وزن به قضايا القياس في أحسن ميزان، وصلى الله على سيدنا محمد صاحب الشريعة والبرهان وعلى آله وصحبه، صلاة وسلاماً في كل زمان وأوان.قال ابن المقفع: إن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلاً. والله وقت للأمُور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سبلها، وسبب الحاجات ببلاغها. فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمغاد، والسبيل إلى دركها العقل الصحيح. وأمارةُ صحةِ العقلِ اختيارُ الأمورِ بالبصرِ، وتنفيذُ البصرِ بالعزمِ.
نواصل اخواني وفقني الله واياكم لمرضاته ما جاء في كتاب الاذكياء للامام ابن الجوزي رحمه الله في سياق المنقول من ذلك عن الامم السالفة
من ذلك ما نقل عن عبد الله ابن عامر الأزدي في الاحتيال للسلامة من سيل العرم حدثنا الضحاك عن ابن عباس لقد كان لسبأ في مساكنهم آية قال كانت لا تنقطع عنهم جنتهم شتاء ولا صيفاً فكفروا ما أنعم الله عليهم فأرسل عليهم سيل العرم فسلط على الردم الذي بنوه على غير شربهم جرذاً له مخاليب وأنياب من حديد فأول من علم بذلك عبد الله بن عامر الأزدي فانطلق نحو الردم فرأى الجرذ يحفر بمخاليب من حديد ويقرض بأنياب من حديد فانصرف إلى أهله فأخبر امرأته وأراها ذلك وأرسل إلى بنيه فقال هل ترون ما رأينا قالوا نعم قال فإن هذا الأمر ليس لنا إليه سبيل اضمحلت الحيل فيه لأن الأمر لله وقد أذن في هلاكه فأتى بهرة والجرذ يحفر ولا يكترث بالهرة فلما رأت الهرة ذلك ولت هاربة فقال عبد الله احتالوا لأنفسكم قالوا يا أبت كيف نحتال قال إني محتال لكم بحيلة قال فدعا أصغر بنيه ثم قال له إذا جلست اليوم في المجلس وكان الناس يجتمعون إليه وينتهون إلى رأيه فإذا اجتمعوا أمرت أصغركم بأمر فليفعل عنه فإذا شتمته فليهم إلى فليلطمني ولا تتغيروا أنتم عليه فإذا رأى الجلساء أنكم لم تتغيروا على أخيكم لم يجسر أحد منهم أن يتغير عليه فاحلف أنا عند ذلك يميناً لا كفارة لها إن لا أقيم بني أظهر قوم قام إلى أصغر بني فلطمني فلم يتغيروا عليه لذلك قالوا تفعل فلما راح الناس إليه أمر ابنه ببعض أمره فلهى عنه ثم أمره فلهى عنه فشتمه فقام إليه فلطم وجهه فعجبوا من جرأة ابنه فنكسوا رؤوسهم وظنوا أن ولده يتغيرون عليه فلما لم يتغير أحد منهم قال الشيخ فحلف أن يتحول عنهم ويستبدلوا بداره فلا يقيم بين أظهر قوم لم يتغيروا على ابنه فقام القوم معتذرين وقالوا إنا كنا ظننا أن ولدك لا يتغيرون فذلك الذي منعنا قال قد سبق منى ما ترون وليس إلى غير التحويل سبيل فعرض ضياعه على البيع وكان الناس يتنافسون فيها واحتمل بثقله وعياله فتحول عنهم فلم يلبث القوم إلا قليلاً حتى أتى الجرذ على الردم فاستأصله فلم يفاجئ القوم ليلة بعدما هدأت العيون إذا هم بالسيل قد اقبل فاحتمل أنعامهم وأموالهم وخرب ديارهم وقد جاءت أخبار عن القدماء ستراها في أبوابها إن شاء الله تعالى.