الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسول الله الهادي الامين محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.اما بعد:
فان للمسلم على اخيه المسلم حقوق منها:
الحقُّ الأولُ: قضاءُ الحاجاتِ والقيامُ بها عندَ القدرةِ لكنْ معَ البشاشةِ والاستبشارِ، وقدْ كانَ بعضُ السلَفِ يتفقَّدُ عيالَ أخيهِ بعدَ موتِهِ أربعينَ سنةً فيقْضِي حوائجَهمْ.
الحقُّ الثاني: أنْ يَسْكُتَ عنْ ذِكْرِ عيوبِهِ في حضورِهِ وغيبتِهِ وعنِ السؤالِ عمّا يكرهُ ظهورَهُ مِنْ أحوالِهِ ولا يسألهُ إذا لَقِيَهُ إلى أينَ؟ فربّما لا يريدُ إعلامَهُ بذلكَ وأنْ يَكْتُمَ سِرَّهُ ولو بعدَ الفضيحةِ، ولا يَقْدَحَ في أحبابِهِ وأهلِهِ.
الثالثُ: أنْ يسكتَ عنْ كلِّ ما يكرهُهُ، إلاّ إذا وجبَ عليهِ النطقُ في أمْرٍ بمعروفٍ أو نهْيٍ عنْ مُنكَرٍ، ولم يجدْ رخصةً في السكوتِ، فإنَّ مواجهتَهُ بذلكَ إحسانٌ إليهِ في المعنى وأنْ يلطفَ معهُ في الأمْرِ والنهْيِ فإنَّ الغِلْظَةَ تُنَفِّرُهُ.
قالَ ابنُ المباركِ: [ المؤمنُ يطلبُ المعاذيرَ، والمنافقُ يطلبُ الزَّلاّتِ ].
وقالَ الفُضَيْلُ: الفتوةُ: الصفْحُ عنِ زلاّتِ الإخوانِ، وينبغي أنْ تَتْرُكَ إساءَةَ الظنِّ بأخيكَ. وأن تحملَ فِعْلَهُ على الحسنِ مهما أمكنَ وقد قالَ النبيُّ r : (إيّاكُمْ والظّنّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ).
واعْلَمْ أنَّ سوءَ الظنِّ يدعو إلى التجسُّسِ المنهِيِّ عنهُ، وأنَّ سَتْرَ العيوبِ والتغافُلَ عنهُ سِمَةُ أهلِ الدِّينِ.
واعلَمْ أنهُ لا يكتملُ إيمانُ المرءِ حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ وأنَّ يُعامِلَ أخاهُ بما يُحِبُّ أنْ يُعامِلَهُ بهِ.
الحقُّ الرابعُ: عليهِ أنْ يتودَّدَ إليهِ بلسانِهِ ويتفقَّدَهُ في أحوالِهِ، ويسألَهُ عمّا عَرَضَ لهُ، ويُظْهِرَ شَغْلَ قلبِهِ بسببِهِ، ويُبْدِي السرورَ بما يُسِّرُّ بهِ، وفي الصحيحِ مِنْ روايةِ الترمذيِّ: (إذا أحبَّ أحدُكمْ أخاهُ فَلْيُعْلِمْهُ) ومِنْ ذلكَ أنْ يدعوَهُ بأحبِّ أسمائِهِ إليهِ، قالَ عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: [ثلاثٌ يُصَفِّينَ لكَ وُدَّ أخيكَ: تُسَلِّمْ عليهِ إذا لقيتَهُ، وتُوَسِّعْ لهُ في المجلسِ، وتدعوهُ بأحبِّ أسمائِهِ إليهِ] ومِنْ ذلكَ أنْ تشكرَهُ على صنِيعِهِ في حقِّكَ، وأنْ تَذُبَّ عنهُ في غيبتِهِ إذا قُصِدَ بسوءٍ، وفي الحديثِ الصحيحِ: (المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ) ومتى أهملَ الذَّبَ عنْ عِرْضِهِ يكونُ قدْ أسلمَهُ.
وينبغي أنْ يكونَ نُصْحُكَ إيّاهُ سِرّاً، والفرقُ بينَ التوبيخِ والنصيحةِ الإعلانُ والإسرارُ، ومِنْ ذلكَ أيضاً العفوُ عنِ الزّلاّتِ، فإنْ كانتْ زلَّتُهُ في دِينِهِ، فَتَلَطَّفْ في نُصْحِهِ مهما أمكنَ ولا تتركْ زجرَهُ ووعْظَهُ.
الحقُّ الخامسُ: الدعاءُ للأخِ في حياتِهِ وبعدَ موتِهِ بكلِّ ما تدعو بهِ لنفسِكَ، قالَ r : (دعوةُ المرءِ المسلمِ لأخيهِ بِظَهْرِ الغيبِ مستجابةٌ، عندَ رأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كلّما دعا لأخيهِ بخيرٍ قالَ المَلَكُ الموكَّلُ بهِ: ءامين، ولكَ بِمِثْلٍ).
الحقُّ السادسُ: الوفاءُ ومعنى الوفاءُ: الثباتُ على الحبِّ إلى الموتِ، وبعدَ موتِ الأخِ معْ أولادِهِ وأصدقائِهِ، وقد أَكرَمَ النبيُّ r عجوزاً وقالَ: (إنها كانتْ تغشانا في أيامِ خديجةَ، وإنَّ حُسْنَ العهْدِ مِنَ الإيمانِ).
ومِنَ الوفاءِ أنْ لا يتغيَّرَ على أخيهِ في التواضُعِ وإنِ ارْتفعَ شأنُهُ واتَّسَعَتْ ولايتُهُ وعَظُمَ جاهُهُ.
ومِنَ الوفاءِ أنْ لا يَسْمَعَ بلاغاتِ الناسِ على صديقِهِ.
الحقُّ السابعُ: التخفيفُ وترْكُ التكلُّفِ وذلكَ أنْ لا يُكَلِّفَ أخاهُ ما يَشُقُّ عليهِ، ولا يستمدَّ مِنْ جاهِهِ ولا مالِهِ، بل يكونُ قَصْدُهُ بمحبتِهِ للهِ وحدَهُ، والاسْتئْناس بلقائِهِ.
قالَ جعفرُ بنُ محمدٍ: [ أثقلُ إخواني عليَّ مَنْ يتكلَّفُ لي وأتحفظُ منه، وأَخَفَّهُمْ على قلبي مَنْ أكونُ معهُ كما أكونُ وحْدي ].
ومِنْ تمامِ الأُخُوَّةِ أنْ ترى الفضْلَ لأخوانِكَ عليكَ، لا لنفسِكَ عليهِمْ، فَتُنْزِلُ نفسَكَ معهم منزلةَ الخادمِ.