• أنماط التفكير
ماذا لو عُرِض عليك الذهاب إلى عالم الخيال! وماذا لو علمت بأن هذا الخيال هو المُحرك
الرئيس لواقعك الذي تعيش؟ إنها حروف تناقض نفسها..خيال و واقع ..لكنها رحلة حدثت على
أية حال، و ركبنا مركبتنا العقلية وتجولنا حيث العالم الحقيقي الوهمي..عالم الأفكار!
كان هذا العالم محور حديثنا في دورة " ثورة الأفكار " التي قدمها أحد مؤسسي أكاديمية التغيير
م/وائل عادل الذي قاد المركبة وكان دليلنا السياحي حيث وجهتنا الاستكشافية المثيرة.
محطتنا الأولى: الفكرة..تحت المجهر
" الفكرة " هل فكر أحد منكم سابقا بالأسباب التي تجعلنا نحملها في عقولنا؟ إنه السؤال الذي
طرحه دليلنا، والذي لخصه بأربعة وظائف كبرى وهي: الوصف، التفسير، التنبؤ، والسيطرة.
فنحن نَحْكم بقاء الفكرة كلما استطاعت وصف ذاتها جيدا بحيث تنقلنا من السكون إلى
الحركة، وكلما استطاعت تفسير نفسها بطريقة يمنع اهتزازها وربطت نفسها بالمستقبل
ومواجهة تحدياته؛ لتسيطر في النهاية على الظواهر، وتشهد الواقع بقوة .
أما من أين لنا هذه الأفكار..فقد نضيف سلسلة من المصادر أعظمها : الأعراف والتقاليد،
الدين، الأيديولوجيا، والعلم الذي يعد من أكثر المصادر تميزا؛ لتقدمه المستمر وتطوره من
خلال نقد نفسه بنفسه. وبغض النظر عن المصدر، فالعاقل مسؤول عن أي فكرة تحركه .
محطتنا الثانية: احذر ..للأفكار خديعة
قادنا دليلنا م/ وائل عادل حيث منطقة مزخرفة أنيقة مبهرة تصاميمها، متناسقة ألوانها،
دخلنا حدودها وإذ بها مهدمة محطمة، بالقيود ممتلئة، أدهشنا تناقض ظاهرها مع
باطنها، ولكننا سرعان ما أدركنا بأنها الخديعة!
الخديعة التي تصلنا مزخرفة، ويكمن داخلها زخرف من نوع آخر، زخرف يضللنا دون أن نشعر؛
لجمال مظهره وحديثه المنمق ومغناطيسه الخفي الكامن وراء الأسطر..لكنه في الحقيقة يُكبل
العقل ويعطل مفاتيح نهوضه وتغيره .
وقد تصلنا خديعة الأفكار من عدة مصادر:
1- الرموز: الذين يمثلون القدوة التي لا يُرد لها حرفا، فتتسرب الأفكار إلى عقولنا مُسلِّمة لمجرد
أنه رمز ..رمز فقط!
2- التضحية: بحيث نتبنى أفكار شخص ضَّحى من أجل هدف أو رسالة، دون الالتفات الحقيقي
إلى هدفه الذي ضحى من أجله، فلا يبرر كونه بطلا أن نتبنى تفكيره دون أعادة النظر .
3- الوسيلة: تكرار ذات الوسيلة كونها نجحت مع غيري، دون فتح لآفاق العقل التي قد تهدينا
مئة وسيلة غيرها أنفع وأجدى.
4- المعرفة: قبول أي فكرة كونها سبقت كلمة باسم العلم ..أو باسم الدين ..وعدم تحرير العقل
في أخذها، وحظر عدسة البحث والتفكّر حتى يقودنا ذلك للاستسلام لأسهل الأجوبة وترديدها
دون معرفة لُبِها وجوهرها .
محطتنا الثالثة: تواضع العلم
خرجنا قليلا من العقل للاستراحة، عدنا إلى الواقع..أطلنا النظر والتمعن حولنا، كَون شاسع
لا يمكن رسم نقطة نهايته، عالم لا يمكن الالتفاف حوله إذ أنه يمثل بوابة لعوالم أخرى
لا حصر لعددها! عُدنا لمركبتنا؛ ما عادت أعيننا تنظر على امتداد الأفق كما كانت قبل قليل،
فبدت مركبتنا رغم عظمتها لا تمثل شيئا أمام عظمة الكون الذي يحيطها.
أدركنا إذا أن للعقل حدود..وللأفكار حدود، ومهمتنا استكشاف الحياة وخوضها بروح المغامر
الذي يحاول فتح النوافذ التي لم يقم أحدا بلمسها.
وسط العقل استقرت أقدامنا، وداخل الفكرة جلسنا، ليبوح دليلنا حديثا عن العلم والمعرفة..دقة
يريد العديد منا الوصول إليها أو " الحقيقة المطلقة " كما يُطلق عليها، ولكن كيف لنا
أن نجد الحقيقة المطلقة؟ أين موقعها في عقولنا؟ كيف السبيل إليها؟! بدأنا نسأل..
فأعلن " العلم " حديثه معنا ..وعرض أمامنا سُلَّمه التاريخي التطوري خطوة بخطوة..
ما زال السُلّم قائما ولم يُكتب له نهاية..فكل حقيقة نعتقد أنها كذلك تم تكذيبها وبناء سلما آخرا
أقل تكذيبا فوقها، فهذه هي روح العلم المتواضعة التي نلخصها بالخصائص التالية:
1. القابلية للتكذيب: لغة جديدة للعلم إذا، بات فيها كل تكذيب ظفر علمي.
2. التصدي للواقع: المقدرة على توصيل المعلومة حتى وإن كان ظاهرها عكس ذلك؛
بحيث يحقق تقابلها مع الواقع نقلة نوعية.
3. النقد والشك العلمي.
4. الخيال: الجرأة في تخيل ما تريد، واصطدامه مع الواقع الذي تعيش بحيث يُحدث التغيير.
5. الاحتمالية: بحيث يصبح يقين العلم ليس اليقين المطلق في أية نتيجة، بل اليقين بأن
كل خطوة خاطئة يمكن تصويبها.
6. الثورية: تطور العلم بشكل ثوري بانهيار السابق والبدء من جديد من نقطة توقف العلم عن الإجابة.
محطتنا الرابعة: لنعلن ثورة أفكارنا
ها نحن نقترب من نهاية جولتنا السياحية في العقل، ولن ننهيها بالطبع دون السؤال
عن تلك المناطق النامية، فلقد لاحظنا خلال الرحلة وجود بعض المناطق في أطراف
العقل تحيطها الحلكة ويكسوها الخراب!
علمنا فيما بعد من دليلنا أنها المناطق التي تسكن فيها الأفكار السلبية القابلة للذل والخضوع،
الصامتة والتي تعاني من التوحد، والتي لابد من تغييرها وإصلاحها وتحريرها من
اليأس المسيطر، وذلك من خلال ثورة نعلنها، تتنفس الأفكار بعدها نسيم الحرية والنصر
تدارسنا ثورة الأفكار، وعلمنا أنها تمر عبر مراحل عدة؛ أولها الاكتشاف الذي عادة
ما يقوم به قلة، وتتميز هذه المرحلة بهدم الأفكار المحنطة، وبناء أفكار أكثر فاعلية منها .
أما ثاني هذه المراحل فهي مرحلة الرفض والمقاومة التي تتميز بأنها تحدث داخل
الإطار المعرفي القديم، ويتم فيها تعديل الإطار الحاكم وبناء إطار فكري جديد. والأزمة
التي تبشر بحدوث التحول هي ثالث هذه المراحل، وبعد ذلك يأتي التحول ومن ثم التنظير
التي نستطيع القول عندها : أهلا وسهلا بلغة الأفكار الجديدة التي زارت عالمنا .
الخاتمة
هي رحلة يُحرَّم عليك تعطيلها يوما، فالعقل يرتكز قمتك، مرتبط بك، لا ينفك عن جذبك إليه،
يحاول لفت نظرك.. أنّي هنا..وثمة من يحاول تهميشي، فلا تكن أنت..فأنت دورك يكمن
في قيادة هذه المركبة، التي ستخوض الكون من خلالها، مستكشفا باحثا مدركا لما حولك،
بروح متفائلة ثورية مستمتعة، تبشر بالصلاح أينما حلت.