منتديات الجزائر التعليمية
ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  Ezlb9t10




منتديات الجزائر التعليمية
ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  Ezlb9t10



منتديات الجزائر التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائر التعليمية دخول

منتديات الجزائر التعليمية ترحب بزوارها الكرام وتتمنى الانضمام الى ساحتها


descriptionماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  Emptyماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!

more_horiz
ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  Salam


ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!

ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  155740bbzc3e7dt0


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
قال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} المائدة / 3
لقد بعث الله نبينا محمداً بدعوة تملأ القلوب نوراً ، وتشرف بها العقول رشداً؛ فسابق إلى قبولها رجال عقلاء، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله. وبقيت تلك الدعوة على شيء من الخفاء، وكفار قريش لا يلقون لها بالاً؛ فلما صدع بها رسول الله أغاظ المشركين، وحفزهم على مناوأة الدعوة والصد عن سبيلها؛ فوجدوا في أيديهم وسيلة هي أن يفتنوا المؤمنين، ويسومونهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، وحتى يرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القيّمة.
أما المسلمون فمنهم من كانت له قوة من نحو عشيرة، أو حلفاء يكفون عنه كل يد تمتد إليه بأذى، ومنهم المستضعفون، وهؤلاء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين، وبلغوا في تعذيبهم كل مبلغ.
ولما رأى الرسول ما يقاسيه أصحابه من البلاء، وليس في استطاعته حينئذ حمايتهم، أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم لحق بهم في المدينة.
والناظر في الهجرة النبوية يلحظ فيها حكماً باهرة، ويستفيد دروساً عظيمة، ويستخلص فوائد جمة يفيد منها الأفراد، وتفيد منها الأمة بعامة. فمن ذلك على سبيل الإجمال ما يلي :
1 - ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} هود / 123 ؛
فغيب السموات والأرض بيده اطمئن ،
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} المزمل / 9
التوكل في لسان الشرع يراد به توجه القلب إلى الله حال العمل، واستمداد المعونة منه، والاعتماد عليه وحده؛ فذلك سر التوكل وحقيقته، والذي يحقق التوكل هو القيام بالأسباب المأمور بها؛ فمن عطلها لم يصحَّ توكله؛ فلم يكن التوكل داعية إلى البطالة، أو الإقلال من العمل، بل لقد كان له الأثر العظيم في إقدام عظماء الرجال على جلائل الأعمال التي يسبق إلى ظنونهم أن استطاعتهم وما لديهم من الأعمال الحاضرة يَقْصُران عن إدراكها ؛
ذلك أن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد، ودفع المكروه، بل هو أقواها؛ واعتماد القلب على الله - عز وجل - يستأصل جراثيم اليأس، ويجتث منابت الكسل، ويشد ظهر الأمل الذي يلج به الساعي أغوار البحار العميقة، ويقارع به السباع الضارية في فلواتها .
ولقد كان لرسول الله القِدْحُ المُعلَّى، والنصيب الأوفى من هذا المعنى؛ فلا يُعْرَفُ بَشَرٌ أحق بنصر الله، وأجدر بتأييده ؛
من هذا الرسول الذي لاقى في جنب الله مالاقى ، ومع ذلك فإن استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله .
ويتجلى ذلك من أن رسول الله أحكم خطة هجرته، وأعد لكل فرض عُدَّتَه، ولم يدع في حسبانه مكاناً للحظوظ العمياء، ثم توكل بعد ذلك على من بيده ملكوت كل شيء، وكثيراً مايرتب الإنسان مقدمات النصر ترتيباً حسناً؛ ثم يجيء عَوْنٌ أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار،
وهكذا جرت هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة على هذا الغرار؛ وأذن لسائر المؤمنين بتقدمه إلى المدينة ،
وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مَعَهُ بِمَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ ، إلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{لَا تَعْجَلْ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا} فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَكُونَهُ .
وأحس أبو بكر بأن الرسول يعني نفسه بهذا الرّد، فابتاع راحلتين، فحبسهما في داره بعلفهما إعداداً لذلك الأمر،
وأما عليٌ فقد هيّأهُ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لدور خاص يؤديه في هذه المغامرة المحفوفة بالأخطار ألا وهي مبيت في مكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد الخروج إلى المدينة .
ويتجلى كذلك في استعانته بعبدالله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق .
ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل .
2 - ضرورة الإخلاص والسلامة من الأغراض الشخصية :
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}التوبة / 105
فالإخلاص روح العظمة ، وقطب مدارها ،
والإخلاص يرفع شأن الأعمال حتى تكون مراقي للفلاح ،
وهو يجعل في عزم الرجل متانة فيسير حتى يبلغ الغاية .
ولولا الإخلاص يضعه الله في قلوب زاكيات لحُرم الناس من مشروعات عظيمة تقف دونها عقبات كبرى ،
ومن مواطن العبرة في قصة الهجرة أن الداعي إلى الإصلاح متى أوتي حكمة بالغة ، وإخلاصاً نقيَّاً ، وعزماً صارماً ؛ هَيَّأَ الله لدعوته بيئة طيّبة فتقبلها ، وزيَّنها في قلوب قوم لم يلبثوا أن يسيروا بها ، ويطرقوا بها الآذان ، فَتُسِيغها الفِطَرُ السليمةُ ، والعقول التي تقدّر الحُجج الرائعة حق قدرها ،
وهكذا كان ، حيث لم يرد بدعوته إلا الإخلاص لله ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ فكان متجرداً من حظوظ النفس ورغائبها ؛
وما كان عليه الصلاة والسلام خاملاً ، فيطلب بهذه الدعوة نباهة شأن ، وما كان مقلاً حريصاً على بسطة العيش ؛ فيبغي بهذه الدعوة ثراء ؛ فإن عيشه يوم كان الذهب يصبّ في مسجده ركاماً كعيشه يوم يلاقي في سبيل الدعوة أذىً كثيراً.
3 - الاعتدال حال السراء والضراء :
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} البقرة/143 .
فيوم خرج عليه الصلاة والسلام من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربه، ولما فتح الله عليه ما فتح وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين لم يطش زهواً، ولم يتعاظم تيهاً ؛ فعيشته يوم أخرج من مكة كارهاً كعيشته يوم دخلها فاتحاً ظافراً ، وعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى من سفهاء الأحلام كعيشته يوم أطلت رايته البلاد العربية ، وأطلت على ممالك قيصر ناحية تبوك .
وتواضعه وزهده بعد فتح مكة وغيرها كحاله يوم كان يدعو وحيداً ، وسفهاء الأحلام في مكة يضحكون منه ويسخرون ؛
كُلاً بلوتُ فلا النعماء تُبطرني ولا تَخَشَّعتُ من لأوائها جزعا
والدرس المستفاد من هذا المعنى واضح جلي ؛ إذ الأمة تمرُّ بأحوال ضعف ، وأحوال قوة ، وأحوال فقر ، وأحوال غنى ؛ فعليها لزوم الاعتدال في شتى الأحوال ؛ فلا تبطرها النعماء ، ولا تُقَنِّطها البأساء ، وكذلك الحال بالنسبة للأفراد .
4 - اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين :
قال تعالى : {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الأعراف / 128.
فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال .
ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين . فالنبي يعلّم بسيرته المجاهد في سبيل الله الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل ، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم ، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم ، فيشتد بأسهم ، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم ؛ فقد يكون للباطل جولة ، ولأشياعه صولة ، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون .
ولقد هاجر - عليه الصلاة والسلام - من مكة في سواد الليل مختفياً ، وأهلها يحملون له العداوة والبغضاء ، ويسعون سعيهم للوصول إلى قتله ، والخلاص من دعوته ،
ثم دخل المدينة في بياض النهار مُتَجلِّياً قد استقبله المهاجرون والأنصار بقلوب مُلِئَت سروراً بمقدمه ، وابتهاجاً بلقائه ،
وصاروا يتنافسون في الاحتفاء به ، والقرب من مجلسه ، وقد هيئوا أنفسهم لفدائه بكل مايَعزُّ عليهم ،
وأصبح - عليه الصلاة والسلام - كما قال أبو قيس صرمة الأنصاري :
ثوى بقريش بضع عشرة حجـــة يذكر لو يلقى حبيبـاً مـواتيــــــــــــــا
ويعرض في أهل المواسم نفســـه فلم ير من يؤوي ولم ير داعيـــــا
فلما أتانا واستقـر به النـــوى وأصبح مسروراً بطيبة راضـيـــــــــــاً
وأصبح لا يخشى ظلامة ظـــالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيـــــــاً
بذلنا له الأموال من حلِّ مـــالنا وأنفسـنا عند الوغى والتآسيـــــــــــا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعاً ولو كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لارب غيــــره وأن كتاب الله أصبـح هاديــــــــــــــــــــــاً
5 - ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة :
ذلك في جواب النبي لأبي بكر لمّا كان في الغار .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمِهِ أَبْصَرَنَا ،
فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ : {يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا} ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فهذا مثل من أمثلة الصدق والثبات، والثقة بالله، والإتكال عليه عند الشدائد، واليقين بأن الله لن يتخلى عنه في تلك الساعات الحرجة.
هذه حال أهل الإيمان، بخلاف أهل الكذب والنفاق؛ فهم سرعان ما يتهاونون عند المخاوف وينهارون عند الشدائد، ثم لا نجد لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً.
6 - أن من حفظ الله حفظه الله :
ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه ، أويقتلوه ، أو يخرجوه ،
قال تعالى : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال / 30 ،
فلقد أجمعوا بعد تداول الرأي على أن يطلقوا سيوفهم تخوض في دمه الطاهر،
فأوحى الله - تعالى - إلى رسوله ما أوحى ، فحثا في وجوههم التراب ،
وبارح مكة من حيث لا تراه أعينهم ، وأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب ، وخرج من بينهم سليماً معافى .
وهذا درس عظيم ، وسُنَّةٌ ماضية؛ في أنَّ مَنْ حفظ الله حفظه الله، والحفظُ من الله شامل، وأعظم ما في ذلك أن يُحْفَظَ الإنسان في دينه ودعوته،
وهذا الحفظ - أيضاً - يشمل حفظ البدن ، وليس بالضرورة أن يُعصَمَ ؛ فلا يُخلَصَ إليه البتة ؛ فقد يصاب؛ لتُرفع درجاته ، وتُقال عثراته ، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة .
7 - أن النصر مع الصبر :
قال تَعَالَى : {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} آل عمران / 125
فقد كان هيناً على الله عز وجل أن يصرف الأذى عن النبي جملة، ولكنها سنة الإبتلاء يؤخذ بها النبي الأكرم؛ ليستبين صبره، ويعظم عند الله أجره، وليعلم دعاة الإصلاح كيف يقتحمون الشدائد، ويصبرون على ما يلاقون من الأذى صغيراً كان أم كبيراً.
8 - ظهور المواقف البطولية :
فالنبي تنتهي إليه الشجاعة بأسرها ،
ومن مواقفه البطولية ماكان من أمر الهجرة وذلك لما اجتمعت عليه قريش ورمته عن قوس واحدة ، وأجمعت على قتله ، والقضاء على دعوته ،
فما كان منه إلا أن قابل تلك الخطوب بجأشٍ رابط ، وجبين طَلْقٍ ، وعزم لا يلتوي .
ولاحت نجومٌ للثريا كأنها جبين رسول الله إذ شاهد الزحفا
ولقد كان ذلك دَأْبَهُ - عليه الصلاة والسلام -، فلم تكن تأخذه رهبة من أشياع الباطل وإن كَثُرَ عددهم ،
بل كان يلاقيهم بالفئات القليلة ، ويفوز عليهم فوزاً عظيماً ، ويقابل الأعداء بوجهه لا يوليهم ظهره وإن تزلزل جنده ، وانصرفوا جميعاً من حوله ،
وكان يتقدم في الحرب حتى يكون موقفه أقرب موقف من العدو ، وإذا اتقدت جمرة الحرب ، واشتدّ لهبها ؛ أوى إليه الناس ، واحتموا بظله الشريف ؛ فلم يكن يتوارى من الموت ، أو يُقَطِّب عند لقائه؛ كيف وهو يتيقن أن موتَه هو انتقال من حياة مخلوطة بالمتاعب والمكاره إلى حياة أصفى لذة ، وأهنأ راحةً ، وأبقى نعيماً !؟
ولقد كان لهذه المواقف البطولية الرائعة موضع قدوة لأصحابه ومن جاء بعدهم ؛
فحقيق على الأمة التي تريد العزة ، والرفعة، والسعادة ؛ أن تكون على درجة من الشجاعة ؛ حتى تقرَّ بها أعينُ حلفائها ، ويكون لها مكانة مهيبة في صدور أعدائها .
وحقيق على علماء الإسلام وزعمائه أن يقتدوا برسول الله في أدب الشجاعة التي هي الإقدام في حكمة ؛
فقد جرت سنَّة الله على أن الحق لا يمحق الباطل ، والإصلاح لا يدرأ الفساد ؛ إلا أن يقيض الله لهما رجالاً يؤثرون الموت في جهاد ؛ على الحياة في غير جهاد .
9 - الحاجة إلى الحلم ، وملاقاة الإساءة بالإحسان :
فلقد كان النبي يلقى في مكة قبل الهجرة من الطغاة والطغام أذىً كثيراً ، فيضرب عنها صفحاً أو عفواً ، ولما عاد إلى مكة فاتحاً ظافراً عفا وصفح عمن أذاه ،
وَفِيمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ : عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ : "مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ" .
قَالُوا : نَقُولُ : ابْنُ أَخٍ ، وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٍ رَحِيمٍ ، قَالَ : وَقَالُوا : ذَلِكَ ثَلَاثًا ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ :
{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}" ؛
ثُمَّ قَالَ : "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" .
قَالَ : فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ .
10 - إستبانة أثر الإيمان :
فعندما تنفس الإسلام في بطاح مكة اعتنقه فريق من ذوي العقول السليمة ، وما لبث عُبَّاد الأوثان يؤذونهم في أنفسهم ، ويأبون أن يقيموا شعائر دينهم ،
ولما كان أولئك المسلمون على إيمان أجلى من القمر يتلألأ في سماء صاحية تَحَمَّلُوا الأذى في صبر وأناة ، وكانت مظاهر أولئك الطغاة حقيرة في أعينهم ؛ منبوذة وراء ظهورهم ؛ حتى أذن الله لهم بالهجرة.
وكذلك الإيمان تخالط بشاشتهُ القلوبَ ؛ فيخلق من الضعف عزماً ، ومن الخمول نهوضاً ، ومن الذلة عِزّاً، ومن البَطالة نشاطاً ، ومن الشحِّ كرماً وبذلاً ،
وهذا الأثر يعطي درساً عظيماً وهو أن الإيمان يصنع المعجزات ، ويأتي بأطيب الثمرات ،
وهذا بدوره يدفع أولي الأمر وأهل العلم أن يبذلوا قصارى جُهْدِهم في سبيل تعليمِ الأمةِ أمرَ دينها وقيادتها إلى دعوة الإيمان والهدى ؛
كي تعود لها عزتها السالفة، وأمجادها الغابرة .
11 - انتشار الإسلام وقوته :
وهذه من فوائد الهجرة ، فلقد كان الإسلام بمكة مغموراً بشخب الباطل ، وكان أهل الحق في بلاء شديد ؛
فجاءت الهجرة ورفعت صوت الحق على صخب الباطل ، وخلصت أهل الحق من ذلك الجائر ، وأورثتهم حياة عزيزة ومقاماً كريماً .
وإذا كانت البعثة مبدأ الدعوة إلى الحق ؛ فإن الهجرة مبدأ ظهوره والعمل به في حالتي السر والعلانية ، ولا يبلغ قول الحق غايته ، ويأتي بفائدته كاملة ؛ إلا أن يصبح عملاً قائماً ، وسيرة متَّبعة ؛
فالهجرة راشت جناح الإسلام ، فذهب يحلِّق في الآفاق ؛ ليمحو آية الضلالة ، ويجعل آية الهداية مبصرة ،
قال تعالى : {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} التوبة / 40 ؛
فإنك تجد الآية الكريمة تَذْكُر شيئاً من أمر الهجرة النبوية ، وتعدُّ من جملة النعم الجليلة المترتبة عليها جَعْل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا .
12 - أن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه :
قال تعالى : {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الشورى / 36 .
فلما ترك المهاجرون ديارهم ، وأهليهم ، وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم ، لما تركوا ذلك كله لله ، أعاضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا ، وملّكهم شرقها وغربها .
وفي هذا درس عظيم هو أن الله - عز وجل - شكور كريم ، لا يضيع أجر من أحسن عملاً ؛
فمن ترك شيئاً لأجله عوضه خيراً منه ، والعِوَض من الله أنواع ، وأجلّ ما يُعوِّض به الإنسان أن يُرْزَقَ محبة الله - عز وجل -، وطمأنينة القلب بذكره ، وقوة الإقبال عليه ؛
فحري بأهل الإسلام أن يُضحُّوا في سبيل الله ، وأن يقدموا محبوبات الله على محبوبات نفوسهم ؛ ليفوزوا بخيري الدنيا والآخرة .
13 - قيام الحكومة الإسلامية والمجتمع المسلم :
فإن من منافع الهجرة النبوية تلك الأحكام المدنية ، والنظم القضائية ، والأصول السياسية ؛ فإنها كانت تنزل بالمدينة ،
حيث أصبح المسلمون في كثرة ، وصاروا في مَنَعة ؛ بحيث يأخذونها بقوة ، ويقومون على إجرائها يوم تنزل والناس يشهدون ،
ولو كان آخر عهد الوحي يشبه أوَّله لم يزد الإسلام على أن يكون دعوة إلى عقائد وأخلاق وشيء من العبادات ؛
لكن الهجرة هيأت للإسلام أن تكون له حكومة ذات سلطان غالب ، وكلمة فوق كل كلمة ،
ومكنت الحكومة الإسلامية أن تقضي بشرع الله الحكيم ، وبالسلطان الغالب يُقْهَر الأعداء ، وبالشرع الحكيم يعيش الناس بأمن وسعادة ،
وكذلك كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ، فقد كان من القوة والمَنَعة وتأييد الله له أن أصبحت الجزيرة العربية في بضع سنين طوعَ يمينه ، وموضعَ نفاذِ أمره ،
وأصبحت الأمة بما شرعه الله من أحكام المعاملات والجنايات ، وبما أنار به النفوس من الحكم السامية تتمتع بسياسة عادلة ، وحياة زاهرة .
والدرس المستفاد من هذا أن الأمة لا يمكن أن يكون لها سيادة ومنعة إلا إذا حكمت بشرع الله ، ونبذت كل مايخالفه ظهرياً ، فإذا ما التمست العزة والسيادة من أهل الأرض ، واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير ؛ فلن تدرك عِزَّاً ولا فلاحاً ، والواقع خير شاهد على ما ذُكر .
14 - قيام المجتمع المسلم :
فالمسلمون لايعدون أنفسهم يعيشون في بلد إسلامي إلا إذا ساد نظام الإسلام بلدهم ، وقامت به أحكامه وآدابه كما تقوم به شعائره ، وتسود عقائده ،
وإذا تعذر على المسلمين إقامة أحكام دينهم، وتأييد أنظمته الاجتماعية ، وآدابه الخلقية ؛ وجب عليهم الانتقال إلى البلد الذي يُعمل فيه بأحكام الإسلام وآدابه تكثيراً لسواد المسلمين ، وإعزازاً لأمر الدين ، واستعداداً لنصره وتأييده في العالمين ،
وإذا لم يكن للمسلمين بلد تتوافر فيه هذه الشروط ؛ وجب عليهم أن يجتمعوا في بقعة صالحة يقيمون فيها نظام الإسلام حسب استطاعتهم ،
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} النِّسَاءِ / 97
فهذه من أعظم حكم الهجرة والبواعث عليها ؛
فإذا نشأت النفوس تحت جناح نظام يقيم أحكام الإسلام ، ويحمي دعوته ، ويحمل على آدابه ؛ كانت قوة للإسلام تعمل على رفعته ، وتوسيع دائرته ، أما إذا نشأت تحت جناح يخالف الإسلام ، ولا يُربِّي الأمة على آدابه ؛ فإن قوتها تكون معطلة عن تأييد الإسلام، وتعميم هدايته .
15 - اجتماع كلمة العرب وارتفاع شأنهم :
فالهجرة - كما مكَّنت للدعوة، وإقامة المجتمع والدولة - مكنت لجمع الكلمة ؛
فكلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة ؛ وأمة العرب كانت متفرقة متشاكسة ، فأصبحت متحدة متآلفة ،
وكانت مَهيضَةَ الجناح تنظر إليها الأمم بعين الازدراء ؛ فأصبحت مكرمة مهيبة الجناب ، تفتح البلاد ، وتضرب على هذه الأمم بسلطانها الكريم ،
كما كانت في ظلمات الجهل فأصبحت في نور من العلم دون أن يُجْلَب إليها من بلاد أجنبية ، وإنما كان ذلك من مِشكاة النبوة ؛
إذ كان - عليه الصلاة والسلام - يلقي عليها الحكمةَ بنفسه ، ويزكيها بما يتحلى به ، أو يدعو إليه من صفات الشرف والحمد ،
ويستفاد من هذا أن أمة الإسلام ذات منهج رباني كفيل بجمع الكلمة ، وإحراز السعادة في الدنيا والآخرة ، بل لايوجد منهج يكفل ذلك غيره .
16 - التنبيه على فضل المهاجرين والأنصار :
فمن بركات الهجرة على المهاجرين أنهم كانوا يلاقون في مكة أذىً كثيراً ؛
فأصبحوا بعد الهجرة في أمن وسلامة ، ثم إن الهجرة ألبستهم ثوب عزة بعد أن كانوا مستضعفين ،
ورفعت منازلهم عند الله درجات ، وجعلت لهم لسان صدق في الآخرين ، وقد سمى الله - تعالى - الصحابة الذين فروا بدينهم إلى المدينة بـ"المهاجرين" ،
وصار هذا اللقب أشرف لقب يُدْعَون به بعد الإيمان ،
كما درَّت بركات الهجرة على أهل المدينة من آووا ونصروا أنْ علا شأنهم ، وبرزت مكانتهم ، واستحقوا لقب الأنصار الذي استوجبوا به الثناء من رب العالمين .
17 - ظهور مزية المدينة :
فالمدينة لم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد ،
وإنما أحرزت فضلها بهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام أصحابه إليها ، وبهجرة الوحي إلى ربوعها ،
حتى أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، وبهذا ظهرت مزايا المدينة ، وأفردت المصنفات لذكر فضائلها ومزاياها .
18 - حفظ حقوق الآخرين
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري وإلى ابن عمه شيبة والد بني شيبة مفاتيح الكعبة ،
أقرها عليهم في الإسلام كما كانت في الجاهلية ، ونزل في ذلك قوله تعالى‏ :‏
{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}‏ الآية ‏النساء‏ / ‏58‏
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "أَدِّ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ،
وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ ، مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَى عِبَادِهِ ، مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالصِّيَامِ ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مِمَّا هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ ، وَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتَمِنُونَ بِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ .
فَأَمَرَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِأَدَائِهَا ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا ، حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ" .
19 - سلامة التربية النبوية :
فقد دلّت الهجرة على ذلك؛ فقد صار الصحابة مؤهلين للاستخلاف، وتحكيم شرع الله، والقيام بأمره، والجهاد في سبيله.
ولقد كان من أثر الهجرة أن الصحابة - لاستقامتهم ، وكمال آدابهم ، وصدق لهجاتهم -؛ يعرضون الإسلام في أقوم مثال ، وأمثل صورة ، ولقد شهد الأعداءُ بذلك الفضلِ ،
يقول الإمام مالك - رحمه الله -: "بلغني أن نصارى الشام لما رأوا أصحاب رسول الله قالوا: والله لهؤلاء خير من حواريِّيْ عيسى - عليه السلام -" ،
وفي هذا درس عظيم هو أن التربية الحقة القائمة على العقيدة الصحيحة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
20 - التنبيه على عظم دور المسجد في الأمة :
ويتجلى ذلك في أول عمل قام به النبي فور وصوله المدينة ، حيث بنى المسجد؛ لتظهر فيه شعائر الإسلام التي طالما حوربت ، ولتقام فيه الصلوات التي تربط المسلم برب العالمين ، وليكون منطلقاً لجيوش العلم ، والدعوة والجهاد .
إن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي ، فهو ساحة العبادة ، وميدان العلم ، ومنطلق الجهاد ؛
فحري بالأمة أن تعلم دور المسجد، وأن تَقْدُره حق قدره .
21 - التنبيه على عظم دور المرأة :
ويتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة ؛
فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة ، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً ، إلى غير ذلك مما قامتا به .
وفي هذا الموقف ما يثبت حاجة الدعوة إلى النساء فهن أرقُّ عاطفة ، وأسمح نفساً ، وأطيب قلباً ،
ثم إن المرأة إذا صلحت أصلحت زوجها ، وبيتها ، وأبناءها ، وإخوتها ، فينشأ جيل مُؤْثِرٌ للعفة والخلق والطهارة ،
وفي هذا - أيضاً - درس للمرأة المسلمة بأن تبذل وسعها في سبيل نشر الخير ، ونصرة الحق ،
وأن تكون معينة لزوجها ووالدها وإخوانها وأبنائها على الدعوة إلى الله ولو أدى ذلك إلى حرمانها من بعض حقوقها ؛
فمصلحة الأمة أهم ، وما عند الله خير وأبقى .
22 - عظم دور الشباب في نصرة الحق :
ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به علي بن أبي طالب حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة ؛ فضرب أروع الأمثلة في الشجاعة
والبطولة .
ويتجلى أيضا من خلال ما قام به عبدالله بن أبي بكر ؛ حيث كان يستمع أخبار قريش ، ويزود بها النبي وأبا بكر .
وإذا تأملت السيرة رأيت أن أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا من الشباب الذين حملوا لواء الدعوة ، واستعذبوا من أجلها الموت والعذاب ،
وهذا درس عظيم يبين لنا أن الشباب هم عماد الأمة ، وإذا وُجِهوا وِجْهَةً صحيحة على نهج الكتاب والسنة ، وما كان عليه سلف الأمة ،
ثم علت هِمَمَهُم، وترفعوا عن سفاسف الأمور ؛ كانوامشاعل هدى ، ومصابيح دجى .
23 - حصول الأخوة وذوبان العصبيات :
فمن أعظم حسنات الهجرة ما قام به الرسول - عليه الصلاة والسلام - من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ومعنى هذا ذوبان عصبيات الجاهلية ؛ فلا حمِيَّة إلا للإسلام ، ولا ولاء إلا له ،
فتسقط بذلك فوارق النسب ، واللون ، والجنس ، والتراب ؛ لا يتأخر أحد ، ولا يتقدم ؛ إلا بتقواه ومروءته .
وقد جعل الرسول هذه الأخوة عَقْداً نافذاً لا لفظاً فارغاً ، وعملاً يرتبط بالدماء والأموال لا تحيةً تثرثر بها الألسنة ، ولا يقوم بها أثر ،
وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة ، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال ،
وقد حرص الأنصار على الحفاوة بإخوانهم المهاجرين ؛ فما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة ،
كما قدَّر المهاجرون هذا البذل الخالص ؛ فما استغلوه ، ولا نالوا منه إلا بقدر مايتوجهون به إلى العمل الحر الشريف ، ولا يخفى ما لهذا الإخاء من دورٍ في البناء والرقي والتعاون .
ويستفاد من هذا الدرس أن الأمة الإسلامية لا بُدَّ أن تجتمع على أخوة الإسلام ، وعلى كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله ، ونهج الأسلاف الكرام ، وإلا أصبحت مفككة متناثرة لا يُهاب جنابها ، ولا تُسمع كلمتُها .
24 - إصلاح العقائد الباطلة والسلوك المنحرف ، والتربية على العقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة :
فلقد كان العالم يتخبط في ظلمات بعضها فوق بعض ظلمة من الجهل، وظلمة من دناسة الأخلاق ، وظلمة من منكر الأعمال ، فبعث الله المصطفى ليخرج الناس من هذه الظلمات إلى نور يسعى بين أيديهم في الحياة الأولى ، ويهديهم إلى السعادة في الحياة الأخرى ؛
فلقد أتى النبي بكتاب عظيم مُصلحٍ للعقائد والأخلاق والأعمال ، ومنظم لجميع شؤون الحياة ، فَتَدَبَّرَتْهُ فئة قليلة ، واتخذته قائدَها المطاعَ ، فكانت خير أمة جاهدت في الله وانتصرت ، وغلبت فرحمت ، وحكمت فعدلت ، وساست فأطلقت الحرية من عقالها ، وفجرت ينابيع المعارف بعد نضوبها ،
واسألوا التاريخ ؛ فإن هذه الأمة قد استودعته من مآثرها الغُرِّ ما بَصُرَ بضوئه الأعمى ، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء ،
ولقد جاهد المصطفى الجَهْلَ ، وشرُّ الجهل عدمُ معرفة مبدع الكائنات ، وتركُ التوجه إليه بشتى القربات ، وجاهد الأخلاق الرذيلة ؛ فكرَّه للنفوس الجزع ، والجبن ، والبخل ، والصَّغار ، والكبر ، والقسوة ، والأثرة ،
وعلَّمها الصبر فهان عليها كل عسي ر، وعلَّمها الشجاعة ؛ فحقُرَ أمامها كلُّ خطير ،
وعلَّمها الكرم ؛ فجادت في سبيل الخير بكل نفيس ، وعلَّمها العزة ؛ فسمت إلى كل مقام مجيد ،
وعلمها التواضع فتألَّفت كلَّ ذي قلب سليم ، وعلمها الرّحمةَ ، والرّحمةُ رباط التآزر والتعاون على تكاليف الحياة ،
وعلمها الإيثَار ، والإيثارُ من أقصى ما يبلغه الإنسان من مراتب الجود ،
فأحدث بهذا الدين تحولاً عاماً في حياة الفرد والجماعة بحيث تغير سلوك الأفراد اليومي ، وعاداتهم المتأصلة ،
كماتغيرت نظرتهم إلى الكون والحياة والحكم على الأشياء ، وهذه المعاني إنما تجلت أعظم التجلي بعد الهجرة النبوية الشريفة المباركة .
ونحن اليوم محتاجون - من معاني الهجرة وأهدافها وحكمها - :
إلى ما نصلح به ما فسد من عقائد المسلمين ،
وإلى أن ننخلع في بيوتنا عن الآداب التي تخالف الإسلام ، وأن نُعيد إلى هذه البيوت الصدق ، والصراحة ، والنبل ، والاستقامة ، والاعتدال ، والتواضع ، والعزة ، والكرم ، والتعاون على الخير ،
إلى غير ذلك من المعاني السامية ؛ فالبيت الإسلامي وطن بل هو دولة إسلامية ،
وقبل أن نبدأ في علاج الأمة يجب أن نبدأ بالأقرب فالأقرب :
فنبدأ في بيوتنا ، فنهاجر نحن ومن فيها إلى ما يحبه الله ، وننخلع عن كل ما لا يرضيه - عز وجل -،
ثم نتحرى في مجتمعاتنا أنظمة الإسلام وآدابه ، ونهجر كل ما خالفها مما اقتبسناه من غيرنا ، وخَذَلْنا به مقاصد الإسلام ، فضيَّعنا أغراضه الجوهرية .
وإذا أخذنا بهذه التربية ، وتأصَّلت في أذواقنا وميولنا ، وتَعَوَّدْنَا العمل بها في شتى الميادين ؛ لم تلبث أوطان المسلمين أن تتحول من أوطان عاصية لله إلى أوطان مطيعة لله ،
فيكون لهذا الأسلوب من أساليب الهجرة مِثْلُ الآثار التي كانت لهجرة النبي وأصحابه الأولين .
هذه بعض الدروس والفوائد من الهجرة في سبيل الإجمال .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


descriptionماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!  Emptyرد: ماذا نتعلم من رحلة الهجرة النبوية ؟!

more_horiz
بارك الله فيك مشكووور على الموضوع الأكثر من رائع :/:mrc/: :/--yslm: :/:just/:
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد