وردت في فضل الصوم أحاديث كثيرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مثل قوله: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وعن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يبشر أصحابه بقدوم رمضان، يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر. وعن سهل بن سعد، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ان في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، لم يدخل منه أحد. وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له. وتتجلى الحكمة من الصوم في كونه وسيلة الى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وإنها من أجل النعم وأعلاها، والامتناع عنها زمانا معتبرا يعرف قدرها، إذ النعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعم فرض عقلا وشرعا، وإليه أشار الرب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصيام: «ولعلكم تشكرون»، كما أن الصوم وسيلة الى التقوى، لانه اذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى، وخوفا من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سببا لاتقاء محارم الله تعالى، وإنه فرض، واليه وقعت الاشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم «لعلكم تتقون»، وفي الصوم قهر الطبع وكسر الشهوة، لأن النفس اذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»، فكان الصوم ذريعة الى الامتناع عن المعاصي، والصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإن الصائم اذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع اليه الرقة عليه، والرحمة به، بالإحسان اليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء، وفي الصوم موافقة الفقراء، بتحمل ما يتحملون أحيانا، وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى. وفي الصوم قهر للشيطان، فإن وسيلته الى الاضلال والاغواء الشهوات، وانما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك جاء في حديث صفية رضي الله عنها قوله عليه الصلاة والسلام: ان الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع.