يحكى أن شبابا كانوا في جبهة القتال ، أيّام الحرب العالميّة الثّانية ، ولأنّ الحرب طالت ، وطال معها الشّعور بالقلق ، والخوف واليأس والفراغ في بعض الأحيان ، كان على قادة الجيوش البحث عن منفذ يشغل جنودهم ويُرَفِّهُ عنهم ويبعث الأمل في نفوسهم ، اهتدى أحدُهم إلى فكرة المراسلة ، فكان يُحْضر الجرائد والمجلاّت التي تهتم بهذا الأمر ، ولم تمض أيامٌ حتّى صار الكلّ مشغول بالمراسلة.
كان من بين هؤلاء شاب وسيم طيّب قد وجد ضالّته في فن المراسلة ، حيث تعرّف على فتاة من بلد غير بعيد عن بلاده ، أحبّها وأحبّته وتعلّق كلاهما بالاخر أيّما تعلُّق ، فطارت بهما الأحلام وراحا يفكّران في يوم اللّقاء الأوّل ، وبعد بضع سنوات ، حطّت الحربُ أوزارها ، فكانت الفرحة لا توصف ولا تقدّر ، وعليه قرّر الشّابان ان يلتقيا ، فبعث الشّاب برسالة إلى عشيقته وقد حدّد لها تاريخ ومكان وساعة اللّقاء ، كما أشار الشّاب اللّطيف إلى نوع ولون البدلة التّي سيرتديها في ذاك اليوم ، إلاّ أنّ الفتاة ردّت عليه بحنكة وذكاء ، بأنّها توافق على زمن ومكان الّلقاء ، لكنّها اشترطت عليه بالمقابل أن يرتدي لباساً غير الذّي وصفه لها تماما ، وبالمقابل راحت تصف له شكل ولون الثّوب والقبّعة الذّين سترتديهما في هذا اليوم ، ثمّ قالت له : عليك أن تنظر إليّ من مكان بعيد ودون أن أشعر بك فإن أعجبتُك أُدْنُ منّي وإن شعرت بالعكس غادر المكان في أمان..هكذا لن أظلمك..
وفي اليوم الموعود جاء الشّاب متحمّسا وخائفا ، دخل محطّة القطار ووقف في زاوية يترصّد الفتاة بفستانها وقبّعتها المُشار إليهما. وفجأة رآها فكانت عكس ما كان يتوقّع تماما ، كانت إمرأة بدينةً متواضعة الجمال ليس لها ما يميّزها عن الأخريات ، فصُدِم وقفل عائدا وهو يفكّر فيما أصابه ، ثمّ وقف مع نفسه يتساءل: أليست هذه هي الفتاة التّي أحببْتُها ؟ وتعلّقتُ بها ، أليست هذه هي التي منحتني الأمل والحياة...؟ لا سأعود إليها ولا يهمّني ماهي عليه ، سأحبّها على ماهي عليه ، وراح يقترب من السيّدة ، ولمّا ناداها باسمها ، التفتت إليه قائلةً : أأنت فلان ؟ فقال : بلى ، فقالت له: الفتاة التّي تبحث عنها تقف هناك ، أنا الخادمة ...ولماّ نظر إليها ودنا منها ، كانت جميلة ورائعة تماما كما كان يحلم بها...