قال تعالىوَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًاإِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًافَأَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِيعَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّاأَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَفَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًاوَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُمِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَالشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَاسِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًاحَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَوَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْتَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌفَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَالْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَاجَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْيَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّيفَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ))
القصة:
أخبرنا القرآن عنه أنهملك صالح، آمن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى ملكه، ويسرله فتوحاته.
بدأ ذو القرنين التجوال بجيشه في الأرض، داعيا إلى الله. فاتجهغربا، حتى وصل للمكان الذي تبدو فيه الشمس كأنها تغيب من وراءه. وربما يكون هذاالمكان هو شاطئ المحيط الأطلسي، حيث كان يظن الناس ألا يابسة وراءه. فألهمه الله – أو أوحى إليه- أنه مالك أمر القوم الذين يسكنون هذه الديار، فإما أن يعذهم أو أنيحسن إليهم.
فما كان من الملك الصالح، إلا أن وضّح منهجه في الحكم. فأعلنأنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حسابهم على الله يوم القيامة. أما منآمن، فسيكرمه ويحسن إليه.
بعد أن انتهى ذو القرنين من أمر الغرب، توجهللشرق. فوصل لأول منطقة تطلع عليها الشمس. وكانت أرضا مكشوفة لا أشجار فيها ولامرتفات تحجب الشمس عن أهلها. فحكم ذو القرنين في المشرق بنفس حكمه في المغرب، ثمانطلق.
وصل ذو القرنين في رحلته، لقوم يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهمافجوة. وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعب فهمها. وعندما وجدوه ملكا قويا طلبوا منه أنيساعدهم في صد يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سدا لهذه الفجوة، مقابل خراج من الماليدفعونه له.
فوافق الملك الصالح على بناء السد، لكنه زهد في مالهم، واكتفىبطلب مساعدتهم في العمل على بناء السد وردم الفجوة بين الجبلين.
استخدم ذوالقرنين وسيلة هندسية مميزة لبناء السّد. فقام أولا بجمع قطع الحديد ووضعها فيالفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين. ثم أوقد النار على الحديد، وسكب عليهنحاسا مذابا ليلتحم وتشتد صلابته. فسدّت الفجوة، وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج،فلم يتمكنوا من هدم السّد ولا تسوّره. وأمن القوم الضعفاء من شرّهم.
بعد أنانتهى ذو القرنين من هذا العمل الجبار، نظر للسّد، وحمد الله على نعمته، وردّ الفضلوالتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى، فلم تأخذه العزة، ولم يسكن الغرورقلبه.
يقول سيّد قطب رحمه الله: "وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذيالقرنين. النموذج الطيب للحاكم الصالح. يمكنه الله في الأرض, وييسر له الأسباب; فيجتاح الأرض شرقا وغربا; ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر, ولا يطغى ولا يتبطر, ولا يتخذمن الفتوح وسيلة للغنم المادي، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان, ولا يعاملالبلاد المفتوحة معاملة الرقيق; ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه.. إنما ينشرالعدل في كل مكان يحل به, ويساعد المتخلفين, ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل; ويستخدمالقوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح, ودفع العدوان وإحقاق الحق. ثم يرجعكل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله, ولا ينسى وهو في إبان سطوتهقدرة الله وجبروته, وأنه راجع إلى الله والحمد لله رب العالمين