد كتبها على خلقه، فينبغي التأهب لها والاستعداد لتقبلها بنفس راضية بقضاء الله، طامعة بثوابه وذلك بتوطين النفس على قبولها، وإنَّ من أعظم التأهب لها تذكر مصاب الصحابة رضوان الله عليهم بوفاة سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فوالله الذي لا إله غيره إنها أعظم المصائب أن يفقد المسلمون خليلهم ونبيهم الذي ما عرفوا النور والحق إلا بعد مبعثه، وكل فضل من وقته إلى أن تقوم الساعة فهو بسببه عليه الصلاة والسلام.




إن الخلائق يوم مبعث أحمد


 
نظر الإله لها فبدل حالها




فبعد أن كانوا في جاهلية جهلاء يعبدون الأصنام والأوثان ويئدون البنات بغير ذنب ويستحلون الحرمات ويتناحرون فيما بينهم لأتفه الأسباب، بعث الله إليهم هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فتبدلت أحوالهم، وزكت نفوسهم، واستنارت بصائرهم واجتمعوا بعد الفرقة، وغنوا بعد العيلة وتحابوا بعد التباغض، وبين عشية وضحاها ينزل بالرسول صلى الله عليه وسلم الموت ويستجيب لنداء ربه، فيختار لقاء ربه.




عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكًا شديدًا. قال أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم، قلت: إن لك أجرين. قال: نعم، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها»([1]).




وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم»([2])، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: «إن عبدًا خيرًه الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيَّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المُخَيَّر وكان أبو بكر هو أعلمنا به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أَمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذًا خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر»([3]).




وعن أنس رضي الله عنه قال: «لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة واكرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلمَّا مات قالت: يا أبتاه أجاب ربًا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دُفِن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب»([4]).






ورواه ابن ماجه مختصرًا من حديث حماد بن زيد، وعنده قال حماد: فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه([5]).




وعن أنس رضي الله عنه قال: لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء قال: وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا ([6]).




وقال محمد بن إسحاق قالت عائشة فيما بلغني عنها: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه»([7]).




وما أجسن هذا التصوير لحال الصحابة y وهُمْ مَنْ هُمْ في الإيمان والمتابعة والصلابة في الحق، فإذا استشعر المصاب حال الأصحاب y وتذكر هذه المصيبة العظيمة – فقد النبي صلى الله عليه وسلم - فلا ريب أن مصيبته ستهون عليه، ويسلو عنها بتذكر المصاب الجلل الذي لا يلحقه مصاب مثله.




وجاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لِيُعزَّ المسلمين في مصائبهم المصيبة بي»([8]).




إذا نزلت بساحتك الرزايا


 
فلا تجزع لها جزع الصبي


فإن لكل نازلة عزاء


 
بما قد كان من فقد النبي






فكل مصيبة تهون، وكل نازلة تسهل إذا قارنتها بهذا المصاب الكبير وهو فقد سيد الأولين والآخرين وأكرم الخلق على الله صلى الله عليه وسلم.




وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابًا بينه وبين الناس – أو كشف سترًا – فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم فقال: «يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزَ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي»([9]).




* وقال أبو العتاهية مسليًا لبعض إخوانه في ولد له اسمه محمد:




اصبر لكل مصيبة وتجلد


 
واعلم بأن المرء غير مخلد


أو ما ترى أن المصائب جمة


 
وترى المنية للعباد بمرصد


من لم يصب ممن ترى بمصيبة


 
هذا سبيل لسست فيه بأوحد


فإذا ذكرت محمدًا ومصابه


 
فاذكر مصابك بالنبي محمد([10])






وقد رُثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصائد كثيرة وكلها معبرة عن بالغ الحزن والأسى على فقد هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وكان ممن رثاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه بقوله:




أرقت فبات ليلي لا يزول


 
وليل أخي المصيبة فيه طول


وأسعدني البكاء وذاك فيما


 
أصيب المسلمون به قليل


لقد عظمت مصيبتنا وجلَّت


 
عشية قيل قد قبض الرسول


وأضحت أرضنا مما عراها


 
تكاد بنا جوانبها تميل


فقدنا الوحي والتنزيل فينا


 
يروح به ويغدو جبرئيل


وذاك أحق ما سالت عليه


 
نفوس الناس أو كادت تسيل


نبي كان يجلو الشك عنا


 
بما يوحى إليه وما يقول


ويهدينا فلا تخشى ضلالا


 
علينا والرسول لنا دليل


أفاطم إن جزعت فذاك عذر


 
وإن لم تجزعي ذاك السبيل


فقبر أبيك سيد كل قبر


 
وفيه سيد الناس الرسول






وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:




بطيبة رسم للرسول ومعهد


 
منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ([11])


ولا تمتحي ([12]) الآيات من دار حرمة


 
بها منبر الهادي الذي كان يصعد


وواضح آيات وباقي معالم


 
وربع([13]) له فيه مصلى ومسجد


بها حجرات كان ينزل وسطها


 
من الله نور يستضاء ويوقد


معارف لم تطمس على العهد آيها


 
أتاها البلى فالآي منها تجدد ([14])


عرفت بها رسم الرسول وعهده


 
وقبرا به واراه في الترب ملحد


ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت


 
عيون ومثلاها من الجفن تسعد


تذكَرن آلاء الرسول ولا أرى


 
لها محصيًا نفسي فنفسي تبلد ([15])


مفجعة قد شفها ([16]) فقد أحمد


 
فظلّت لآلاء الرسول تعدِّد


وما بلغت من كل أمر عشيره


 
ولكن لنفسي بعد ما قد توجَد ([17])


أطالت وقوفًا تذرف العين جهدها


 
على طلل ([18]) القبر الذي فيه أحمد


فبوركت يا قبر الرسول وبوركت


 
بلاد ثوى فيها الرشيد المسدَّد


وبورك لحد منك ضمن طيبًا


 
عليه بناء من صفيح منضد


تهيل عليه الترب أيد وأعين


 
عليه وقد غارت بذلك أسعد


لقد غيبوا حلمًا وعلما ورحمة


 
عشية علَّوه الثرى لا يوسد


وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم


 
وقد وهنت منهم ظهور وأعضد


يبكَّون من تبكي السماوات يومه


 
ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد ([19])


وهل عدلت يومًا رزية هالك


 
رزية يوم مات فيه محمد


تقطع فيه منزل الوحي عنهم


 
وقد كان ذا نور يغور وينجد ([20])


يدل على الرحمن من يقتدي به


 
وينقذ من هول الخزايا ويرشد


إمام لهم يهديهم الحق جاهدًا


 
معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا


عفو عن الزلات يقبل عذرهم


 
وإن يحسنوا فالله بالخير أجود


وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله


 
فمن عنده تيسير ما يتشدد


فبيناهم في نعمة الله بينهم


 
دليل به نهج الطريقة يقصد


عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى


 
حريص على أن يستقيموا ويهتدوا


عطوف عليهم لا يثني جناحه


 
إلى كنف يحنو عليهم ويمهد ([21])


فبينا هم في ذلك النور إذ غدا


 
إلى نورهم سهم من الموت مقصد ([22])


فأصبح محمودًا إلى الله راجعًا


 
يبكِّيه حق المرسلات ويحمد


وأمست بلاد الحُرْمِ وحشًا بقاعها


 
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد


قفارًا سوى معمورة اللحد ضافها


 
فقيد يبكيه بلاط وغرقد


ومسجده فالموحشات لفقده


 
خلاء له فيه مقام ومقعد


وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت


 
ديار وعرصات ([23]) وربع ومولد


فبكِّي رسول الله يا عين عبرة


 
ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد


ومالك لا تبكين ذا النعمة التي


 
على الناس منها سابغ يتغمد ([24])


فجودي عليه بالدموع وأعولي


 
لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد


وما فقد الماضون مثل محمد


 
ولا مثله حتى القيامة يفقد


أعف وأوفى ذمة بعد ذمة


 
وأقرب منه نائلاً لا ينكد


وأبذل منه للطريق وتالد


 
إذا ضن معطاء بما كان يتلد ([25])


وأكرم صيتًا في البيوت إذا انتمى


 
وأكرم جداَ أبطحيا ([26]) يسود


وأمنع ذروات وأثبت في العلا


 
دعائم عز شاهقات تشيد ([27])


وأثبت فرعًا في الفروع ومنبتًا


 
وعوداَ غذاه المزن فالعود أغيد ([28])


رباه وليدًا فاستتم تمامه


 
على أكرم الخيرات ربٌّ ممجد


تناهت وصاة المسلمين بكفه


 
فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند ([29])


أقول ولا يلفى لما قلت عائب


 
من الناس إلا عازب العقل مبعد


وليس هواي نازعًا عن ثنائه


 
لعلي به في جنة الخلد أخلد


مع المصطفى أرجو بذاك جواره


 
وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد




 




([1]) رواه البخاري – كتاب المرضى ح (5648)، ومسلم – كتاب البر والصلة والآداب ح(2569).
([2]) رواه البخاري كتاب المغازي ح(4446).
([3]) رواه البخاري مع الفتح 7 (39040) ومسلم (2382).
([4]) رواه البخاري – كتاب المغازي ح(4462).
([5]) رواه ابن ماجه – كتاب المغازي ح(1630).
([6]) رواه أحمد (3/221-268) وقال الحافظ بن كثير: إسناده على شرط الشيخين، البداية والنهاية (5/239) وقال محقق المسند: إسناده قوي على شرط مسلم (1/330) ط وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
([7]) السيرة النبوية (4/665) ط مؤسسة علوم القرآن البداية والنهاية (5/244).
([8]) رواه مالك في الموطأ – كتاب الجنائز (12/236) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5459).
([9]) رواه ابن ماجه (1/485) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1106) بشواهده ومجموع طرقه، قال: وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح.
([10]) غذاء الألباب- للسفاريني (2/355).
([11]) انظر البداية والنهاية (8/175/176).
([12]) تمتحي: تمحَى، أي يذهب أثرها. انظر اللسان (م ح و).
([13]) الربع: الدار. وما حوله والمنزل. والحي: انظر الوسيط (ر ب ع).
([14]) تطمس تغير. وآيها: علاماتها. انظر شرح غريب السيرة 3/181. وتجدد: تتجدد.
([15]) تبلد: تتحير.
([16]) شفها: أضعفها وبالغ فيها.
([17]) العشير: العشر. وتوجد: من الوجد، وهو الحزن.
([18]) الطلل: ما شخص من الآثار.
([19]) أكمد: أحزن. من الكمد، وهو الحزن.
([20]) يغور: يبلغ الغور، وهو المنخفض من الأرض. وينجد: يبلغ النجد، وهو المرتفع من الأرض.
([21]) الكنف: الناحية. ويمهد: يقال: مهدت لنفسي ومهَدت: أي جعلت لها مكانًا وطيئًا سهلاً.
([22]) مقصد: مصيب. شرح غريب السيرة 3/182.
([23]) العرصات: جمع عرصة وهي ساحة الدار. والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها. انظر الوسيط (ع ر ص).
([24]) سابغ: كثير تام. ويتغمد: يستر.
([25]) يتلد: يكتسب قديمًا.
([26]) أبطحيا: منسوب إلى الأبطح بمكة، وهو موضع سهل متسع.
([27]) الذروات: الأعالى. وشاهقات: مرتفعات بعيدات.
([28]) المزن: السحاب. أغيد: ناعم متثن.
([29]) يفند: يعاب.

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
مما يعين على الصبر




(1) الصلاة. قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ{[البقرة: 45]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا حزبه أمر صلى»([1]).


فمن نزلت به مصيبة وفزع إلى الصلاة وأكثر من التضرع والدعاء وتعظيم الله عز وجل وتسبيحه وجد تلك المصيبة أبرد على قلبه من الماء البارد، ووجد حلاوة صبره وعواقبها العاجلة والآجلة حيث إن الصلاة تجعل العبد يقترب من ربه تبارك وتعالى وفيها أسرار عظيمة وتعلق بالرب جل وعلا فإذا انطرح العبد بين يدي ربه واستشعر أنه واقف أمام ملك الملوك والذي بيده نواصي العباد وأنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه فسيجد أن هذه المصيبة تهون عليه وتنقلب إلى نعمة حيث إنها مقدرة من رب كريم رحيم.




(2) الإكثار من ذكر الله والاسترجاع والحوقلة، قال تعالى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{[الرعد: 28].




قال مالك بن دينار: ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل([2]).




وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال: «لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» ثم يدعو ([3]).




(3) أن تعلم أنك لست الوحيد المصاب، فكل الناس مثلك.




وإنَ امرءًا قد جرب الدهر لم يخف


 
تقلب عصريه لغير لبيب


وما الدهر والأيام إلا كما ترى


 
رزية مال أو فراق حبيب




قال ابن القيم رحمه الله: «ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟...» وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحًا إلا ملئ ترحًا، وقال ابن سيرين: ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء»([4]).




فمن نظر إلى الأنبياء والمرسلين والصالحين وغيرهم وما نالهم من المصائب فإنه يتسلىَ وتهون عليه مصيبته، قال عليه الصلاة والسلام: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»([5]).




والخنساء تقول:




ولولا كثرة الباكين حولي


 
على إخوانهم لقتلت نفسي


وما يبكون مثل أخي ولكن


 
أعزي النفس عنه بالتأسي




(4) أن تعلم أن الجزع لن يرد المصيبة قبل وقوعها، ولا يرفعها بعد وقوعها، والصبر يخففها والشكر والحمد علامة الرضا.




لا تجزعنِّ لخطب ما به حيل


 
تغني وإلا فلا تعجز عن الحيل


وقدر شكر الفتى لله نعمته


 
كقدر صبر الفتى للحادث الجلل




وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: «الجزع القول السيئ والظن السيئ»([6]) وليعلم المصاب الجازع وإن بلغ به الجزع غايته ونهايته فآخر أمره إلى صبر الاضطرار وهو غير محمود ولا مثاب عليه، فإنه استسلم للصبر وانقاد إليه رغم أنفه.




(5) ليس للمؤمن إلا الرضا والتسليم فكل شيء مكتوب وكل مقدر كائن قال عليه الصلاة والسلام: «رفعت الأقلام وجفتالصحف»([7]).




لكنه قدر الإله ومالنا


 
إلا رضا بالحكم واستسلام


والله قد كتب الفناء على الورى


 
وقضاؤه جفت به الأقلام




والذي ابتلاك هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، ولم ينزل عليك البلاء ليعذبك وإنما ابتلاك ليمتحنك في صبرك ورضاك وإيمانك وليسمع تضرعك وابتهالك وليرى انطراحك بين يديه.




وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»([8]).




وقال سعيد بن المسيب: قال لقمان لابنه: «لا ينزلن بك أمر رضيته أو كرهته إلا جعلت في الضمير منك أن ذلك خير لك»([9]).




ولما جيء بسعيد بن جبير رحمة الله عليه إلى الحجاج ليقتله بكى رجل فقال سعيد: ما يبكيك؟ قال: لما أصابك قال: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا ثم تلا: }مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{([10])[الحديد: 22].




(6) أن هذه الحياة دار زوال وارتحال، وليست دار بقاء وخلود. قال تعالى: }كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ{[القصص: 88]، وقال سبحانه: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{[الرحمن: 26، 27]، فإذا علم المسلم ذلك، وتيقن أنه كما ارتحل فلان فسوف يرتحل هو يوما من الأيام، كان ذلك مدعاة لصبره وعزيمته على تقبل المصائب بصدر رحب.




إني أعزيك لا إني على ثقة


 
من الحياة ولكن سنة الدين


ليس المعزى بباق بعد ميته


 
ولا المعزي وإن عاشا إلى حين




لما مات ولد لرجل من السلف عزاه بعض العلماء وما زال في حزن شديد حتى جاءه الفضيل بن عياض فقال: يا هذا أرأيت لو كنت في سجن وابنك فأفرج عن ابنك قبلك أما كنت تفرح؟ قال: بلى! فإن ابنك خرج من سجن الدنيا قبلك، فسري عن الرجل وقال: تعزيت»([11]).




وعن ابن عمر قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».




وكان ابن عمر يقول: «إذ أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك»([12]).




(7) السعي في تخفيف المصائب بكل وسيلة:




قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد من النكبات أن يسعى في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر ويوطن نفسه على ذلك، فإذا فعل ذلك فليسع إلى التخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع ورفع المضار الميسورة للعبد فإذا حلت به أسباب الخوف وأسباب الأسقام وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره، يهونها ويزيل شدتها وخصوصا إذا أشغل نفسه بمرافعتها بحسب مقدوره فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب ويجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره مع اعتماده في ذلك على الله، وحسن الثقة به، ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدر مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل هذا مشاهد ومجرب ووقائعه ممن جربه كثيرة جدا»([13]).




(8) أن تعلم أن هذه المصيبة إنما نزلت وكانت بقضاء من الله وقدر، ويلزمك حينئذ الصبر والرضا بذلك، ومن هنا يتبين المؤمن من غيره ويظهر الفرق بين الصابر والساخط.




دع المقادير تجري في أزمتها


 
ولا تبيتن إلا خالي البال


ما بين رقدة عين وانتباهتها


 
يغير الله من حال إلى حال




وقال بعض السلف: «إنك إن صبرت إيمانا واحتسابا، وإلا سلوت سلو البهائم» ولا شك أن الله تبارك وتعالى أرحم بميتك منك، ومهما بلغت رحمتك لهذا الميت فلا تعادل شيئا أبدًا برحمة من وسعت رحمته السموات والأرض. قال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ{[الأعراف: 156].




وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش؛ إن رحمتي تغلب غضبي» وفي رواية: «إن رحمتي سبقت غضبي»([14]).




ويجب أن تعلم أن الجزع لن يفيدك، إنما يزيدك آلامًا وحسرات، ويضاعف عليك المصيبة، ويفوت عليك الأجر.




قال علي رضي الله عنه: «إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور»([15]).




(9) أن الدنيا لا تدوم على حال فيوم يُسْرٍ ويوم عُسْرٍ قال تعالى: }وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ{[آل عمران آية: 140].




لكل شيء إذا ما تم نقصان


 
فلا يغر بطيب العيش إنسان


هي الأمور كما شاهدتها دول


 
من سره زمن ساءته أزمان


وهذه الدار لا تبقي على أحد


 
ولا يدون على حال لها شان


إذا ما أتاك الدهر يومًا بنكبة


 
فأفرغ لها صبرًا ووسع لها صدرًا


فإن تصاريف الزمان عجيبة


 
فيوم ترى يسرًا ويومًا ترى عُسْرًا




وعَزَّى رجل رجلا فقال: إن من كان لك في الآخرة أجرًا، خير ممن كان لك في الدنيا سرورا.




(10) الثقة بالله وأنه هو الذي يكشف الضر، ويرفع البلوى ويخفف المصاب، ويجبر الكسر.




قال تعالى: }أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{ الآية [النمل: 62].




أيوب عليه الصلاة والسلام لما مسه الضر التجأ إلى الله عز وجل قال تعالى: }وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{[الأنبياء: 83] ويونس عليه الصلاة والسلام لما سجن في بطن الحوت قال: }لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{[الأنبياء: 87].




والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لما حاصره المشركون؛ وخاف أبو بكر عليه قال عليه الصلاة والسلام: }لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا{[التوبة: 40] فكذا المؤمن إذا نزلت به حادثة أو مصيبة فإنه يلتجئ إلى ربه تبارك وتعالى ويتخلى من التعلق بالخلق فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه.




مغيث أيوب والكافي لذي النون


 
ينيلني فرجا بالكاف والنون




(11) على قدر إيمان العبد يكون البلاء:




وفي الحديث: «أيُّ الناس أشد بلاء قال الأنبياء. قلت ثم من: قال ثم الصالحون»([16]). ثم اعلم أن الجزع يشمت عدوك، ويسوء صديقك، ويغضب ربك، ويسر شيطانك ويحبط أجرك، ويضعف نفسك، وإذا صبرت واحتسبت أخزيت شيطانك ورددته خاسئا، وأرضيت ربك، وأسررت صديقك، وأسأت عدوك، فهذا هو الثبات، والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور»([17]).




(12) أن الصبر علامة القبول ولاسيما الأنبياء والصالحين.


قال تعالى: }إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{[يوسف: 90].




فلا شك أن من صبر عند مصابه فإنه يدل على قوة إيمانه، وقربه من ربه وهذه صفة الصالحين.




ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله


 
عند الإله وأنجاه من الجزع


من شد بالصبر كفا عند مؤلمة


 
ألوت يداه بحبل غير منقطع




وكانوا في الجاهلية يشقون الجيوب ويضربون الخدود وينوحون، فجاء الإسلام بإبطال هذه العادة الجاهلية بل إنهم كانوا يوصون بذلك قال طرفة:




إذا مت فانعيني بما أنا أهله


 
وشقي علي الجيب يابنة معبد([18])




(13) الحرص على عدم تفويت الأجر بالجزع:




قال ابن القيم رحمه الله: «ومن علاجها – المصيبة – أن يعلم أن الجزع لا يردها، بل يضاعفها وهو في الحقيقة من تزايد المرض» وأن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر، الاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة ([19]) وعَزَّى صالح المري رجلا قد مات ولده، فقال: إن كانت مصيبتك أحدثت لك عظة في نفسك فنعم المصيبة مصيبتك، وإن كانت لم تحدث لك عظة في نفسك فمصيبتك بنفسك أعظم من مصيبتك.




(14) قراءة السير وما حصل للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ولمن بعدهم من المصائب والشرور والأحزان، وكما قال ابن القيم: (وفي كل واد بنو سعد) فكل مبتلى ومختبر ولكن المعول على الثبات والصبر. ومن قرأ القرآن الكريمُ طالع السنة المطهرة فإنه يجد أن أكثر الناس قد أصابتهم اللواء والضراء حتى أكرم الخلق على الله وهم أنبياؤه ورسله قد أصابهم الشيء الكثير من ذلك ولكنهم رسموا لمن بعدهم سنة ومنهاجًا في تقبل أقدار الله، والصبر والاحتساب عليها. وينبغي للمسلم أن يطالع السير والتاريخ ليعلم أنه ليس الوحيد المصاب وليطلع على صبر وثبات المؤمنين الصادقين فإن ذلك أدعى لصبره، ومعينا له على الاحتساب وتقبل أقدار الله بنفس راضية وجوارح مطمئنة.


* * *




([1]) رواه أحمد (5/388) من حديث حذيفة.
([2]) جامع العلوم والحكم (2/520).
([3]) رواه أحمد (1/628) وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم – ط وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الطبعة الثانية 1420هـ.
([4]) زاد المعاد (4/190).
([5]) رواه مسلم – نووي (18/308).
([6]) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز مع الفتح (3/201).
([7]) رواه الترمذي – كتاب صفة القيامة (ح2516).
([8]) رواه مسلم (4/2295) ح (2999).
([9]) الرضا لابن أبي الدنيا (40).
([10]) سير أعلام النبلاء (4/337).
([11]) تسلية أهل المصائب (120).
([12]) رواه البخاري (11/199 – 200) في الرقاق.
([13]) الوسائل المفيدة – مطبوعة ضمن مؤلفاته (2/490).
([14]) رواه البخاري (6/287) ح(3194)، ومسلم (4/2107) ح (2751).
([15]) الرضا لابن أبي الدنيا (29).
([16]) رواه بن ماجه (2/1334) ح (4024) بهذا اللفظ والحاكم (4/307) بنحوه وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة (144) وقال البويصري في مصباح الزجاجة (1/188) هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
([17]) انظر زاد المعاد (4/192).
([18]) انظر فتح الباري (3/184).
([19]) زاد المعاد (4/191).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
صبر جميل




قال تعالى: }فَصَبْرٌ جَمِيلٌ{[يوسف: 18] فالمراد به الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى.




قال مجاهد: لا أشكو ذلك لأحد.




وقال أبو حيان: المعنى: أجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم من قبل.




وما أحسن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فهي وسام ينبغي لكل مسلم أن يتزين بها ويتحلى بها ويعمل بها ظاهرًا وباطنًا قولاً وعملاً. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام أو يا غُليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن»؟ قلت: بلى، فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»([1]).




ويوم كأنَّا المصطلين بحره


 
وإن لم يكن نار قيام على الجمر


صبرنا له صبرًا جميلاً وإنما


 
تفرج أبواب الكريهة بالصبر




قال بعض السلف: «لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس»([2]).




وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد قيل الصبر الجميل بغير شكوى إلى المخلوق؛ ولهذا قُريَ على أحمد بن حنبل في مرضه أن طاووسًا كان يكره أنين المريض ويقول: إنه شكوى. فما أنَّ أحمد حتى مات». وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل، فإن يعقوب قال: }فَصَبْرٌ جَمِيلٌ{ وقال: }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{[يوسف: 86] وكان عمر رضي الله عنه يقرأ في الفجر بسورة (يونس) و (يوسف) و (النحل) فمر بهذه الآية في قراءته فبكى حتى سمع نشيجه من آخر الصفوف...».




وقال: وفي الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل به أهل الطائف ما فعلوا: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملَّكته أمري: إن لم يكن بك غضب عليَّ لا أبالي؛ غير أن عافيتك أوسع لي؛ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل عليَّ غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»([3]).




وما مسني عسر ففوضت أمره


 
إلى الملك الجبار إلا تيسرًا




وقال ابن الأثير رحمه الله: «الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها»([4]).




فصبرًا فإن الصبر خير غنيمة


 
ويا فوز من قد كان للصبر يرجع


وبت واثقًا باللطف من خير راحم


 
فألطافه من لمحة العين أسرع


وإن جاء خطب فانتظر فرجًا له


 
فسوف تراه في غد عنك يرفع


وكن راجعًا لله في كل حالة


 
فليس لنا إلا إلى الله مرجع




* * *




([1]) رواه أحمد في المسند (10/307) وإسناده صحيح.
([2]) زاد المعاد (4/192).
([3]) مجموع الفتاوى (10/183-184) والحديث رواه الطبراني من حديث عبد الله بن جعفر وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/35) ورجاله ثقات إلا أن فيه تدليس ابن إسحاق.
([4]) النهاية في غريب الحديث (1/382).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الموت غاية كل حي




قال الله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{[آل عمران: 185]، وقال: }قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ{[الجمعة: 8].




وقال سبحانه: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ{[النساء: 78].




وخاطب سبحانه وتعالى أكرم رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال له: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{[الزمر: 30]، وكتب سبحانه الفناء على كل الخلائق: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{[الرحمن: 26، 27]، وقال سبحانه: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{[الأنبياء: 34].




فالموت حتم لازم، وسنة ماضية، وقدر مقدور، ولن يفر منه مخلوق فالواجب على المسلم إذًا أن يتأمل ذلك وأن يستعد لقبول ما قدره الله، ويتزود من الصالحات قبل الممات، فاليوم مات فلان وغدًا قد يكون هو الميت.




وسرى الحديث وقد تساءل بعضهم


 
أَوَما سمعتم عن وفاة فلان


قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا


 
غير المهيمن كل شيء فان




وقال ابن الوردي رحمه الله:




كتب الموت على الخلق فكم


 
فل من جيش وأفنى من دول


أين نمرود وكنعان ومن


 
ملك الأرض وولىَّ وعزل


ِأين عاد أين قارون ومن


 
رفع الأهرام من يسمع يخل


أين من سادوا وشادوا وبنوا


 
هلك الكل ولم تغن الحيل


أين أرباب الحجا أهل التقى


 
أين أهل العلم والقوم الأول


سيعيد الله كلا منهم


 
وسيجزي فاعلا ما قد فعل






والعجب أننا إذا سمعنا أن فلانًا من الناس توفي فإننا نوجل ونرعوي ونتذكر هذا المصير المحتوم الذي كلنا سنصل إليه، وقد يصاحب هذا شيء من النشاط والجد في الطاعة والعبادة، وإحجام ونفرة عن المحرمات؛ ولكن سرعان ما ننسى ذلك ونعود إلى تقصيرنا ونلهو. نسأل الله جل وعلا أن يحيي قلوبنا ويحسن خاتمتنا.




تروعنا الجنائز مقبلات


 
ونلهو حين تذهب مدبرات


كروعة هجمت لمغار ذئب


 
فلما غاب عادت راتعات




إذا فالمتحتم علينا أن نستعد لذلك الموقف فنقدم الأعمال الصالحات، ونترك المحرمات، ونقبل على الكريم الرحيم، ومن تقرب إلى الله شبرًا تقرب منه ذراعا ومن أتاه يمشي أتى إليه هرولة، ولا يزال المسلم يتقرب إلى الله بالنوافل والمستحبات حتى يحبه الله فإذا أحبَّه الله كان الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فإذا سأله أعطاه وإذا استعاذ به أعاذه وإذا استنصره نصره. يقول أبو الحسن التهامي:




حكم المنية في البرية جاري


 
ما هذه الدنيا بدار قرار


بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا


 
حتى يرى خبرًا من الأخبار


طبعت على كدر وأنت تريدها


 
صفوًا من الأقذاء والأكدار


ومكلف الأيام ضد طباعها


 
متطلب في الماء جذوة نار

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
المصاب من حرم الثواب




الخيرة كلها فيما اختاره الله سبحانه وتعالى ولو كرهت النفوس بعضا من ذلك، وذلك أن الله عز وجل يختبر عباده ليربو إيمان العبد ويتبين الصابر من غيره، ولو نظر المرء إلى التاريخ لوجد أن خير الناس وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من الصحابة والصالحين لقوا من البلاء والشدة والمصائب الشيء الكثير ولكنهم وهم أعلم الناس وأكملهم إيمانًا صبروا فنالوا خيرا كثيرا. وخصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد فجع مرات عديدة بأحب الناس إليه فخديجة أم المؤمنين المرأة الكاملة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم وأيدته بنفسها ومالها وكانت من أحب نسائه إليه ماتت في حياته. وعمه أبو طالب – وكان مشركًا – ناصر دعوته وما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة أبي طالب وهو القائل:




والله لن يصلوا إليك بجمعهم


 
حتى أوسد في التراب دفينا




وهو القائل:




ولقد علمت بأن دين محمد


 
من خير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذار مسبة


 
لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
"


أيضا توفي في حياته فحزن عليه حتى سمي ذلك العام – عام الحزن – توفيت فيه خديجة وعمه أبو طالب.




وممن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لموته أسد الله – حمزة بن عبد المطلب – عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة – فقد كان لموته الأثر البالغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قتل رضي الله عنه في معركة أحد شهيدًا في سبيل الله.




قال ابن إسحاق: «وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه – حمزة – وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها: يا أمة إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت: ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرنَّ إن شاء الله. فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت ([1]). وقالت رضي الله عنها ترثي أخاها حمزة رضي الله عنه:


أسائلة أصحاب أحد مخافة


 
بنات أبي من أعجم وخبير


فقال الخبير إن حمزة قد ثوى


 
وزير رسول الله خير وزير


دعاه إله الحق ذو العرش دعوة


 
إلى جنة يحيا بها وسرور


فذلك ما كنا نرجى ونرتجي


 
لحمزة يوم الحشر خير مصير


فوالله لا أنساك ما هبت الصبا


 
بكاء وحزنا محضري ومسيري


على أسد الله الذي كان مدرهًا ([2])


 
يذود عن الإسلام كل كفور


فياليت شلوي ([3]) عند ذاك وأعظمي


 
لدى أضبع تعتادني ونسور


أقول وقد أعلى النعي عشيرتي


 
جزى الله خيرًا من أخ ونصير ([4])




ومما يدل على شدة حزن ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة قوله لوحشي وهو الذي قتل حمزة – بعدما أسلم وقص عليه مقتل حمزة قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»([5]).




وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد:


بكت عيني وحق لها بكاها


 
وما يغني البكاء ولا العويل


على أسد الإله غداة قالوا


 
أحمزة ذاكم الرجل القتيل


أصيب المسلمون به جميعًا


 
هناك وقد أصيب به الرسول


أبا يُعْلي لك الأركان هدت


 
وأنت الماجد البر الوصول


عليك سلام ربك في جنان


 
مخالطها نعيم لا يزول


ألا يا هاشم الأخيار صبرًا


 
فكل فعالكم حسن جميل


رسول الله مصطبر كريم


 
بأمر الله ينطق إذ يقول




* * *


([1]) انظر البداية والنهاية (4/42).
([2]) مدرهًا – سيدا.
([3]) شلوى – جسري.
([4]) البداية والنهاية (4/62).
([5]) رواه البخاري (4072).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
المصاب من حرم الثواب




الخيرة كلها فيما اختاره الله سبحانه وتعالى ولو كرهت النفوس بعضا من ذلك، وذلك أن الله عز وجل يختبر عباده ليربو إيمان العبد ويتبين الصابر من غيره، ولو نظر المرء إلى التاريخ لوجد أن خير الناس وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من الصحابة والصالحين لقوا من البلاء والشدة والمصائب الشيء الكثير ولكنهم وهم أعلم الناس وأكملهم إيمانًا صبروا فنالوا خيرا كثيرا. وخصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد فجع مرات عديدة بأحب الناس إليه فخديجة أم المؤمنين المرأة الكاملة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم وأيدته بنفسها ومالها وكانت من أحب نسائه إليه ماتت في حياته. وعمه أبو طالب – وكان مشركًا – ناصر دعوته وما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة أبي طالب وهو القائل:




والله لن يصلوا إليك بجمعهم


 
حتى أوسد في التراب دفينا




وهو القائل:




ولقد علمت بأن دين محمد


 
من خير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذار مسبة


 
لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
"


أيضا توفي في حياته فحزن عليه حتى سمي ذلك العام – عام الحزن – توفيت فيه خديجة وعمه أبو طالب.




وممن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لموته أسد الله – حمزة بن عبد المطلب – عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة – فقد كان لموته الأثر البالغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قتل رضي الله عنه في معركة أحد شهيدًا في سبيل الله.




قال ابن إسحاق: «وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه – حمزة – وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها: يا أمة إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت: ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرنَّ إن شاء الله. فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت ([1]). وقالت رضي الله عنها ترثي أخاها حمزة رضي الله عنه:


أسائلة أصحاب أحد مخافة


 
بنات أبي من أعجم وخبير


فقال الخبير إن حمزة قد ثوى


 
وزير رسول الله خير وزير


دعاه إله الحق ذو العرش دعوة


 
إلى جنة يحيا بها وسرور


فذلك ما كنا نرجى ونرتجي


 
لحمزة يوم الحشر خير مصير


فوالله لا أنساك ما هبت الصبا


 
بكاء وحزنا محضري ومسيري


على أسد الله الذي كان مدرهًا ([2])


 
يذود عن الإسلام كل كفور


فياليت شلوي ([3]) عند ذاك وأعظمي


 
لدى أضبع تعتادني ونسور


أقول وقد أعلى النعي عشيرتي


 
جزى الله خيرًا من أخ ونصير ([4])




ومما يدل على شدة حزن ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة قوله لوحشي وهو الذي قتل حمزة – بعدما أسلم وقص عليه مقتل حمزة قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»([5]).




وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد:


بكت عيني وحق لها بكاها


 
وما يغني البكاء ولا العويل


على أسد الإله غداة قالوا


 
أحمزة ذاكم الرجل القتيل


أصيب المسلمون به جميعًا


 
هناك وقد أصيب به الرسول


أبا يُعْلي لك الأركان هدت


 
وأنت الماجد البر الوصول


عليك سلام ربك في جنان


 
مخالطها نعيم لا يزول


ألا يا هاشم الأخيار صبرًا


 
فكل فعالكم حسن جميل


رسول الله مصطبر كريم


 
بأمر الله ينطق إذ يقول




* * *


([1]) انظر البداية والنهاية (4/42).
([2]) مدرهًا – سيدا.
([3]) شلوى – جسري.
([4]) البداية والنهاية (4/62).
([5]) رواه البخاري (4072).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
أكمل الهدي




أكمل الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من هديه عليه الصلاة والسلام إذا أصيب بأحد ممن يحبه أن يحزن لذلك وتدمع عينه ويسترجع ويحمد الله ويصبر على ذلك.




والناس يختلفون عند المصائب على ثلاثة أقسام:




القسم الأول: من إذا نزلت به مصيبة جزع وسخط وشق جيبه ولطم خده وأخذ يصرخ وينوح على ميته ويتسخط على أقدار الله. وهذا والعياذ بالله قد أسخط ربه وأفرح الشيطان، وشابه أهل الجاهلية وابتعد عن هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولم ينل الأجر بل نال الوزر، والخطيئة ولم يستفد من ذلك شيئا.




القسم الثاني: بالعكس من ذلك فإذا نزلت به مصيبة ضحك واستبشر وانشرح صدره؛ ظنًا منه أن هذا هو الذي يجب أن يفعله المسلم وأن هذا هو معنى الصبر. حتى إن بعض العارفين لما مات ولده ضحك فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه.




القسم الثالث: وهو الذي يجب على المسلم فعله وهو أن يرضى بقضاء الله وقدره مع حزنه على مصابه ودمع عينه من غير جزع ولا تسخط ولا اعتراض ويكثر من الحوقلة والاسترجاع والدعاء، وحمد الله.




ولذا سأل ابن القيم رحمه الله شيخه أبا العباس بن تيمية رحمه الله عن حال هذا العارف الذي ضحك عند مصابه فقال: «هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضا عن الله، ولرحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله، ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله، ومحبته له على الرضا والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضا عن عبودية الرحمة والرأفة»([1]).




وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «الواقع أن التبسم عند المصائب لا يدل على كمال المرتبة بل يدل على نقص المرتبة وأن الإنسان أراد أن يطرد ما في قلبه من الحزن بهذا التبسم، لكن إذا الحزن لم يرد على القلب من الأصل فذلك أكمل. وعلى هذا فإن الإنسان إذا أصيب بمصيبة وحزن لها ولكنه بالنظر لقضاء الله وقدره هي عنده سواء مع عدمها فإن هذا هو الرضا، لكن كون الإنسان يصاب بمصيبة، كأن يكون له ابن ميت وهو في المقبرة يضحك أو يبتسم فهذا غير مناسب، وهذا يدل على أن قلبه لم يتحمل، وأراد أن يطرد هذا بهذا، فنقصت حاله عن حال من كان قلبه متحملاً بدون أن يوجد شيء ظاهر يطرد هذا الشيء...»([2]).


([1]) زاد المعاد (1/499).
([2]) فتاوى الشيخ محمد بن العثيمين (1/53) إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود.

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الصبر من مكارم الأخلاق




لما كان أعظم الناس خلقًا وأكرمهم خصالاً الأنبياء المرسلون عليهم الصلاة والسلام فإنك تجد أنهم تحلوا بالصبر وأن حياتهم مليئة بالمصائب والأذى ولكنهم عليهم الصلاة والسلام صابرون على ما أصابهم محتسبون الأجر من الله }وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ{[إبراهيم: 12]، }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{[يوسف: 86] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»([1]).




ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خلقه القرآن»([2]). والله جل وعلا خاطبه فقال له: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{[القلم: 4].




يقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين: «وكلنا يعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها ملائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم فالمرض مثلاً لا يلائم الإنسان، فكل إنسان يحب أن يكون صحيحًا معافى. وكذلك الفقر لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون غنيًا وكذلك الجهل لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون عالمًا، لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل، منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته. ومنها ما لا يكون كذلك. فما هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقداره؟




حسن الخلق مع الله نحو أقداره: أن ترضى بما قدر الله لك، وأن تطمئن إليه وأن تعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدَّره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر. وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن.


ولهذا امتدح الله الصابرين فقال تعالى: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{[البقرة: 155، 156] فأجمل بمسلم نزلت به نازلة، فاتسع صدره لها، وأخذ بنصيب عظيم من مكارم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه؛ فهو جمع بين خيرين – خير الصبر والرضا وخير الأجر والمثوبة من الله عز وجل([3]).
* * *


([1]) رواه أحمد (2/381) قال محقق المسند صحيح، وهذا إسناد قوي.
([2]) رواه البخاري رقم (6203) كتاب الأدب. ومسلم رقم (30) كتاب الآداب.
([3]) مكارم الأخلاق (22-23).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
*جيد *شكرا لك

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
*جيد *بارك الله فيك
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد