كيف يتشابه النهر و الإنسان ؟في فصل الصيف و مع اشتداد الحرارة و الجدب يختفي ماء النهر في أضلع الصخر كإنسان يختفي بين أضلع والديه نطفة مهينة و بويضة من ضعف........ و يستمر الجفاف حتى تتشقق الأرض تماما بحلول فصل الخريف و عندها تدب الحياة في مجرى النهر و لو كانت في بداية الأمر حياة ضعيفة كضعف رضيع في أشهره الأولى...... الخريف هو بمثابة الأشهر الأولى في حياة رضيع،و في تلك المدة يكون مستوى الماء في المجرى متدنيا جدا و بالكاد يبلغ الركب فلا ترغب سمكة في العيش فيه و يغري ذلك المستوى رعاة الغنم بغسل ماشيتهم في مائه و تعبره الكلاب من ضفة لأخرى رافعة أذيالها في سعادة غامرة و النهر يرى و لكنه ضعيف كالرضيع فلا يستطيع فعل شيء.و مع الأطعمة المعلبة و الحليب السويسري الأبيض ينمو الرضيع في عجالة مستغنيا عن حليب الأم المثالي، تلك الأم التي أنهكها وضع زوجها المادي ! و الحليب السويسري عند الرضيع بمثابة فصل الشتاء عند النهر ، فيمتلأ الآخربالماء و يهدر في غضب مستغلا نشوة عارمة كنشوة المراهقة و الشباب. و كم كانت المراهقة فترة حبلى بالطيش و الحماقات و من يعتقد أن النهر غير طائش فهو غير مصيب فكم من شجرة اقتلعها و كم من جسر دمره و كم حقول طغى عليها. و في ذلك الحين يجلب المراهق لوالديه المشاكل و يتعلم التدخين و الهروب من المدرسة،و يحلق ذقنه لأول مرة فيبدو أزرق السحنة.!!و عندما يحل الربيع يستكين النهر الى نزعة مسالمة، تبعث في مائه الصفاء و الدفء، فيروق للجميع منظره، و يعج باطنه بالسمك و الخيرات و يتهاوى منسوب مائه نظرا لاستخدامه في ري المحاصيل،و تثور الألوان وسط الحقول، فيفاخر فلاح ببطيخة كبيرة،يرد عليه آخر بقرن فول طويل في افتخار.و يفتخر عليهما آخر بكمية حليب ضخمة يحلبها من بقرته !!.و الربيع عند النهر كمرحلة استواء الرجولة عند الإنسان. ففي هذه المرحلة يضع الانسان عقله في رأسه. و ينظر الى الدنيا بعين عاقلة. و يدجن حواسه جميعا.فيجتنب ضحكة من غير سبب أو مشية لغير وجهة. حتى تسقط عليه فكرة الزواج،يبحث عن الشريكة، يجدها ،يتزوجان و ينجبان الولد.يشقى من أجل أولاده زمنا مريرا.حتى يحل الصيف و يشتد الحر مجددا و عندها يخور النهر من ضعفه فتظهر الصخور من باطنه كالتجاعيد في الوجه !!..... تتلاشى الحياة في هدوء من على ضفافه و يشعر بالحسرة إنها الشيخوخة و هي إن جاءت لا ترحم أبدا و بحلولها ترجف اليد و تسود الجفون و يكبر الأولاد و في كل وجهة يهيمون و عندما يجف النهر تماما تحل ساعة الوفاة و أثناء خروج الروح يتذكر الإنسان كل محطة جميلة كلعب الصبيان في الشارع و أول صلاة في الجامع، و أول شجار في الإبتدائية، و يوم الختان و ليلة الدخلة ........ ينطق بالشهادة فتظلم بعد ذاك عيناه. فما أشبه الإنسان بالنهر !!