السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في يوم من الأيام كان كلاب يمشى في طرقات المدينة فلقي طلحة ابن عبيد الله والزبير بن العوام فسألهما عن أى الأعمال أفضل في الإسلام قالا: الجهاد في سبيل الله فذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرسلنى إلى الثغور،والثغور هي مراكز تجعل حول بلاد الإسلام يرابط بها المجاهدون لأجل أن يردوا الأعداء لو هجموا على بلاد المسلمين، قال عمر بن الخطاب: أعندك والدان؟؟ قال: نعم قال: اذهب واستأذنهما فذهب إلى أمه وأبيه فجعل يبكي ويقبل رأس أبيه فأذن له على مضض ثم اقبل إلى عمر بن الخطاب فقال له: إن أبواه قد أذنا له.. فأرسله عمر إلى الثغور. فمرت الأيام واشتد شوق الوالد إلى ولده فقد كان يساعده في وضوئه يقرب إليه طعامه يمشى معه في حاجاته يؤانسه في مجلسه فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره، فجلس أميه بن اسكر تحت شجرة فرأى حمامة تأتى إلى أفراخها وتطعمهم فجعل ينظر إليهم ثم قال
: لمن شيخان قد نشدا كلابا
كتاب الله لو عقلا الكتابا
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لاتسيغ لها شرابا
طويلا شوقه يبكيك فردا
على حزن ولا يرجوا الإياب
إذا هتفت حمامه بطن وج
على بيضاتها ذكرا كلابا
فانك ولتمس الأجر بعدى
كباغ الماء يتبع السرابا
ثم اشتد حزنه على ولده حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام، ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، فعمى فلما عمى اشتد عليه البلاء وصار يتذكر ولده ويراه بين يديه في كل حين فأخذ من شدة ما في قلبه يريد أن يدعوا على ولده لكن نفسه لم تطاوعه فأخذ يدعوا على عمر بن الخطاب ويقول في شعره.
أعادل قد عدلت بغير علم
وما تدرى عادل ما ألاقى
فلا والله ما بليتي وجدي
ولا شفقي عليه ولا اشتياقي
فلو فلق الفؤاد شديد وجد
لهم سواد قلبي بانطلاق
ثم قال: سأستعدي على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه
ببطن الأخشبين إلى زقاق
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين هامهما بواق
فاقبل يوما من الأيام أحد من أصحابه
فقال يا أبا كلاب تذهب معي في حاجه ؟؟
قال:إلى أين قال: اذهب معي فأخذه بيده وهو الأعمى يسوقه حتى ذهب إلى المسجد واقبل إلى حلقة عمر بن الخطاب وأجلسه فيها والشيخ لا يدري انه في مجلس عمر بن الخطاب ثم قال له صاحبه يا أبا كلاب...
قال:نعم قال: أنشدنا من أشعارك، ولشدة تعلقه بولده أول ما تبادر إلى ذهنه الأشعار التي في ولده فقال:
سأستعدى على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه
ببطن الأ خشبين إلى زقاق
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين هامهما بواق
فقال: عمر من هذا؟؟
قال: هذا أميه
قال: ما خبره؟؟
قال: أرسلت ولده إلى الثغور.
قال: ألم يأذن؟؟
قال: أذن على مضض فقام عمر بن الخطاب إلى ديوانه فأرسل مباشرة إلى الثغور (أن ابعثوا إلى كلاب ابن أميه ابن اسكر الكنانى على دواب البريد)
دواب البريد أن الخيل التي تقطع مسافة أسبوع تقطعها هذه الدواب في يوم أو نصف يوم...
دخل كلاب على عمر بن الخطاب
فقال: نعم يا أمير المؤمنين
قال: اجلس يا كلاب فجلس
قال عمر :ما بلغك برك بابيك؟؟
قال: والله ما أعلم شيئا يحبه أبى إلا فعلته قبل أن يطلبه مني ولا أعلم شيئا يبغضه أبى إلا تركته قبل أن ينهاني عنه
قال: زدني
قال : يا أمير المؤمنين والله إني لا ادخر جهدا أي(لا أقصر معه في بر أو إحسان)
قال : زدني
قال: إني إذا أردت أن احلب له من الناقة آتى بالليل إلى أغزر ناقة في الإبل ثم أنيخها وأعقلها حتى لا تتحرك طوال الليل ثم استيقظ قبيل الفجر واتى إليها فابعثها ثم امضي إلى البئر فاستخرج منه الماء البارد واتى الناقة واغسل ضرعها في الماء حتى يبرد اللبن ثم احلبه وأعطيه أبى ليشرب
قال عمر : عجبا كل هذا لأجل شربة لبن....
قال: وما سواه أعظم يا أمير المؤمنين....
قال : افعل كما كنت تفعل....
قال كلاب : أذهب إلى أهلي يا أمير المؤمنين....
قال: أول شيء اعملي لبن فمضى إلى الناقة فحلب اللبن ففعل معه كما يفعل مع أبيه فأعطاه إلى عمر بن الخطاب وقال عمر : خذوا كلاب فادخلوه في غرفة وأغلقوا عليه الباب
فأرسل عمر إلى الشيخ فأقبل الشيخ يجر خطاه- قد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه_ حتى وقف أمام أمير المؤمنين
فقال عمر : ما بقي من لذاتك في الدنيا؟؟؟
قال: ما بقي لي لذة....
قال فما تشتهى؟؟؟
قال اشتهى الموت
قال أقسمت عليك أن تخبرني بأعظم لذة تتمناها في الدنيا؟؟؟
قال لا تقسم. ...
قال أقسمت عليك اخبرني؟؟؟
قال أتمنى لو أن ولدي كلاب بين يدي أضمه ضمة واشمه شمة قبل أن أموت
قال سيسرك الله بولدك خذ هذا اللبن تتقوى به
قال لا حاجة لي به
قال أقسمت عليك أن تشرب فأخذ اللبن فلما قربه أميه إلى فيه بكى وبكى
فقال والله إني لأشم في ها اللبن رائحة يدي ولدي كلاب فبكى عمر وجعل ينتفض من مكانه وبكى وبكى ثم قال افتحوا الباب لكلاب_ الأب لا يدرى هو سمع اسم كلاب أو لم يسمعه وبدا يتلفت يمينا ويسارا
اقبل الولد إلى أبيه فضمه أبوه إليه حتى كأنهما قد خلطا في جسد واحد/لو أحضرت قوة الدنيا ما استطعت إلا أن يتقطعا جعل الأب يضم ولده تارة ويشمه تارة ويقبله تارة بكى عمر وقال : يا كلاب إن كنت تريد الجنة فتحت