على بن أبى طالب رضى الله عنه
(23 ق.هـ ـ40هـ/600ـ 661م)
أبو الحسن، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وصهره على ابنته فاطمة، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. أمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم.
ولد قبل البعثة بعشر سنين، على الصحيح. تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير العيال، فخفف عنه أخوه العباس فأخذ جعفراً، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً، فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيّاً واتبعه علي.
أسلم علي وهو في العاشرة من عمره فكان بذلك ثاني من أسلم مطلقاً، وأول من أسلم من الصبية على الراجح، وكان أكبر عون للنبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الدعوة المكية رغم صغر سنه، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين جهر بمناصرته أمام أعمامه وأقربائه من بني هاشم: «أنت ولي في الدنيا والآخرة»، وحين عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة المنورة أمر عليّاً أن ينام في فراشه قائلاً له: «لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ثم أقام ثلاثة أيام يؤدي ودائع للناس كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج مهاجراً فأدرك رسول الله بقباء وقد تفطرت قدماه، فتفل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح، فلم يشتكهما حتى قُتل.
في السنة الثانية من الهجرة زوَّجَه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، ولم يتزوج عليٌّ غيرها حتى توفيت.
شهد عليٌّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها سوى، غزوة تبوك فإنه خلَّفه على أهله ـ كما روى البخاري في صحيحه ـ قائلاً له: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»، كان صاحب اللواء في أكثر المشاهد، فقد عُرف بالشجاعة والفروسية والإقدام في الحروب. قال له النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن والياً وقاضياًً بعد أن دعا له بأن يثبت الله لسانه ويهدي قلبه، فأسلمت هَمْدان جميعاً على يديه.
لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فكان يخرج معه إلى الصلاة متكئاً عليه وعلى العباس رضي الله عنهما، إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم.
وكان علي ممن أسرع إلى مبايعة أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم عنه في أول يوم، ثم جدد مبايعته له على ملأ من الناس بعد ستة أشهر، وذلك بعد وفاة فاطمة، رضي الله عنها.
كما كان متعاوناً مع أبي بكر في خلافته ناصحاً له، فقد منع أبا بكر من التوجه بنفسه إلى محاربة المرتدين قائلاً له: «لُمَّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبداً» فرجع أبو بكر، واحتضن عليّ محمدَ ابن أبي بكر بعد وفاة أبيه، وكان له من العمر ثلاث سنوات، فتربى في حجره. كما سمّى عليٌّ أحد أولاده من زوجته ليلى بنت مسعود التميمية بأبي بكر.
وفي خلافة عمر بن الخطاب كان عليٌّ أحد وزرائه وأهل مشورته، كما كان موضع ثقته، فقد جعله عمر على أمور الخلافة حين توجه إلى بيت المقدس، وكان عليٌّ هو الذي أشار على عمر بخروجه إلى بيت المقدس سنة 16هـ؛ ليكتب صك الصلح بيده ويستلم مفاتيح المدينة، في حين نصحه بعدم الخروج إلى نهاوند خوفاً عليه وعلى أمر المسلمين من بعده، وقد عمل عمر بمشورته في الأمرين. كما عمل بمشورته في التأريخ بالهجرة من دون ما سواها من الأحداث.
كان عمر رضي الله عنه عنه يثق بقضائه وفُتْياه في الأمور المعضلة وكان يقول: «لولا علي لهلك عمر».
زوّج عليٌّ عمرَ ابنتَه، من فاطمة، أمَّ كلثوم. كما سمّى أحد أولاده، من أم حبيبة بنت زمعة التغلبية، بعمر، وقد عمّر خمساً وثلاثين سنة.
كان عليٌّ أحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر أمر الخلافة إليهم. ولما توفي عمر حزن عليٌّ لموته حزناً شديداً قائلاً: «موت عمر ثلمة في الإسلام لا تُرتق إلى يوم القيامة».
وكان عليٌّ من أوائل الذين بايعوا عثمان رضي الله عنه، وكان خير ناصح ومدافع عنه طول مدة خلافته، وخاصة في أحداث الفتنة، فعندما جاء أهل مصر إلى المدينة ثائرين على عثمان، خرج عليٌّ إليهم قبل دخولهم إلى المدينة، وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم بعد أن أنَّبَهم وأوضح لهم صدق عثمان ومكانته.
وفي أثناء الحصار استأذن عليٌ عثمانَ رضي الله عنهما في القتال والدفاع عنه، فأبى عثمان وأنشده الله وغيره من الصحابة ألا يفعلوا. ولما اشتدت على عثمان الحال ونفد ما عنده من ماء، ركب عليٌ بنفسه وحمل معه قِرَباً من الماء، وبذل جهداً حتى أوصلها إليه بعدما ناله من المحاصِرين كلام غليظ. وقد عرض عليه الناس أن يصلي بهم في أثناء حصار عثمان فأبى، وكان يصلي وحده.
سمّى أحد أولاده، من أم البنين بنت حرام، بعثمان، وقد استشهد بكربلاء مع أخيه الحسين.
خلافته والصعوبات التي واجهته
بويع لعلي بالخلافة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام سنة 35هـ، ولم يكن أحد أحق منه بالخلافة وولاية المسلمين يومئذ، إلا أنه ما لبث أن جُوبِه بجماعة من الصحابة يطالبون بدم عثمان والاقتصاص من قتلته مباشرة من دون حاجة لدعوى أو بينة، وكان رأي الخليفة علي أن يدخل الجميع في طاعة الإمام ويستتب الأمر، ثم يقوم وَلِيُّ دمِّ عثمان فيَدَّعي به عنده، ثم يعمل ما يوجبه حكم الشريعة. فكانت وقعة الجمل سنة 36هـ قرب البصرة، وكان الخليفة علي قد اصطلح مع مخالفيه على الرجوع وعدم خوض القتال، إلا أن أناساً من السبئية مالوا إلى التحريض وإثارة القلاقل بين الفريقين، فظن كلٌّ منهما أن صاحبه قد نقض العهد فوقع القتال وكان الظفر لعلي وأصحابه.
كما أبى أهل الشام بقيادة معاوية ـ وكان أميرهم زمن عمر وعثمان ـ الدخول تحت طاعة علي مطالبين بدم عثمان، فلما فرغ عليٌّ من الجمل سار إلى الشام فالتقى الفريقان في صِفِّين قُرب الرقة على شاطئ الفرات سنة 37هـ، ووقع قتال شديد استُشهد على أثره عمار بن ياسر، فبان أن الصواب كان مع الخليفة عليّ، وذلك لقول رسول صلى الله عليه وسلم ـ كما روى مسلم ـ: «تقتل عماراً الفئة الباغية» واتفق على ذلك أهل السنة جميعاً.
ولما قَبِل عليٌّ وقف القتال واللجوء إلى التحكيم، خرج عليه أناس من جنده لُقِّبوا بالخوارج، كفّروا عليّاً ومَن قَبِل بالتحكيم من الصحابة، وقطعوا الطرق وقتلوا وسَبوا، فقاتلهم وهزمهم شر هزيمة في النهروان سنة 38هـ.
تنغصت الأمور على الخليفة عليّ سنة 39هـ واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق وأبوا الخروج معه إلى قتال أهل الشام، وكان هو كما ذكر المؤرخون خير أهل الأرض في ذلك الزمان وأعبدهم وأزهدهم وأعلمهم وأخشاهم لله، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت.
وفي ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان سنة 40هـ قتل عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي الخليفة علي بن أبي طالب، بسيفه الذي كان قد سمه شهراً فاستشهد عن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وصلى عليه ابنه الحسن.
له العديد من الأولاد أشهرهم: الحسن والحسين، وزينب الكبرى وأمّ كلثوم، وهم أولاد فاطمة رضي الله عنها. ومن غير فاطمة: العباس وجعفر وعبد الله وعثمان وعبيد الله وأبو بكر، وقد قُتلوا مع أخيهم الحسين في كربلاء، ويحيى ومحمد الأكبر، وهو المعروف بابن الحنفية، ومحمد الأوسط، ومحمد الأصغر، وعمر، ورقية، وأم الحسن. ورملة الكبرى.
وقد قيل إن جميع ولد علي كرم الله وجهه أربعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى، وأن النسل كان من خمسة: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية، رضي الله عنهم جميعاً.
كان علي بن أبي طالب حكيماً فصيحاً، تتدفق البلاغة على لسانه، لم يُعرف بين الصحابة أحدٌ بمثل بلاغته وفصاحته، اشتهر عنه العديد من الحِكَم والأقوال والخُطَب وبعض الشِّعر، واختُلق عليه كثير منها، جُمع له كتاب فيها، اختُلف في صحة نسبة كثير منها إليه، كما تميز عليٌّ رضي الله عنه بالفقه والعمق في الرأي، حتى عُدَّ مؤسس مدرسة الفقه في العراق هو وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما.
وكان لعلي رضي الله عنه السبق في علم النحو العربي، وذلك أن أبا الأسود الدؤلي لما شكا إليه شيوع اللحن على الألسنة، أملى عليه عليّ رضي الله عنه أصولاً في اللغة، ثم قال له: «انحُ هذا النحو يا أبا الأسود» فعُرف هذا العلم باسم النحو من يومها، شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالتقدم في القضاء فقال: «أقضاكم علي».
وكان علي يقول: «سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل».
وقد اشتهر المَثَل السائر: «قضية ولا أبا حسن لها».
(23 ق.هـ ـ40هـ/600ـ 661م)
أبو الحسن، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وصهره على ابنته فاطمة، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. أمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم.
ولد قبل البعثة بعشر سنين، على الصحيح. تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير العيال، فخفف عنه أخوه العباس فأخذ جعفراً، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً، فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيّاً واتبعه علي.
أسلم علي وهو في العاشرة من عمره فكان بذلك ثاني من أسلم مطلقاً، وأول من أسلم من الصبية على الراجح، وكان أكبر عون للنبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الدعوة المكية رغم صغر سنه، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين جهر بمناصرته أمام أعمامه وأقربائه من بني هاشم: «أنت ولي في الدنيا والآخرة»، وحين عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة المنورة أمر عليّاً أن ينام في فراشه قائلاً له: «لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ثم أقام ثلاثة أيام يؤدي ودائع للناس كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج مهاجراً فأدرك رسول الله بقباء وقد تفطرت قدماه، فتفل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح، فلم يشتكهما حتى قُتل.
في السنة الثانية من الهجرة زوَّجَه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، ولم يتزوج عليٌّ غيرها حتى توفيت.
شهد عليٌّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها سوى، غزوة تبوك فإنه خلَّفه على أهله ـ كما روى البخاري في صحيحه ـ قائلاً له: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»، كان صاحب اللواء في أكثر المشاهد، فقد عُرف بالشجاعة والفروسية والإقدام في الحروب. قال له النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن والياً وقاضياًً بعد أن دعا له بأن يثبت الله لسانه ويهدي قلبه، فأسلمت هَمْدان جميعاً على يديه.
لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، فكان يخرج معه إلى الصلاة متكئاً عليه وعلى العباس رضي الله عنهما، إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم.
وكان علي ممن أسرع إلى مبايعة أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم عنه في أول يوم، ثم جدد مبايعته له على ملأ من الناس بعد ستة أشهر، وذلك بعد وفاة فاطمة، رضي الله عنها.
كما كان متعاوناً مع أبي بكر في خلافته ناصحاً له، فقد منع أبا بكر من التوجه بنفسه إلى محاربة المرتدين قائلاً له: «لُمَّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبداً» فرجع أبو بكر، واحتضن عليّ محمدَ ابن أبي بكر بعد وفاة أبيه، وكان له من العمر ثلاث سنوات، فتربى في حجره. كما سمّى عليٌّ أحد أولاده من زوجته ليلى بنت مسعود التميمية بأبي بكر.
وفي خلافة عمر بن الخطاب كان عليٌّ أحد وزرائه وأهل مشورته، كما كان موضع ثقته، فقد جعله عمر على أمور الخلافة حين توجه إلى بيت المقدس، وكان عليٌّ هو الذي أشار على عمر بخروجه إلى بيت المقدس سنة 16هـ؛ ليكتب صك الصلح بيده ويستلم مفاتيح المدينة، في حين نصحه بعدم الخروج إلى نهاوند خوفاً عليه وعلى أمر المسلمين من بعده، وقد عمل عمر بمشورته في الأمرين. كما عمل بمشورته في التأريخ بالهجرة من دون ما سواها من الأحداث.
كان عمر رضي الله عنه عنه يثق بقضائه وفُتْياه في الأمور المعضلة وكان يقول: «لولا علي لهلك عمر».
زوّج عليٌّ عمرَ ابنتَه، من فاطمة، أمَّ كلثوم. كما سمّى أحد أولاده، من أم حبيبة بنت زمعة التغلبية، بعمر، وقد عمّر خمساً وثلاثين سنة.
كان عليٌّ أحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر أمر الخلافة إليهم. ولما توفي عمر حزن عليٌّ لموته حزناً شديداً قائلاً: «موت عمر ثلمة في الإسلام لا تُرتق إلى يوم القيامة».
وكان عليٌّ من أوائل الذين بايعوا عثمان رضي الله عنه، وكان خير ناصح ومدافع عنه طول مدة خلافته، وخاصة في أحداث الفتنة، فعندما جاء أهل مصر إلى المدينة ثائرين على عثمان، خرج عليٌّ إليهم قبل دخولهم إلى المدينة، وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم بعد أن أنَّبَهم وأوضح لهم صدق عثمان ومكانته.
وفي أثناء الحصار استأذن عليٌ عثمانَ رضي الله عنهما في القتال والدفاع عنه، فأبى عثمان وأنشده الله وغيره من الصحابة ألا يفعلوا. ولما اشتدت على عثمان الحال ونفد ما عنده من ماء، ركب عليٌ بنفسه وحمل معه قِرَباً من الماء، وبذل جهداً حتى أوصلها إليه بعدما ناله من المحاصِرين كلام غليظ. وقد عرض عليه الناس أن يصلي بهم في أثناء حصار عثمان فأبى، وكان يصلي وحده.
سمّى أحد أولاده، من أم البنين بنت حرام، بعثمان، وقد استشهد بكربلاء مع أخيه الحسين.
خلافته والصعوبات التي واجهته
بويع لعلي بالخلافة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام سنة 35هـ، ولم يكن أحد أحق منه بالخلافة وولاية المسلمين يومئذ، إلا أنه ما لبث أن جُوبِه بجماعة من الصحابة يطالبون بدم عثمان والاقتصاص من قتلته مباشرة من دون حاجة لدعوى أو بينة، وكان رأي الخليفة علي أن يدخل الجميع في طاعة الإمام ويستتب الأمر، ثم يقوم وَلِيُّ دمِّ عثمان فيَدَّعي به عنده، ثم يعمل ما يوجبه حكم الشريعة. فكانت وقعة الجمل سنة 36هـ قرب البصرة، وكان الخليفة علي قد اصطلح مع مخالفيه على الرجوع وعدم خوض القتال، إلا أن أناساً من السبئية مالوا إلى التحريض وإثارة القلاقل بين الفريقين، فظن كلٌّ منهما أن صاحبه قد نقض العهد فوقع القتال وكان الظفر لعلي وأصحابه.
كما أبى أهل الشام بقيادة معاوية ـ وكان أميرهم زمن عمر وعثمان ـ الدخول تحت طاعة علي مطالبين بدم عثمان، فلما فرغ عليٌّ من الجمل سار إلى الشام فالتقى الفريقان في صِفِّين قُرب الرقة على شاطئ الفرات سنة 37هـ، ووقع قتال شديد استُشهد على أثره عمار بن ياسر، فبان أن الصواب كان مع الخليفة عليّ، وذلك لقول رسول صلى الله عليه وسلم ـ كما روى مسلم ـ: «تقتل عماراً الفئة الباغية» واتفق على ذلك أهل السنة جميعاً.
ولما قَبِل عليٌّ وقف القتال واللجوء إلى التحكيم، خرج عليه أناس من جنده لُقِّبوا بالخوارج، كفّروا عليّاً ومَن قَبِل بالتحكيم من الصحابة، وقطعوا الطرق وقتلوا وسَبوا، فقاتلهم وهزمهم شر هزيمة في النهروان سنة 38هـ.
تنغصت الأمور على الخليفة عليّ سنة 39هـ واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق وأبوا الخروج معه إلى قتال أهل الشام، وكان هو كما ذكر المؤرخون خير أهل الأرض في ذلك الزمان وأعبدهم وأزهدهم وأعلمهم وأخشاهم لله، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت.
وفي ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان سنة 40هـ قتل عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي الخليفة علي بن أبي طالب، بسيفه الذي كان قد سمه شهراً فاستشهد عن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وصلى عليه ابنه الحسن.
له العديد من الأولاد أشهرهم: الحسن والحسين، وزينب الكبرى وأمّ كلثوم، وهم أولاد فاطمة رضي الله عنها. ومن غير فاطمة: العباس وجعفر وعبد الله وعثمان وعبيد الله وأبو بكر، وقد قُتلوا مع أخيهم الحسين في كربلاء، ويحيى ومحمد الأكبر، وهو المعروف بابن الحنفية، ومحمد الأوسط، ومحمد الأصغر، وعمر، ورقية، وأم الحسن. ورملة الكبرى.
وقد قيل إن جميع ولد علي كرم الله وجهه أربعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى، وأن النسل كان من خمسة: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية، رضي الله عنهم جميعاً.
كان علي بن أبي طالب حكيماً فصيحاً، تتدفق البلاغة على لسانه، لم يُعرف بين الصحابة أحدٌ بمثل بلاغته وفصاحته، اشتهر عنه العديد من الحِكَم والأقوال والخُطَب وبعض الشِّعر، واختُلق عليه كثير منها، جُمع له كتاب فيها، اختُلف في صحة نسبة كثير منها إليه، كما تميز عليٌّ رضي الله عنه بالفقه والعمق في الرأي، حتى عُدَّ مؤسس مدرسة الفقه في العراق هو وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما.
وكان لعلي رضي الله عنه السبق في علم النحو العربي، وذلك أن أبا الأسود الدؤلي لما شكا إليه شيوع اللحن على الألسنة، أملى عليه عليّ رضي الله عنه أصولاً في اللغة، ثم قال له: «انحُ هذا النحو يا أبا الأسود» فعُرف هذا العلم باسم النحو من يومها، شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالتقدم في القضاء فقال: «أقضاكم علي».
وكان علي يقول: «سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل».
وقد اشتهر المَثَل السائر: «قضية ولا أبا حسن لها».