بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
>> هذه قصة واقعية تذرف لها الدموع تنفع من لهم قلب حي وسليم ونية خالصة في التدين وإلا فلا داعي لقراءتها فهي ليست للتسلية !!
فتولكوا على الله ووزعوها إن شئتم عسى الله الرحمان الرحيم أن ينفع بها
"لا لبيك ولا سعديك قد جربناك مرارا فوجدناك غدارا"
الإمام أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزى –رحمه الله تعالى-
مقتطف من كتاب "التبصرة في الوعظ"
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب أنبأنا علي بن عبد الله بن أبي صادق أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه حدثنا عبد الواحد بن بكر الروياني حدثنا محمد بن أحمد المارستاني حدثنا الحسن بن إسماعيل الربعي عن عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري عن أبيه...
أن فتى كان على عهد الحسن وكان مُفرطا في حق الله عز وجل فبينا هو كذلك في تفريطه أخذه الله بالمرض أخذة شديدة فلما آلمه الوجع نادى بصوت منكسر محزون "إلهي وسيدي أقل عثرتي وأقمني من صرعتي فإني لا أعود" فأقامه الله من صرعته فرجع إلى أشد مما كان فيه فأخذه الله أخذة ثالثة فقال إلهي أقلني عثرتي وأقمني من صرعتي فإني لا أعود أبداً فأقامه الله من صرعته فرجع إلى أشد مما كان.
فبينما هو مار في بعض أيامه إذ نظر إليه الحسن يضرب بأدرانه وينظر في أعطافه فقال: "يا فتى خف الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فقال: "إليك عني يا أبا سعيد فإنا أحداث نريد أن نذوق الدنيا" فقال الحسن: "كأنكم بالموت قد نزل بساحة هذا الشاب فرضه رضا".
فبينما الحسن في مجلسه إذ أقبل أخو الفتى إليه فقال "يا أبا سعيد إن الفتى الذي كنت تعظه هو أخي وقد وقع في سكرات الموت وغصصه" فقال الحسن لأصحابه "قوموا ننظر ما فعل الله به" فلما أقبل الحسن قرع الباب فقالت أمه من بالباب فقال الحسن فقالت "يا أبا سعيد مثلك يأتي إلى مثل ولدي أي شيء تعمل على باب ولدي وولدي لم يترك ذنبا إلا ركبه ولا محرما إلا انتهكه" فقال "استأذني لنا عليه فإن ربنا سبحانه يقيل العثرات" فقالت يا بني هذا الحسن بالباب فقال "يا أماه أترى جاءني الحسن عائدا أو موبخا افتحي له الباب" ففتحت له فدخل فلما نظر إليه يعالج سكرات الموت قال له "يا فتى استقل الله يقلك"* فقال "يا أبا سعيد إنه لا يفعل" قال "أو تصف الله بالبخل وهو الجواد الكريم" فقال "يا أبا سعيد إني عصيته فاستقلته فأقالني فعصيته فأمرضني فاستقلته فأقالني وهذه الخامسة فلما استقلته نادى مناد من زاوية البيت أسمع الصوت ولا أرى الشخص لا لبيك ولا سعديك قد جربناك مرارا فوجدناك غدارا" فقال الحسن لأصحابه "قوموا بنا" فلما أن خرج الحسن قال لأمه "هذا الحسن قد أيسني من سيدي وسيدي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات يا أماه إذا رأيتني وقد تحول السواد بياضاً ورشح للموت جبيني وغارت العينان واصفر البنان وانقطع اللسان فخذي المدرعة من تحت رأسي وضعي خدي على الثرى واستوهبيني من سيدي فإن سيدي يقبل التوبة" فلما نظرت إليه يعالج سكرات الموت أخذت المدرعة من تحت رأسه ووضعت خده على التراب وشدت وسطها بحبل من ليف ونشرت شعرها ورفعت رأسها نحو السماء ثم نادت "إلهي وسيدي أسألك بالرحمة التي رحمت بها يعقوب فجمعت بينه وبين ولده وأسألك بالرحمة التي رحمت بها أيوب فكشفت عنه البلاء إلا ما رحمت ولدي ووهبت لي ذنبه" وسمع الحسن هاتفاً يقول "إن الله تعالى قد رحم الفتى وهو من أهل الجنة فحضر الحسن وجميع أصحابه جنازته.
يا أهل الذنوب لا يغُـرنكم الإمهال فإنما هي أيام وليال، رُبَّ مشغول بلذاته عن ذكر تخريب ذاته، يلهو بأمله عن تجويد عمله، يتقلب في أغراضه، ناسياً قرب إمراضه، بـغَـتـه الفـاجع ببـاسه، فأُخذ عن أهله وجلاسه.
سجع على قوله تعالى { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } - سورة الحجر 3 -:
كم مأخوذ على الزلل ختم له بسوء العمل نزل به الموت فيا هول ما نزل فأسكنه القبر فكأن لم يزل وهذا مصير الغافل لو غفل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
كم نائم على فراش التقصير مغتر بعمر قصير صاح به فلم يبال النذير فاستلبه الخطأ والتبذير فلما أحس الباس ثارت من نيران الندم شعل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
كم مستحل شراب الهوى شرب من كأسه حتى ارتوى بينا هو على جادة إعراضه هوى فما نفعه عند الموت ما حوى ولا ما شرب ولا ما أكل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
لا تغترر بنعيم القوم فإن غداً بعد اليوم دعهم فما يؤثر فيهم اللوم وهل ينفع التحريك ميتاً وهل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... }،
يجمعون الحطام بكسب الحرام ويتفكرون في نصب شرك الآثام والناس نيام يرقدون في الليل وفكرهم في الويل طويل لا ينام والأقدام فيما لا يحل إقدام تسعى في هواها سعي الرمل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
ما عندهم خبر من الساعة والعمر يمضي ساعة فساعة خسروا في أشرف تجارة وأغلى بضاعة يتثاقلون تثاقل عطارد في الطاعة فإذا لاح الذنب فزحل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
كيف بكف يعيا ويعيث كيف نحذرها شر الخطايا وكل فعلها خبيث كيف نخوفها قليل الذنب ولسان الحال يستغيث أنا الغريق فما خوفي من البلل { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ... } ،
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.