هذا الموضوع مرتبط بسلسلة "قطوف البستان لبيوت الإسلام"
(تابعي السلسلة بالضغط هنــــــــا)
*****
صورة البيت المسلــــــم
**********************
وفاء مشهور تكتب :
أولاً دوافع العمل على تكوين البيت المسلم .
إن درو المسلم في بيته من اوجب واجباته لإعتبارات كثيرة منها :
1- تكليف الله إياه بقوله :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة} *التحريم : من الآية 6*
وقوله :{ وأنذر عشيرتك الأقربين} * الشعراء : 214* ، وقوله :{ وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} *طـه:من الآية 132* .
2- إلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المسئولية على عاتفه ، بقوله :{كلكم راعٍ ، وكلكم مسئول عنه رعيته ، والإمام راع ومسئول عن رعيته ،
والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته" ، وقوله "خيركم خيركم لأهله" ، وقوله "وإنّ لأهلك عليك حقًا".
3- تكوين البيت المسلم خطوة مهمة في طريق اصلاح المجمتع : إذ هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجمتع المسلم المنضود .
4- تحقيق التوازن والتوازي في خطوط العلم المختلفة : فربما تعلو الأخت المسلمة المجاهدة في الدعوة وتتسع دائرة حركتها ، وكثيرًا ما يتقرن هذا للأسف بضعف تكوين بيت مسلم ، ومن ثمّ اقتضى الأمر وقفة مراجعة وتصحيح حتى يتحقق التوازن المطلوب ويتجنب خطر إهمال البيت والتقصير في حقه .
ثانيًا : خصائص البيت المسلم .
1- التنشئة على التوحيد :
فإنه يمثل الحقيقة الكبرى التي يقوم عليها الوجود كله ، ولهذا أولاه الأولون عناية فائقة فتجعل السنة المطهرة كلماته أول ما يطرق مسامع الوافد الجديد بالآذان في الأذن اليمنى والإقامة في اليسرى ، ونجد الصحابة حريصين على تعليم أبنائهم النطق بالشهادتين ، وهكذا كانت أم سليم بابنها أنس بن مالك حتى ضجّ أبوه المشرك ، وقال :"لا تفسدي عليّ ولدي" ثم هجرها إلى الشام حين وجد إصرارها حرصها .
2- الإعتناء بالطاعات والعبادات (الحرص على الطاعات والعبادات) :
حيث كانت الصالحات يحرصن على اصطحاب صغارهن شهود صلاة الجماعة وربما يسمع صوت بكاء الطفل فيخفف الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة شفقة عليه ولعى امه ، وقد كان الصحابة يصومون أبناءهم ويحملونهم إلى المستجد بعيدًا عن البيوت ويلهونهم بلعب العهن عن الجوع والعطش حتى ينقضى يوم الصيام .
3- تمكن قيم الأمانة ومراقبة الله والصدق :
وقد كان هذا واضحًا جليًا في سلوك الأطفال وموافقهم .
وقد رأيناه في موفق الإبنة التي رفضت غش اللبن قائلة كلمة المرتقبة :"إذا كان عمر لا يرانا، فربّ عمر يرانا"
، فلا عجب إذن ان يخرج من نسلها حفيدها الصالح عمر بن عبد العزيز .
ورأيناه أيضًا في موفق الأم التي كانت تنادي ابنها وقد أطبقت يدها ،قائلة تعال أعط .. فيراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأل :"ماذا أردتِ تعطيه ؟" ، فتنفرج عن تمرة فيقول صلى الله عليه وسلم :"لو لم أجد هذه لكُتِبت كذبة" .
4- سمو الإهتمامات :
حيث كان القول المأثور للزوجة الصالحة وهي تؤدع زوجها أول النهار :
"اتق الله ولا تعطعمنا إلا حلال فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار" ، ثم تبادره عند استقبالها إياه آخر النهار بقولها " ماذا نزل اليوم من الحق؟" ..
يا الله أين واقع الناس الآن من هذه الآفاق المشرقة ؟
5- الحرص على المشاركة في كل متطلبات الدعوة والإعتزاز بذلك :
فهذه أم سليم لا تجد ما تنفقه في سبيل الله ، ولكنها مع ذلك تشبع رغبتها في البذل بوهبها ابنها أنسًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وهذه أخرى تذهب بغلامها إلى ساحة القتال وتعطيه سيفًا فلا يقدر على حمله ، فتربطه إلى ساعده وتُقدمهُ أمام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم تقف ترقبه غير بعيد فتاتيه إصابة ينفجر على أثرها دمه .
وهذه نسيبة بنت كعب الأنصارية تخرج إلى احد مع زوجها وابنها وتثبت إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انكشفت الأبطال وأثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الموقف الفذّ بقوله :" ما اتفتُ يمنة ولا يسرة إلا وجدتها تقاتل دوني"
ويقول لإبنها :"لمقام امك اليوم خير من مقام فلان وفلان ، ومقام ربيبك (زوج أمك) خير من مقام فلان وفلان" .. رحمكم الله اهل بيت ..
6- مراعاة هدي الرسول في كل شئون الحياة المنزلية :
ومن ذلك الطعام والشراب والنوم والدخول والخروج والتحبة واللغة والأثاث وغيرها ..
وللإسلام أدبه في كل أمر من هذه الأمور .. على الوزجين أن يتعاونا على معرفته والتزامه حتى تكون بيوتنا نماذج يحتذى بها ومشاعل يستضاء بنورها .
7- مراعاة قيم الجمال والنظافة والنظام :
فإنها سمة ظاهرة في البيوت المسلمة بحق تتميز عن غيرها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :"إن الله طيب يحب الطيب جميل يحب الجمال نظيف يحب النظافة جواد يحب الجود فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود" .
8- تحصين البيت ضد التلوث الخلقى :
فيجب على الزوجين أن يكونا على يقظة تامة وفي حالة التأهب القصوى لسد المنافذ أمام الجراثيم العلل الخلقية والإجتماعية ، والإعلامية ..
وذلك بمقتضيات المسئولية التي جملنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ، وكذلك لصد غارات التخريب والإفساد التي يشنها الأعداء في الداخل والخارج .
9- إعادة المقامات وحفظ الحقوق :
فالزوجان يحكم علاقتهما التوجيه الرباني الكريم { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }*الروم: 21*
والأبوين يحفظ حقهما ، مثل قوله سبحانه :{وبالوالدين احساناً}*النساء: من الآية 36*
والأخوة تقوم الصلة بينهم على أساس قوله صلى الله عليه وسلم :"ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا "
والقربات والأرحام : ترد الوصية بهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم :" بر أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك وأدناك" وقوله:"الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصلتهومن قطعها قطعته".
10- الإقتصاد في المعيشة :
والتوسط في النفقة بلا تقتير ولا تبذير عملاً بقوله :{ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} * الإسراء : 29* .
وهذه ميمونة رضي الله عنها ترى حبة رمان ملقاة على الأرض فلتقطها وتقول ( والله لا يحب الفساد) ، وما أحوج الأمة إلى هذه المعاني خصوصًا في هذه الأوقات العصيبة .
11- مراعاة حقوق الجيران ومن ذلك :
i. دعوتهم إلى الخير والصلاح : امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليعلمن قومٌ جيرانهم وليعظنهم ، وليأمرنهم ، ولينهوهم ، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون ، أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا".
ii. البر والإحسان : وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" .
iii. مراعاة المشاعر : باتباع الآداب السامية الرائعة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم :"ولا تستطل عليه بالبناء لتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه بقتار مدرك إلا تغترف له منه".
12- الكرم والشهامة والنجدة :
وقد كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبل بعثته وقد أخبرت السيدة خيدجة عنه بقولها :" والله لن يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق"
وقد جعل الرسول صلى الله يعله وسلم الكرم عنونًا على الإيمان :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"..
وهكذا يكون البيت المسلم كريمًا مضيافًا مسارعًا في النوازل والملمات بالنجدة والمواساة فيقدم بذلك الصورة المشرقة لهذا الدين ،
ويجب القلوب فيه ويكسبها لصفه .