هي الآن مقرفصة في غرفتها المظلمة، ضوء الخارج يتسلل من زجاج النوافذ، تفتح الآن نوافذ حياتها معه، أو حياتها لوحدها، تسترجع أهم أحداث العمر كله، بسرعة يمر شريط الأحداث في خاطرها، في يدها اليمنى تحمل شظية زجاج حصلت عليها بعد كسر كأسها المفضل و الذي لم تفارقه أبدا، قالت في خاطرها قبل أن تكسره: " بك سأنتحر أيها المعشوق الزجاجي، لن أتركك لأحد، لن يشربوا فيك نخب موتي، سنموت معا..." عدلت المرأة من جلوسها واتكأت على الجدران، مررت الشظية فوق شريان يدها اليسرى كأنها تقيم حفلها الأخير. قبلة أخيرة أيتها اليد قبل أن تنتحري.
هي الآن تفكر بعنف وبسرعة ، حتى الأفكار تأتي هكذا مسرعة ومباغتة فتترك خدوشها دون أن تلتحم.. هي الآن مصرة على الرحيل أكثر من ذي قبل، إنها عنيدة، أليس هكذا يقول لها باستمرار" أنت عنيدة، مشاكسة، لا يستطيع رجل أن يروضك " يتردد صدى صوته هذا على جدران ذاكرتها و يخدش ما تبقى منها . تصرخ بملء صوتها : كفى ، كفى، كفى.
"إنه ذلك الصوت القادم من الأعماق.. يحدث صخبه المزعج في داخلها: أسكت لم أسمع منك قط كلمة تريحني، لم تقل لي أبدا إنك لست عنيدة، أصمت، لم تكتب لي أبدا قصيدة، أصمت أنت لم تحبني أبدا، رغم أنك تتعبد باسمي وتصلي باسم حبك لي، أصمت: أنت لم تعترف بي يوما كامرأة حقيقية، أصمت أنت لم تعانقني يوما باسم الحب، أصمت ، أصمت ، أصمت ، أصمت..... فارت الدماء في عروقها..
هي الآن مستعدة للرحيل أكثر من أي وقت، مستعدة لتقول ما لم تستطع يوما قوله أمامه، ضغطت بشظية الزجاج على شريانها، خرجت نقاط من الدم الفوار، إلتهب صدرها صراخا، تحسست جسمها، كأنها تريد أن تتأكد من عدم رحيلها، هدأت، أو هو خوف ممزوج بالهدوء، أدركت أنها لا تحلم..
إنها تنتحر، نظرت إلى الدم المتدفق من يدها اليسرى. صرخت بأعلى صوتها أو هي تكاد تصرخ:
دمممممم. دمممممممم. دممممممم..
ساعدونييييي..
أنا عنيدة..
أنا عنيدة...
فقط ساعدوني...
دخلت في غيبوبة ولما استفاقت وجدته فوق رأسها غافيا.. وأثر الدموع في عينيه..