لم يمض على زواج ربا أحمد سوى أشهر قليلة، حتى تفاجأت بشخصية جديدة لزوجها، مختلفة تماماً عن تلك التي امتازت بالاحترام والثقافة والرقي، أثناء فترة الخطوبة.
فبعد أول مشكلة حدثت بينهما وتصاعد الخلاف، انتابته حالة من العصبية لينهال عليها بوابل من الشتائم التي لك تكن تتوقع أن توجه لها.
وتقول ربا (28 عاما) "أصبت بحالة من الذهول عندما سمعت الشتائم ولم أكن أصدق أذني، وأننا نزلنا إلى هذا المستوى من الحوار، فالتزمت الصمت، وبعد أيام جاء ليعتذر لي ويخبرني أنه كان في عصبية شديدة وأنها لن تتكرر مرة أخرى".
الثلاثيني عماد عطا يكره النزول إلى ذلك المستوى من الحوار، إلا أنه أحيانا يضطر إليه ردا على زوجته عند نشوء أي خلاف بينهما، حيث تفقد أعصابها، ثم تشتمه. وفي آخر نعتته بأنه "رجل معقد ومريض نفسي ومتخلف".
ويضيف أن أكثر ما يخافه أن يسمع الأطفال ذلك الحوار، ويصبح أمرا مستساغا لهم، مبينا أنه أخطأ في اختيار الزوجة، لكنه لا يريد تدمير الأطفال وبيئتهم.
ويمكن إرجاع ذلك السلوك بين الزوجين إلى مصدرين أساسيين، وفق الاختصاصي الاجتماعي د.حسين محادين؛ أولهما خبرة كل منهما قبل الزواج، والبيئة التي عاشا بها في حال كانت بيئة تحترم آداب الحديث، أو أنهما قد شربا سلوكات تعبيرية نافرة أو سيئة، فبقيت معهما كامنة إلى حين إظهارها بعد الزواج.
أما المصدر الثاني، وفق محادين، فهو البيئة التي تعيش بها الأسرة؛ إذ إن هناك بيئات في مجتمعنا لا تعتبر الكلمة أداة من أدوات العنف أو الانتقاص من الآخر، ما يعني عدم احترام الخصوصية الزوجية.
ويضيف أن بعض الأسر لا تدرك أن التعابير البذيئة والسيئة تصنف ضمن أدوات العنف اللفظي من جهة، وأنها واحدة من الملوثات السمعية.
ويبين أن بعض تلك الممارسات موجودة، وتكمن الخطورة في تقبل اتباعها من قبل الزوجين وإشهارها على مسامع الزوجين، علاوة على خطورة أن يصمت المستمعون أو أن يقبلوا مثل هذه الممارسات على أسماعهم.
ويشير محادين إلى أن طبيعة التفاعل الاجتماعي ورقيه يرتبطان بمستوى الرسالة المبحوثة من قبل أحد الزوجين وكيفية تقبل أو الرد عليها بالمستمى المتدني نفسه.
إبراهيم (17 عاما) اعتاد تداول تلك الألفاظ النابية بين أصحابه وأخواته، ويعتبر أن السبب في ذلك أنه بات يرى الأمر طبيعيا جدا كونه منذ صغره يسمع والديه يشتمان بعضهما بعضا، وأحياناً يصل صوت صراخهما وشتائهما إلى الجيران.
اختصاصية العلاقات الزوجية د.نجوى عارف، تجد أن تلك طريقة "غير صحية" للخلاف والحوار وتؤثر على الطرفين وعلى الأبناء في الوقت نفسه. وتحذر من تأثيرها على الزوجين لأنها تعد ممارسة للعنف اللفظي حتى لو كان متبادلا من الطرفين، خصوصا أنه في الزواج الحديث أصبحت العملية متبادلة من الطرفين، مبينةً أن العنف اللفظي قسوته أكثر من العنف الجسدي ويسبب جرحا عميقا، الى جانب أنه يفقد الاحترام والمودة والألفة بين الطرفين والإحساس بالأمان في العلاقة الزوجية.
وتضيف أنه أحيانا لا تظهر تلك النتائج في حينها، إنما تظهر بعد مرور سنوات من الزواج، كونها مشكلة تراكمية ستظهر نتائجها حتماً، لافتة إلى أن العنف اللفظي قد يسبب أمراضا جسدية كذلك، عدا عن أن العنف اللفظي هو بداية للعنف الجسدي.
أما بالنسبة للأبناء، فترى عارف أن ما يحدث هو إعطاؤهم قدوة سيئة جداً، كذلك عدم شعورهم بالأمان، مبينة أن أي عنف في الأسرة هو عنف مكتسب يكتسبه الأبناء ويطبقونه في حياتهم فيما بعد.
وتضيف أنه قد ينعكس على كل من الأبناء الذكور والإناث؛ فالأنثى قد تظهر بشخصية ذات وجهين؛ إما أن تكون شخصية خانعة تماماً أو أن تظهر بشخصية عدوانية بحيث تنتقم لوالدتها من خلال تعاملها مع زوجها.
أما الذكور فإما أن يكبر الطفل بشخصية خانعة أو عدائية بسبب رؤيته لوالدته تهان بدون أن يدافع عنها، وهو ما سيترك عنده دوافع نفسية سلبية جداً، ما يجعله أول ما يفكر فيه هو الانتقام من زوجته، الى جانب شعوره بأنه ليس رجلا ويصبح شخصا مكبوتا ويسيطر عليه الغضب الشديد.
ويذهب الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ، الى أن استخدام الألفاظ النابية خلال الخلافات يدل على عدم وجود شيء في جعبة الشخصين للحديث فيه في الخلاف نفسه، كون الأصل أن يعبر الشخص بشكل مباشر عن موضوع غضبه، معتبرا أن استخدام الألفاظ النابية دليل وجود غضب ولكنه غير قادر على التحدث وإظهاره، ما يسبب تدنيا في مستوى الحوار.
ويشير إلى ضرورة التعبير عن مشاكلهم بلغة الى حد ما مقبولة وتعبر عن وجود الاحترام بين الطرفين، لافتا الى أن وصولهم الى هذه المرحلة معناه أنهم غير قادرين على التعامل مع أي شيء بصورة حضارية.