عتبر الزواج لدى المجتمع الصحراوي التقليدي ، شأن اجتماعي ترفقه مجموعة من الطقوس والعادات الشعبية التي تجعل منه مناسبة احتفالية محكومة بالعديد من الشروط الثقافية والأنتربولوجية بعضها مستمد من الدين الإسلامي الحنيف والبعض الآخر متصل بالعادات والأعراف.
فعندما تكتمل أنوثة الفتاة ويبلغ الفتى سن الصيام يصبحان محور انشغال العائلة ، مما يدفع كل من الأب والأم إلى البحث عن الزوجة أو الزوج المناسبين وقد يتم زواج الفتاة في سن مبكرة جدا لدى أهل البدو الصحراويين ، إذ تحدد كخطيبة وهي لازالت صبية صغيرة (تيشيرت) يوضع أمارة بيدها(رشمة.خيط من الصوف ) أو فشة (تسمى فشيشة لقران)، وهي حلية تصنع من الخرز و تثبت في شعر الفتاة حيث توصف بكونها معكُّود فيها خيط أو معكُّودة في رقبة فلان.
تبدأ الخطوبة التي تسبق الزواج (وهي رغبة الاقتران و المظاهرة) حين تذهب أم الفتى إلى الفتاة (طالبة منهم المنت) للحصول على موافقتهم على الزواج.وبعد أن يتأتي لها ذالك ، تعيد الزيارة في ظروف رسمية رفقة المقربين من أسرتها حاملين معهم ذبيحة وأكياس من السكر وبعض الأثواب والعطور ... لتتم الخطوبة في مناخ اجتماعي معترف به ، وهو ما يعبر عنه بالحسانية (الواجب) بعد ذلك يتم الاتفاق على الزواج.
حين يحل هذا الموعد الذي تسبقه استعدادات مادية و معنوية كثيرة يأتي الفتى بمهر (صداق) العروس المكون حسب العادات الصحراوية القديمة من الإبل الأثواب و الحلي و أكياس السكر و البخور و العطور . وحين حضور أهل العريس إلى أهل العروس على الجمال في موكب جماعي حماسي تسوده الزغاريد والأهازيج الشعبية المتعالية تسمى (الدفوع) يرفع أهل العروس ثوبا ابيض تعبيرا عن الفرحة والسعادة ، وهو طقس احتفالي ينتج عنه ( تقاليع البند) الذي يعني تجاذب شريط الثوب الأبيض بين مجموعتين، إحداهما تمثل أهل العريس و الأخرى تمثل أهل العروس للتعبير عن الغلبة ولانتصار الرمزيين.
بعد ذلك يتم العقد و القران وفق مذهب الإمام مالك من طرف زاوي منتمي إلى إحدى الزوايا أو طالب "فقيه" ويحضره نائب العريس و وصي العروس أب أخ عم.... وبعد قراءة الفاتحة يقول الفقيه أشهدوا أيها الشهود أني " زوجت فلانة بنت فلان لفلان ابن فلان" وتطلق بعد ذلك ثلاث طلقات" حس التعمار" وتنطلق زغاريد النساء وتردد الأناشيد... عقب هذا تبنى خيمة الزفاف" خيمة الركـّّ" بعيدا نسبيا عن لفريكـّّ لتمتلئ بالضيوف و المدعوين بعد تأثيثها وتجهيزها وبداخل هذه الخيمة ، ينطلق حفل غنائي شعبي ينشطه مغنون يسمون" ايكّّاون" بإنشادهم لمجموعة من الأغاني الصحراوية الصاخبة والحماسية كأشوار وغيرها ...خلال هذا وغيره من المسامرات الموسيقية الأخرى .يتقاضى "ايكّاون" مبالغ مالية يتم جمعها عن طريق لعلاكّة فضلا عن الحوصة وهي قدر مالي يؤديه العريس فدية لفك حلية من حلي العروس المحتجزة كتعبير رمزي عن حبه وتعلقه بها .وتتولى أخذ الحوصة معلمة لتشرع في الرقص بالنقود مرددة أراهِ لعروس أ نطلست أي فكت من القيد . وقد تتجاوز هذه العملية العروس لتشمل فتيات أخريات تعلم المعلمة أن لهن بالمحفل من يحبهن أو يتعلق بهن وعند ما يقع الاختيار على إحداهن، تجرد من إحدى حليها ليتم الإشهار بها علنية هذه حوصة أفلانة منت افلان و بعد أن تفك يتم ترديد"ٌشايلَ رأس أنعام"ً بعد ذلك بساعات يحضر العريس وهو في كامل حلته محاطا بأفراد أسرته في موكب موسوم بالكثير من العناية لأنه صار" سلطانا " ويدعى" مولاي " ليدخل الجميع الخيمة وسط الكثير من التصفيقات والزغاريد المتعالية والأهازيج الشعبية التي يراد منها طرد الأرواح الشريرة الخفية . وبذلك ينصح العريس بوضع موس في يده أو في جيبه لان أهل الجن والشياطين لا يحبون مادة الحديد .
ويلزم العريس قبل دخول الخيمة الطواف بها ثلاث مرات اعتقادا في ذلك بداية حياة زوجية سعيدة بخلاف العروس التي لا تحضر"ً أو بالأحرى التي لا يتم إحضارها"ً سوى بعد انتهاء الحفل خلال ساعات متأخرة من الليل بعد تزيينها وظفر شعرها وخياطة لباسها المعروف بالبيصة وهو ثوب أبيض وآخر أسود يفترض ألا تخيطه امرأة مطلقة أو أرملة أو ذات ضرة خوفا من أن يكون مصير العروس مثلها حينذاك يأمر العريس رفيقه لوزير بإحضار العروس وقد يواجه وهو في طريقه بمقاومة شديدة من طرف صديقاتها إذ تجري الطقوس بالصحراء ألا تبدي العروس أي قبول بسهولة وبعد أن ينجح لوزير في أداء مهمته تجلس العروس بجانب عريسها دون أن تكشف عن وجهها حيث يشرع العريس في تكليمها ومحادثتها وهو ما يعبر عنه بالحسانية ب" فك لسان لعريس"ً بعد أن ظل قبل ذلك محكوا عليه بالصمت تفاديا لأي عمل سحري قد يقع .
وخلال الليلة الثانية المسماة بليلة الدخلة أو الدخول يبدأ الترواح حسب تقاليد أهل الصحراء بترديد كلمات وعبارات يراد منها الدعاء الصالح للعريسين و التفاؤل بنجاح حياتهما الزوجية و من هذه الكلمات "ألاهي نشا الله هي اللي دور الا لولاد" أثناء هذه الليلة يتم تجهيز العروس تجهيزا كاملا زينة وحناء وإعدادها نفسيا من طرف صديقاتها خصوصا اللواتي منهن من قد مررن بتربة الزواج. وقبل أن يتم حملها مجددا إلى خيمة الركـّ تشرع النساء المرافقات لها في ترديد (عشا لعروس)
يالعروس تعشاي سابك ماج لعريس
كومي ذرك تمشاي والصبح ايجيك دريس
تتوالى الأجواء الاحتفالية وتستمر خلال الزفاف التقليدي الصحراوي سبعة أيام كاملة بالنسبة للبكر وثلاثة أيام بالنسبة للثيب(الهجالة) أي التي سبق لها الزواج ولا تتعدى يوما واحدا بالنسبة لعريس وعروس سبق لهما الزواج تسمى الليلة الثانية والخامسة بليالي الترواغ وفيهما يتم إخفاء العروس من طرف صديقاتها في مكان سري الأمر الذي يلزم العريس بمعية أصدقائه البحث عنها والعثور عليها مهما كلف الأمر ويأتي الغرض من ذلك إثارة الحماس والشعور بالغيرة لدى العريس واختبار درجة حبه وتعلقه بعروسه ولتوهيم العريس ومعاونيه تلجأ إحدى صديقات العروس إلى ارتداء أزياء شبيهة بلباسها وتختبئ في مكان قريب حيث يعثر عليها بسهولة ليتم حملها خطأ إلى العريس الذي يفاجأ بمجرد الكشف عن وجهها (وهو مايسمى المرط أو الخدعة ) حينها ينقلب المشهد إلى مسرح من الضحك ويستمر البحث عن العروس .
أما الليلة الأخيرة فتسمى أحشلاف أي الإنتهاء و البعض الآخر يسميها ليلة الجدة أو الجدات في هذه الليلة يبيت العريسان في مكان واحد ومن اجل وداع العروس تنشد صديقاتها ما يأتي:
يا ما باتي باتي ألا باتي على خير
كنت وحدة منا وكبظت منا أمنير
كلت تمشي عنا يجعلك فيها خير
عقب هذه الأغاني يذهب الجميع حيث يقيم العريس و العروس محملة فوق ثوب عريض وهي تحاول الرفض ( رمزيا) وأثناء الوصول تنشد الأغاني التالية :
لا تجونا ما جبتوها يامات الوايا سود
راشكات البند اوراها ساريات والناس اركود
ففي هذه الليلة يتم تقديم هدية للعروس تسمى "آمروكـّ " بعدها ترسل أم العروس لأهل العريس هدية خاصة قد تكون من نصف الأمتعة التي أحضر العريس لأهل العروس خلال الدفوع مع بعض الإضافات والتغييرات وهذه الهدية تسمى ( الفسخة) عقب هذا اليوم الموسوم بتبادل الهدايا يتم التفكير في رحيل العروس إلى بيت الزوجية ، وهو ما يتطلب إعداد وتدبيرا من نوع خاص قد يستغرق وقتا طويلا....
لاشك أنه بتطور المجتمع وتحضره تتغير عاداته وتقاليده وقد يكون لهذا التغيير نتائج إما سلبية أو ايجابية لكن تأقلم المجتمع مع هذا التغير يجعله لا يفكر في مدى تأثير هذه السلبيات فمن هذه النتائج نذكر تحول أيام حفل الزفاف من سبعة أيام إلى يوم واحد وتحول مدة الاستعداد للرحيل من مدة قد تتجاوز سنة إلى مدة قد لا تتجاوز 3 ايام وكذلك انتقال طريقة العقد من الحالة التي كان فيها أنه يتم العقد بحضور الجماعة والوصي عن كل واحد من أطرف العقد والعادل إلى الحالة التي أصبح فيها لا سبيل لوجود الوصي أو الأب ولا حتى الجماعة بل يكتفيان أطراف العقد بوجودهما فقط أمام القاضي مع تراضيهما ... وقد يكون هذا التغيير سبب في تسهيل مأمورية الزواج تطورها حسب تطور المجتمع في نفس الوقت هو اندثار العادات والتقاليد.