لقد أحرزت البشرية في العصور المتأخرة انتصارات شتى في مختلف العلوم الدنيوية ، ورغم تقدمها في هذا المجال إلا أن المشكلات النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات في تفاقم خطير ووبال مستطير ، وأصبح ما يُسخر لرفاهية الإنسان والتخفيف عنه سبباً في سحق كرامته وتدنيس إنسانيته وإزهاق روحه، حتى أصبح الإنسان تائها وراء أوهام السعادة باحثا عنها تحت وهج الشمس وضياء القمر .. فما السعادة إذاً؟إنها الصفاء القلبي، والجمال الروحاني، والنقاء الوجداني، السعادة هي تلك الهبة الربانية، والمنحة الإلهية التي يهبها الله لمن يشاء من عباده جزاء أعمالهم الجليلة التي قاموا بها، السعادة تلك الكلمة التي تبعث الراحة النفسية وتتحقق الرضا والطمأنينة وتقوم السلوك وتزكي النفوس الأبية.
حقيقة السعادة:
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله سبحانه حوائجه كلها ، وحمل عنه كل ما أهمّه ، وفرّغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته ، وحقيقتها ومدارها في طاعة الله والاعتصام بدينه ،والرجوع إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الطريق إلى السعادة:
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : ( أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرّا ، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش ) [ رواه الإمام أحمد 5/159 ] .
مقومات السعادة:
ذكر الإمام بن القيم - رحمه الله تعالى - أن لسعادة العبد ثلاثة مقومات : " إذا أُنعم عليه شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا أذنب استغفر .. " .
ثلاثة من السعادة:
قال سفيان الثوري رحمه الله : " ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث : أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيرا إن رآني زائغا قومني أو مستقيما رغبني ، ورزق واسع حلال ليست لله عليّ فيه تبعة ولا لمخلوق عليّ فيه منه ، وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأرزق أجرها " .
أسباب السعادة:
1- العمل الصالح .. { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة }
.2- الزوجة التقية ، وفي الحديث : ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة .. ) .
3- المسكن الفسيح ، وفي الحديث : ( اللهم وسع لي في داري )
.4- المركب الهنيء
.5- الكسب الطيب .. ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) .
6- حسن الخلق والتودد للناس .. " واجعلني مباركا أينما كنت " .
فوائد السعادة:
1- تمنح الإنسان قبولاً ذاتياً وراحة نفسية
.2- تساعد الإنسان على أهدافه السامية بدلاً من انشغاله بالتوافه
.3- تعطي الإنسان فرصة بأن يكون مبدعاً مخترعاً
.4- ترسم البسمة على الوجه وتدخل السرور على القلب
.5- تربي الأولاد على الحياة الإيجابية وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
.6- الإقبال على الله والإنابة إليه وامتلاء القلب من محبته
.7- تضفي على المجتمع الفرحة والطمأنينة وراحة البال .
طريقك إلى السعادة:
1- الإيمان بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً
.2- معرفة أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك .
3- تحقيق الأهداف الإيجابية سبيل إلى السعادة
4- اطلب السعادة من نفسك لا من حولك
5- اعرف قدر نعم الله عليك التي تستمتع بها في كل وقت وحين
6 - تأمل جمال الطبيعة ولا تنزعج بالأكدار
7 - ابحث السعادة للآخرين
.8- لا تحتفظ بالذكريات التعيسة والأيام الأليمة
.9- افحص ماضيك وحاضرك واستفد من تجارب الآخرين
.10- لا تتشاءم ولا تيأس وأحسن الظن بالله
.11- طور أهدافك وتخلص من القلق النفسي
.12- كن كالغيث أينما هلّ نفع
13- لا تنزعج بالأحلام المنامية وعش حاضرك
.14- الصلاة من أعظم أسباب تزكية النفس وتقوية الإيمان وبلوغ طريق السعادة
وأخيراً ..من اتقى ربه ، وجاهد في الله حق جهاده ، وزكى نفسه بطاعة مولاه ، عاش في كنف السعداء ، وتلذذ بطعم الحياة وإن لم يجد ماء ولا كساء .. وصدق القائل :ولست أرى السعادة جمع مال **** ولكن التقي هو السعيدولا تنسوني من دعواتكم