بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين بن علي بن أبي طالب، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولد بعد أخيه الحسن، في شعبان سنة أربع من الهجرة. وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين رضي الله عنه وأرضاه.
أدرك الحسين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، فصحت له الصحبة إلى أن توفي وهو عنه راض، ثم كان الصديق، يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، رضي الله عنهما، وصحب أباه وروى عنه، وكان معه في مغازيه كلها، وكان معظماً موقراً ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل، فلما آلت الخلافة إلى أخيه الحسن، وتنازل عنها لمعاوية لم يكن الحسين موافقاً لأخيه لكنه سكت وسلّم.
ولما توفي الحسن كان الحسين في الجيش الذي غزا القسطنطينية في زمن معاوية، ولما أخذت البيعة ليزيد بن معاوية في حياة معاوية امتنع الحسين من البيعة؛ لأنه كان يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة والبيعة من يزيد.
لما بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية سنة 60هـ أرسلوا إليه رسلا وكتبا بلغت كثر من خمسمائة يدعونه فيها إلى البيعة. فعند ذلك بعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق؛ ليكشف له حقيقة الأمر، فإن كان أمراً حازماً محكماً بعث إليه ليركب في أهله وذويه.
فلما دخل مسلم الكوفة جاء أهلها إليه فبايعوه على إمرة الحسين، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفاً ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً فكتب مسلم إلى الحسين؛ ليقدم عليها فقد تمت له البيعة، فتجهز رضي الله عنه خارجاً من مكة قاصداً الكوفة.
فانتشر الخبر فكتب أمير المؤمنين يزيد بن معاوية لعامله على الكوفة ابن زياد بأن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله أو ينفيه عن البلد.
فسمع مسلم الخبر فركب فرسه واجتمع معه أربعة آلاف من أهل الكوفة وتوجه إلى قصر ابن زياد، فدخل ابن زياد القصر وأغلق عليه الباب، فأقبل أشراف وأمراء القبائل بترتيب من ابن زياد في تخذيل الناس عن عقيل ففعلوا، فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: "ارجع إلى البيت والناس يكفونك، كأنك غداً بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟" فتخاذل الناس حتى لم يبق معه إلا خمسمائة نفس، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثمائة، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثون رجلاً، فصلى بهم المغرب ثم انصرفوا عنه فلم يبق معه أحد، فذهب على وجهه واختلط عليه الظلام يتردد الطريق لا يدري أين يذهب، فاختبأ في خيمة، فعلموا بمكانه فأرسل ابن زياد سبعين فارساً فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط به فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم ثلاث مرات. وأصيبت شفته العليا والسفلى ثم جعلوا يرمونه بالحجارة فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه أحدهم الأمان فأمكنه من يده وجاؤوا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه، فالتفت إلى رجل يسمى محمد بن الأشعث فقال له: إن الحسين خرج اليوم إليكم فابعث إليه على لساني تأمره بالرجوع، ففعل ذلك ابن الأشعت، لكن الحسين لم يصدق ذلك.
فأتوا بمسلم بن عقيل فأُدخل على ابن زياد، فأمر بأن تضرب عنقه فأُصعد إلى أعلى القصر وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر، فقام رجل فضرب عنقه وألقى برأسه إلى أسفل القصر وأتبع رأسه بجسده. وكان قتله رضي الله عنه يوم التروية الثامن من ذي الحجة.
ثم إن ابن زياد قتل معه أناساً آخرين وبعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية إلى الشام.
خرج الحسين من مكة قاصداً أرض العراق ولم يعلم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وقبل خروجه استشار ابن عباس فقال له: لولا أن يزرى بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب. فقال الحسين: لأن أُقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أُقتل بمكة.
فلما كان من العشي جاء ابن عباس إلى الحسين مرة أخرى فقال له يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر فلا تغتر بهم، أقم في هذا البلد وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً وكن عن الناس في معزل، فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونساءك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه.
وكان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ قال: العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم، فقال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى، فقال له: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
وقال عبد الله بن الزبير له: ( أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: (عجّل الحسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني). (رواه يحيى بن معين بسند صحيح).
فخرج متوجهاً إليهم في أهل بيته وستون شخصاً من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين العاشر من ذي الحجة. يقال أن الحسين لقي الفرزدق في الطريق فسلم عليه وسأله عن أمر الناس وما وراءه فقال له: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية. ثم أقبل الحسين يسير نحو الكوفة ولا يعلم بشيء مما وقع من قتل ابن عمه مسلم بن عقيل وغيرها من الأخبار، وكان لا يمر بماء من مياه العرب إلا اتبعوه. وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذي أرسله مسلم، فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد، فوصل كربلاء، فقال: ما اسم هذه الأرض؟ فقالوا له: كربلاء، فقال: كرب وبلاء. فلما كان وقت السحر قال لغلمانه: استقوا من الماء وأكثروا، فأقبلت عليهم خيول ابن زياد بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم والحرّ بن يزيد وكانوا ألف فارس، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم، فأمر الحسين أصحابه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم وأن يسقوا خيول أعدائهم أيضاً.
فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث: أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده في يده (لأنه يعلم أنه لا يحب قتله) أو أن ينصرف من حيث جاء (إلى المدينة) أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله. (رواه ابن جرير من طريق حسن). فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد. قال: الحر بن يزيد:ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه. فأبوا إلا على حكم ابن زياد. فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم، فكان معهم.
فلما دخل وقت الظهر أمر الحسين رجلاً فأذن ثم خرج في إزار ورداء ونعلين، فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم مجيئه هذا، ولكن قد كتب له أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام، ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحرّ بن يزيد تريد أن تصلي بأصحابك؟ قال لا! ولكن صل أنت فصلى الحسين بالجميع ثم دخل خيمته حتى العصر فخرج وصلى بهم، فسأله الحرّ عن هذه الرسائل التي أرسلت له فأحضر له الحسين كتباً كثيرة فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة، فقال الحرّ: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا لك في شيء، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على ابن زياد فقال الحسين الموت أدنى من ذلك. فقال له الحرّ فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال الحسين: أفبالموت تخوفني؟:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وآسى الرجـال الصـالحين بنفسـه وفارق خوفاً أن يعيش ويرغما
ثم كرّ الحر على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (ابن جرير بسند حسن).عندها تزاحف الفريقان بعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام خيمته محتبياً بسيفه ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فأيقظته، فرجع برأسه كما هو وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: (إنك تروح إلينا). فتقدم عشرون فارساً من جيش ابن زياد فقالوا لهم: جاء أمر الأمير أن تأتوا على حكمه أو نقاتلكم. فقال أصحاب الحسين: بئس القوم أنتم تريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس في زمانهم؟ فقال الحسين: ارجعوا لننظر أمرنا الليلة وكان يريد أن يستزيد تلك الليلة من الصلاة والدعاء والاستغفار، وقال: قد علم الله مني أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه والاستغفار والدعاء، وأوصى أهله تلك الليلة، وخطب أصحابه في أول الليل، فحمد الله وأثنى عليه وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له، فإن القوم إنما يريدونني، فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: فما تقول الناس أنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا، لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف رغبة في الحياة الدنيا , لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم. فلما أذن الصبح صلى رضي الله عنه بأصحابه صلاة الفجر وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً، وأعطى رايته أخاه العباس، وجعلوا الخيام التي فيها النساء والذرية وراء ظهورهم، فدخل الحسين خيمته فاغتسل وتطيب بالمسك ثم ركب فرسه وأخذ مصحفاً ووضعه بين يديه ثم استقبل القوم رافعاً يديه يدعو ثم أناخ راحلته وأقبلوا يزحفون نحوه، فترامى الناس بالنبل، وكثرت المبارزة يومئذٍ بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين لقوة بأسهم وأنهم مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم، فأرسل أصحاب ابن زياد يطلبون المدد فبعث إليهم ابن زياد نحواً من خمسمائة. دخل عليهم وقت الظهر، فقال الحسين مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي، فقال رجل من أهل الكوفة: إنها لا تقبل منكم، فصلى الحسين بأصحابه الظهر صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعدها قتالاً شديداً، فتكاثر القوم حتى يصلوا إلى الحسين، فلما رأى أصحابه ذلك تنافسوا أن يقتلوا بين يديه، فقتل عبدالله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون ومحمد ابنا عبدالله بن جعفر، ثم قتل عبدالرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبي طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم قتل عبدالله والعباس وعثمان وجعفر ومحمد إخوان الحسين أبناء علي بن أبي طالب، حتى بقي الحسين لوحده ومكث نهاراً طويلاً وحده لا يأتي أحدٌ إليه إلا رجع عنه لا يحب أن يقتله هيبةً من مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أحاطوا به فجعل رجل يدعى شمّر يحرضهم على قتله، فرد آخر وما يمنعك أن تقتله أنت؟ فاستبا فجاء شمّر مع جماعة من أصحابه وأحاطوا به فحرضهم على قتله: اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، فجاء سنان بن أنس النخعي، وقيل شمر بن ذي الجوشن فطعنه بالرمح فوقع ثم نزل فذبحه وحز رأسه.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاناً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني. ولا شك أنها قصة محزنة مؤلمة، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه. وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء والترضي.
جاءت الرواحل بالنساء والأطفال وأُدخلوا على ابن زياد، فدخلت زينب ابنة فاطمة فقال من هذه؟ فلم تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، فقالت: بل الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق ويكذِب الفاجر. قال: كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكم؟ فقالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك إلى الله.
قال عبد الملك بن عمير: دخلت على ابن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا برأس ابن زياد بين يدي المختار على ترس.
وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دما، أو أن الجدر كان يكون عليها الدم، أو ما يرفع حجر إلا و يوجد تحته دم، أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
يقول ابن كثير عن ذلك: (وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وأنه كسفت الشمس واحمر الأفق وسقطت حجارة وفي كل من ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه.
حكم خروج الحسين:
لم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه مصلحة ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ولكنه لم يرجع، و بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قتلوه مظلوماً شهيداً. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده، ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدره الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قُدّم رأس يحيى عليه السلام مهراً لبغي وقتل زكريا عليه السلام، وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى: "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين" آل عمران 183. وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
قال الحافظ ابن كثير: فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وسخياً، وقد كان أبوه أفضل منه فقتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم مقتل الحسين، فان أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً، ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحدٌ يوم موتهم مأتماً، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا والآخرة يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه ويوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم خسفت الشمس فقال الناس خسفت لموت إبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته.)
ما موقفنا:
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يلطم الخدود ويشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب) (أخرجه البخاري) وقال: (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة). أخرجه مسلم. والصالقة هي التي تصيح بصوت مرتفع. وقال: ( إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب و سربالاً من قطران) أخرجه مسلم. و قال ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة). و قال ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب و النياحة على الميت) رواه مسلم. و قال ( النياحة من أمر الجاهلية و إن النائحة إذا ماتت و لم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران و درعاً من لهب النار) رواه ابن ماجة.
*والواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمر الله "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". و ما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى أنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
إنّ النياحة واللطم وما أشبهها من أمور ليست عبادة وشعائر يتقرب بها العبد إلى الله، وما يُذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنها وأمر باجتنابها.
فما يفعله الشيعة اليوم من إقامة حسينيات أو مآتم أو لطم ونياحة وبكاء في حقيقتها بدع وضلالات لا تمت لمنهج أهل البيت ولا لعقيدة الإسلام بأي صلة، وإذا كان الشيعة يرددون عبارة ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) فأين هذه العبارة من التطبيق حين يجعلون أموراً من الجاهلية التي نهى محمد عليه الصلاة والسلام عنها شعائر لدين الإسلام ولأهل البيت!! والطامة الكبرى أن تجد كثيراً من مشايخ الشيعة بل من مراجعهم الكبار يستدلون بقوله تعالى { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .. على ما يُفعل في عاشوراء من نياحة ولطم وسب وشتم لخلق الله ولصحابة رسول الله ويعتبرون هذا من شعائر الله التي ينبغي أن تُعظم ومن شعائر الله التي تزداد بها التقوى !!!
كيف تجاهل علماء الشيعة الروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء بل وبالمقابل اتهموا أهل السنة مراراً وتكراراً بأنهم حزب بني أمية وأنهم استحدثوا صيام هذا اليوم احتفالاً بمقتل الحسين - عياذاً بالله من ذلك - مع اتفاق أحاديث السنة والشيعة على فضل صيام هذا اليوم وأنّ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صامه !!!
ألذي يصوم يوم عاشوراء ويحييه بالذكر والقرآن والعبادة يحتفل ويفرح بمقتل الحسين أم من يوزع اللحم والطعام والشراب على الناس في هذا اليوم ويحيي الليل بإنشاد القصائد؟!! أليس هذا تناقضاً ؟ وما اتهام أهل السنة بالفرح بموت الحسين والادعاء بأنّ صيامهم ليوم عاشوراء نكاية بالحسين وبأهل البيت ليس إلا دعاية مذهبية للتنفير منهم ومن مذهبهم وإبرازهم كعدو لأهل البيت دون وجه حق؟!!