السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
السؤال: إذا كان الناس سيموتون جميعهم ثم يحييهم الله جميعا يوم القيامة , فلماذا أمات الله بني إسرائيل بالصاعقة ثم أحياهم مرة أخرى ؟
الجواب:
الحمد لله
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم قصة صعق بني إسرائيل ، ثم بعثهم بعد الموت ، في موضعين اثنين ، وقد جاءا في سياق الحديث عن بني إسرائيل وما أنعم الله به عليهم ، وذكر حالهم وما قابلوا تلك النعم بالكفر والجحود والنسيان .
يقول الله تعالى :
( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة/55-56.
ويقول سبحانه :
( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ) النساء/153.
فقد كانت الصاعقة عقوبة لهم على جرأتهم على الله ، وإصرارهم على التعنت في السؤال ، والتكلف في تحقيق أسباب الإيمان ، ومكابرتهم رغم كل الآيات والبراهين التي أراهم الله عز وجل ، ومع ذلك سألوا الله أن يروه جهرة في الدنيا ، وعلقوا إيمانهم بهذه الآية ، وقد تعالى جل وعلا عن أن تراه العيون الضعيفة الكليلة في الدنيا ، وإنما تراه في الجنة ، فعاقبهم بالموت بالصاعقة التي أخذتهم أخذا شديدا ، ولكنه سبحانه لحلمه وعفوه وصفحه وتجاوزه عن عباده بعثهم بعد الموت إلى الدنيا ، ليعلموا عظيم نعمة الله عليهم ، ويشكروه سبحانه على إمهاله لهم ، ومنحهم الفرصة مرة أخرى للتوبة والأوبة ، فكانت الصاعقة عقوبة لهم ، وكان البعث بعد الموت آية ومنحة منه سبحانه ليعتبروا ويذكروا بها ، ثم يشكروا نعمة الله تعالى عليهم حق شكره ، ولذلك ختم الآية في سورة البقرة بقوله : ( لعلكم تشكرون )
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" اذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانًا ، مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم ، كما قال ابن جريج .
قال ابن عباس في هذه الآية : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً )، قال : علانية " انتهى باختصار.
" تفسير القرآن العظيم " (1/264)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قوله تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى ) أي : واذكروا أيضاً يا بني إسرائيل إذ قلتم...؛ والخطاب لمن كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن إنعامه على أول الأمة إنعام على آخرها ؛ فصح توجيه الخطاب إلى المتأخرين مع أن هذه النعمة على من سبقهم . قوله تعالى : ( لن نؤمن لك ) أي : لن ننقاد ، ولن نصدق ، ولن نعترف لك بما جئت به .
قوله تعالى : ( فأخذتكم الصاعقة ) يعني الموت الذي صعقوا به .
وقوله تعالى : ( بعثناكم من بعد موتكم ) : هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة ، ثم بعثهم ليرتدعوا ؛ ويكون كفارة لهم ؛ ولهذا قال تعالى : ( لعلكم تشكرون ) أي : تشكرون الله سبحانه وتعالى ؛ و " لعل " هنا للتعليل " انتهى باختصار.
" تفسير سورة البقرة " (1/191)
يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" وكان ذلك إرهابا لهم وزجرا ، ولذلك قال : ( بظلمهم ) ، والظلم هو المحكي في سورة البقرة من امتناعهم من تصديق موسى إلى أن يروا الله جهرة ، وليس الظلم لمجرد طلب الرؤية ؛ لأن موسى قد سأل مثل سؤالهم مرة أخرى : حكاه الله عنه بقوله : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) الآية " انتهى.
" التحرير والتنوير " (4/301)
والله أعلم .