لابد من الاعتراف بأن الأم هي المسؤول الأول عن ذكاء طفلها، ففي يدها أن تجعل طفلها متفوقاً بين أقرانه أو فاشلاً في حياته.. ولتسأل الأم نفسها: كم كان عمر طفلها عندما تعلم كيف يربط رباط حذائه ؟ هـل يعتقد معلموه أنه ذو إرادة قـوية أم أنه «محب للرياسة» ؟.. إن الإجابة على هـذين السـؤالين، اللذين يـبدوان لا علاقـة بينهما، قد تعطيك فـكرة عما إذا كان طفـلك يسـتفيد - إلى أقصى حد - من ذكائه الأصلي، وهل من الممكن أن يزداد حاصل ذكائه 50 أو 60 نقطة أخرى.. إن الأبحاث الجديدة تظهر كيف تؤثر شخصية الطفل في مجموعها على ذكائه.. واختبارات مستوى الذكاء العادية تعد في أغلب الأحيان مقياساً لبراعة الشخص في استخدام الكلمات والأرقام، ويقول د. «جورج ستدارد» مسـتشار جـامعة نيويورك: «هناك قدرات أخرى كثيرة لا تستطيع اختبارات الذكاء قياسها مثل: الخيال والزعامة، والابتكار والقدرة على الخلق والإبداع وقوة الجدل الأساسية».
وإذا كان ذكاء الطفل عبارة عن كمية ثابتة يمكن قياسها، محبوسة في جمجمته، فسوف يظل مستوى ذكائه ثابتاً، ولن تستطيع أن تفعل شيئاً لكي تؤثر في طاقته العقلية، ولكن الدراسات التي قام بها معهد "فيلز" للأبحاث في كلية "أنتبوك" أظهرت أن هذا غير صحيح، فالآباء يستطيعون أن يفعلوا الكثير لزيادة مقدرة الطفل ورغبته في التعليم، وفي هذه الدراسة قام الباحثون بدراسة حالة 300 طفل يمثلون قطاعاً من الطبقة المتوسطة منذ مولدهم. وإلى جانب اختبارات الذكاء والشخصية التي كانت تجرى عليهم بانتظام، قام الباحثون بزيارة منـزل طفل لمراقبة العلاقة بينه وبين أسرته.. وفي الاختبارات الأولى للذكاء كان متوسط أرقام الذكاء عندهم جميعاً 100 درجة أو أكثر قليلاً، ولكن العلماء لاحظوا بعد ذلك أن مستوى الذكاء لم يبق ثابتاً، فعند بعض الأطفال ارتفع هذا المستوى، وأطلق عليهم «الصاعدون» أما بعضهم الآخر الذين هبطت أرقامهم، أطلق عليهم «الهابطون».
وقد ظلت أرقام الذكاء عند أحد الأطفال تزداد تدريجياً، حتى ارتفعت من 107 درجات، عندما كان عمره سنتين ونصف السنة، إلى 180 درجة عندما بلغ العاشرة من عمره، وهو رقم نادر، ومن المعروف أن الطفل الذي يبلغ مستوى ذكائه 130 درجة يعد موهوباً.. وهبطت أرقام الذكاء عند طفل آخر من 132 درجة في سن الثالثة إلى 102 درجة في سن الثامنة، ثم أخذت ترتفع مرة حتى بلغت 132 درجة في سن الحادية عشرة، وقد تبين أن أكبر انخفاض في مجموع أرقام الذكاء يحدث قبل سن الخامسة أو السادسة، وهي السن التي يكون فيها «الهابطون» معتمدين اعتماداً - يكاد يكون تاماً - على آبائهم.
وقد تمكنت المدرسة من تحويل هذا الهبوط، ورفع مجموع أرقام الذكاء مرة أخرى عند أكثر من نصف حالات الأطفال «الهابطين»، لأن المدرسة تعلم الطفل الاعتماد على النفس.
والسبب في هذه التقلبات في أرقام الذكاء عند الأطفال يرجع إلى الاختلافات الثابتة في الشخصية بين هاتين المجموعتين من الأطفال، وفي مجموعة الأطفال «الصاعدين» كان الدأب على الاعتماد على النفس هو الخاصية المميزة لجميع أطفال هذه المجموعة، أما «الهابطون» فكانوا على العكس يهربون من المسؤولية ويعتمدون على الآخرين في حل مشكلاتهم.
والطفل «الهابط» يكون عادة أكثر سعادة في صحبة الأكبر منه عمراً، عن الأطفال المماثلين له في العمر، وهو يوجه دائماً هذه الأسئلة إلى أمه: «هل تحبينني؟».. و«ما الذي أستطيع أن أفعله الآن؟».. وهذا الطفل يمكن إيذاء شعوره بسهولة... أما الطفل «الصاعد» فيرى أن الحياة مغامرة وصراع ومنافسة، وباختصار ينظر إلى الحياة على أنها مشاكل يجب حلها، وهو عادة يحس بأذى من شيء ما، ويلهو وحـده أو مع أصدقائه، ويحلم غالباً بألعاب خيالية أو يقود الآخرين إلى نشاط جديد، وهو يفضل اللعب مع أطـفال في نفس سـنه، ولكنه يستطيع أن يجاري أو يتجاوب مع الكبار، ولا يخجل نسبياً من الأجانب، وهو يحب أبويه، لكنه لا يبدي أي قلق لمعرفة ما إذا كانا يحبانه أم لا؛ لأنه واثق تماماً من ذلك، وهذا الطفل لا يحب أن يقلد أحداً، وله أشياء خاصة يفضلها بقوة، ويمكن أحياناً أن نسميه «قوى الإرادة»، أو «محب للرئاسة» ويستطيع أن يعمل في مشروع معين فترات طويلة دون أن يطلب من الآخرين إطراءه أو الالتفات إليه باستمرار لينهي هذا المشروع.
ولكن، كيف يصـبح الأطفـال «الصاعدون» هـكذا؟.. إن د.«ليستر»، يجيب قائلاً: «الرغبة في الاستقلال موجودة في كل طفل عادي، وهذه الرغبة هي الطريقة التي يتجاوب بها الطفل مع القلق البدائي الذي يحس به نتيجة لعجزه التام، وجهود الطفل للإقلال من هذا القلق، يمكن مشاهدتها في محاولات طفل في الثانية من عمره عقد رباط حذائه.. إنه يبعد أباه أو أمه إذا حاول أحدهما ربط الحذاء بدلاً منه، وكلما ازدادت الأشياء التي يستطيع أن يفعلها بنفسه أحس أنه آمناً أكثر.. وفي سن الرابعة أو الخامسة يجد الطفل أنه يستطيع أن يقلل من اعتماده على أبويه، وهذا الميل المستمر للتقليل من القلق عن طريق السيطرة على المشكلات كلما واجهته ، هو أساس كل التعليم».
ونستطيع أن نقول في إيجاز: إن الطفل يتعلم بنفسه كيف يتعلم، وقد تأكد الدور الرئيس الذي يلعبه الاعتماد على النفس في حياة الطفل باختلاف نتائج اختبارات الذكاء عند الجنسين، ففي التجربة التي أجراها معهد "فيلز" كان عدد الأطفال «الصاعدين» من الذكور ضعف عدد الإناث، وأن مستوى الذكاء عند الأطفال الذكور الصاعدين يستمر إلى ما بعد فترة البلوغ، أما بالنسبة للإناث فمعظمهن يتوقف مستوى ذكائهم عند هذه السن أو يبدأ في الانخفاض.. ويقول الدكتور «جيروم كاجان» زميل الدكتور «سونتاج»: «من المحتمل أن يكون مرجع ذلك إلى طريقة تربية كل من الذكور والإناث، فالفتيات تشجعهن أمهاتهن على أن يصبحن جميلات ساحرات، وسلبيات، بينما يشجع الآباء الفتيان على المنافسة والنشاط والاستقلال.. وفي سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة تكتشف الفتيات أن أهم شيء بالنسبة لهن هو أن يكن جذابات في عيون الفتيان، ومن ثم ترى الفتاة أن الذكاء الكثير قد لا يجدي».
كيف نستطيع أن نشجع الطفل على أن يصبح صاعداً؟.. لقد أثبتت التجارب في المعهد أن الآباء الذين يحاولون دائماً حماية أطفالهم، والآباء المتساهلين، أو الصارمين، يقتلون ذكاء أطفالهم.. إن الطفل يجب أن يكون واثقاً من حب أبويه له حتى لا يقلقه ذلك، ومن هذا المنطلق الأمين يستطيع أن يجرب قواه دون أن يخشى فقدان كل شيء إذا ارتكب خطأ ما، والطفل «الصـاعد» يوجهه أبواه، وهـما لا يسـيطران عليه أو يتركانه يفعـل ما يشاء، وهما يحددان له القواعد والمسؤوليات في حدود إمكانياته النامية، ويتمسكان بهذه القواعد حتى لو اقتضى الأمر عقاب الطفل إذا خرج عن طاعتهما، وفي نفس الوقت يمنح الطفل حرية كبيرة في إرضاء فضوله.
هذه الاكتشافات تظهر كيف يستطيع الأباء أن يفعلوا الكثير لمساعدة أطفالهم على حسن استخدام ذكائهم الفطري، ولكن التشجيع الأبوي ليس مرغوباً فيه في كل الحالات، فعندما يتعثر الطفل بسبب عناء المجهود الذهني ، قد يسأل الأب نفسه: ما هو مقدار الضغط الذي يستطيع أن يستخدمه دون أن يثبط من عزيمته؟
ويقول د. «هارس»، المدير السابق لمعهد رعاية الطفل في جامعة "مينسوتا": «يستطيع الطفل العادي أن يتحمل قدراً كبيراً من المتاعب الناشئة عن إلزامه بالمحافظة على مستوى عال، ويجب على الآباء أن يضعوا القواعد الأساسية لصغارهم، وهي القواعد التي تحفظ المقاييس التي يعتقد الآباء أنها مهمة، وأن يحثونهم على ذلك، برغم صعوبة المهمة وعدم اعتياد الأطفال عليها أحياناً.. فالأطفال يتعلمون المسؤولية عن طريق مراقبة آبائهم عندما يتخذون القرارات أسوة باتخاذ القرارات الخاصة بهم».
ومـن المؤكد أن الأب لن يسـتطيع إجبار طفله على أن يتعلم أو أن يتعلم هو بدلاً منه، ويقول د. «جيرالد بيرسون»، العالم النفسي بفيلادلفيا: «إن واجب الطفل المدرسي يتعلق به وحده، وإذا لم يذاكر درسه فمن الأفضل له أن يتحمل النتائج بدلاً من تحمل أبويه التبعة عنه».. وعندما تتولد عند بعض الأطفال كراهية للمجهود الذهـني، فإن هـذا لا يعني عادة أنهم أغبياء، فإن بعض الطلبة المتخلفين في الدراسة على درجة عالية من الموهبة، ولكنهم يعجزون عن استخـدام مواهبهم بسبب ما يطلق عليه العلماء اسم «صعوبات التعلم»، وصعوبة التعلم قد يكون مرجعها ضعف السمع أو النظر، كما أن التناسق العضلي أو العصبي ينمو بدرجات مختلفة عند مختلف الأطفال، وقد يكون الأمر مجرد نقص في الاستعداد لمواجهة «الأعمال المدرسية» فبعض الأطفال يتأخرون عن أقرانهم في تعلم القراءة و الكتابة ولكنهم يلحقون بهم فيما بعد.
وحين تكون «صعوبة التعلم» طبيعية، يظهر الطفل رغبة قوية في التعليم.. وفي أحيان أخرى قد تكون العقبة عاطفية، وفي هذه الحالة قد يفقد الطفل اهتمامه بالتعليم وينسحب أو يثور.. ومن الأسباب الشائعة للعقبات العاطفية، الضغط على الطفل لتحقيق أهداف فوق طاقته وقد يرجع الخطأ أحياناً إلى أبوين يعتبـران شقيق الطفل الأكبر، أو شقيقته الكبرى نموذجاً مثالياً يجب أن يحذو حذوه.. ومن الممكن أيضاً أن يسبب الآباء لأطفالهم «صعوبة تعلم» في عقولهم بسبب تضارب شعورهم تجاه التعليم، فالأبوان يريدان أن يكون طفلهما ممتازاً في الدراسة، ولكنهما يسخران في نفس الوقت من «المثقفين»، وفي مشروع تنمية الشباب في «كويسني» بولاية إيلينوي، قام علماء جامعة شيكاغو بالاشتراك مع سلطات المدرسة المحلية بالتحقيق في الأسباب التي تجعل كثيراً من الأطفال الموهوبين يحصلون على درجات ممتازة في المدرسة العامة.. وبعد سبع سـنوات من البحث، تبين أن السبب هو البيئة التي يعيش فيها الطفل داخل المنـزل.
ويفسر د. «بول بومان» مدير المشروع السبب في ذلك فيقول: «في منازل الأطفال الأذكياء، نجد الآباء يفكرون مقدماً في مستقبل أطفالهم، كما نجد أن الأطفـال يتعلمون في المنـزل أشـياء كثيرة بالإضافة إلى ما يحصلون عليه في المدرسة، كالقراءة ودروس التربية البدنية وهوايات الأسرة وتمضية أوقات الفراغ، وغير ذلك. والشيء الذي نستطيع أن نحكم به على ذكاء الطفل هو طريقة حديثه مع أبويه، فمعظم الأطفال الذين يحصلون على درجات عالية في اختبارات الذكاء ويسيرون قدماً في دراستهم يأتون من منازل الحديث فيها سهل، ممتلئ بالحرارة والفائدة».
وفي واحدة من أحدث الدراسات عن دور الوراثة في الذكاء، اتضح أن الأبناء يرثون نسبة ذكائهم من الأم، وليس وفقاً للاعتقاد السائد بأن الأم والأب يشتركان معاً في توريث نسـبة الذكاء، هذا ما أسفرت عنه آخر الأبحاث التي قام بـها علماء الوراثة عند الإنسان بجامعة "أوام" بألمانيا، ويرجع ذلك إلى الكروموسومات من النوع (X) الأنثوية التي تنقلها الأم لجنينها، والتي يوجد بها جينات الذكاء التي تحدد نسبة ذكاء الأبناء فيما بعد ، فالرجل لا يشـارك في تحديد الذكاء، فكروموسومات (XY) التي يحملها الرجل، مثقل كاهلها بالجينات التي تخدم التكاثر، وهذا لا يعني أن الطفل سوف تكون نسبة ذكائه مثل ذكاء الأم، فربما تكون هي حاملة لجينات من أمها أو جدتها، ولكنها لم تظهر لديها.
ولكن من الطريف حقاً أنه قد تظهر أهمية التأثير الأبوي في رفع مستوى ذكاء الطفل بوضوح في حالة الأطفال بالتبني، فبالرغم من اختلاف عوامل الوراثة، فإن مستوى الذكاء عندهم يتبع عادة ذكاء الآباء الذين تـبنوهم، ولا يتبع مستوى ذكاء آبائهم الحقيقيين .. ونحن بالطبع لا نقر مبدأ التبني لأن ديننا الإسلامي الحنيف يحرمه، حيـث إن من أهم ما يحرص عليه الإسلام لسلامة المجتمع، هو عدم اختلاط الأنساب، وهو ما يبدو واضحاً في عدم إباحة تعدد الأزواج للمرأة الواحدة في وقت واحد، ولكنه سمح بذلك للمطلقة بعد وفاء عدتها، وللأرملة أو المتوفى عنها زوجها أيضاً بعد قضاء عدتها، والولادة للمطلقة الحامل، أو الأرملة قبل زواجها، وغير ذلك وقبله تنظيم الزواج بإيجاب وقبول وشهود وإشهار، إلى آخر ما يوضع له من إجراءات، هدفها الحرص على وضوح هذه العلاقة في إطار سليم والمحافظة عليها، وبناء عـلى ذلك أصبح مفهـوماً، لماذا لا يوجـد ما يسمى بالتبني في الإسلام.
ولكن ظهرت مشكلة مهمة يواجهها المجتمع بالنسبة لمن لا أسر لهم، وهم فئتان:
- الأولى: من لهم أبوان معروفان ينتسبون إليهما ، ولكن شاءت الأقدار حرمانهم منهما، وهؤلاء مشكلتهم في ولي الأمر البديل الذي يقوم بواجب الرعاية بدلاً من ولي الأمر الأصيل.. وهذا البديل يكون إما الدولة فيما تقيم من مؤسسات اجتماعية، أو أن يتقدم بعض المواطنيـن - تحت إشراف الدولة – طالبيـن القيام بحضـانة أو كفالة بعض هؤلاء الأشخاص، ونقول بوضوح شديد حضـانة أو كفالة وليس تبنياً، وفي هذه الحالة يحتفظ هؤلاء الأطفال بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم الحقيقيين الذين ينتسبون إليهم ، وتوضح لهم علاقتهم بهذه الأسر بالطريقة المناسبة ، وفي الوقت المناسب.
- والثانية: هي فئة من ليس لهم آباء أو أمهات معروفون ينتسبون إليهم، وهم من يطلق عليهم «اللقطاء» أومجهولو الأبوين، الذين لا ذنب لهم في صنع ظروفهم تلك التي وضعهم فيها القدر، وهؤلاء أيضاً تقوم الدولة برعايتهم من خلال الجمعيات المتخصصة بدلاً من ولي الأمر المفقود، أو تقوم بذلك بعض الأسر الخيرة المتطوعة للقيام بهذا الواجب، وعلى سبيل الحضانة والرعاية لا التبني.
إن الغالبية العظمى من الأطفال تخرج إلى العالم وهي مسـلحة تماماً بما يكفل لها مواجهة مشكلات الحياة، وقد تستطيع الاختبارات العقلية أن تدلنا على المستوى الذي وصل إليه الطفل في أنواع معينة من القدرات، ولكنها، لا تستطيع أن تدلنا على المستوى الذي يستطيع أن يصل إليه فيما بعد... ولن نكسب كثيراً من القول: بأن الطفل أذكى أو أغبى من الأطفال الآخرين، فالشيء الهام هو مساعدة الطفل على الاستفادة إلى أقصى حد مما لديه من إمكانيات.
لقد كان أهم ما توصل إليه علماء النفس في السنوات القليلة الماضية هو التزايد المطرد والنمو السريع للبيانات التي تدل على العلاقة الوثيقة بين نوع الرعاية التي يتلقاها الطفل في سني حياته الأولى من ناحية، وبين نموه السليم من ناحية أخرى، وعلى هذا الأساس أخذ اهتمامنا بالطفولة يتزايد بشكل واضح، فأصبحنا نحتفل بأعيادها ونشكل لها المجالس والمراكز والجمعيات التي تعنى بدراستها وتسعى إلى رسم الخطط ووضع البرامج والمناهج التي تساعد على سلامة نموها، ولقد رأينا أن نعرض هنا لبعض الحقائق العلمية التي جاءتنا بها الدراسات المختلفة، والتي يمكن في ضوئها أن يأتي ما نضعه من خطط وبرامج ونشاطات محققاً للأهداف التي وضعت لها.
وعند الحديث عن رعاية الطفل بشكل عملي تفصيلي يحسن دائماً أن نحدد المرحلة التي نقصدها من هذا الحديث، وسوف يقتصر اهتمامنا على مرحلة تعتبر من أخطر المراحل في تكوين شخصية الإنسان، وهي مرحلة ما قبل الدراسة، فإن من أهم مشاكل الطفل في هذه السن، مشكلة الرعاية النهارية، فبعد أن يكون الطفل قد تجاوز مرحلة الرضاعة التي يمكن أن تكون الأم قد لازمته فيها سنتين كاملتين (حتى إذا كانت تعمل) يجد الطفل نفسه غالباً بعد ذلك في ظروف لا يحسد عليها، فهو في أغلب الأحيان حبيس في منـزله داخل مساحات أضيق من أن تسمح له بالانطلاق وحرية الحـركة، والنشاط الذي يتميز به في هـذه المرحلة، مما يشكل عوامل قوية للإحـباط، وبالتالي للتفاعل غير الصحي بين الطفل ووالديه.
كذلك لم يعد هناك البديل الذي يسـمح بهذا الانطلاق، لا في الشـارع ولا في أراضي فضاء آمنة ولا في حدائق بجوار المنـزل.
فقد ازدحمت المدن بالبنية الشاهقة ووسـائل المواصـلات الآلية، ولم تعد الأم في كثير من الأحيان هي الحاضنة للطفل في تلك الظروف المكانية السيئة، بل أصبح الطفل في غياب الأم - التي تزداد يوماً بعد يوم نسبة انضمامها إلى القوى العاملة - يُترك إما للخادم وإما لشخص من الأسرة كبير في السـن لا يسـتطيع أن يجاري الطفل في تلبية حاجاته، أو يترك عند الجيران الذين لو تحملوا الطفل بعض الوقت فإنهم قد يفعلون ذلك بالطبع بشيء كثير من التضرر.
وأخيراً لم تعد الفرصة مواتية للاختلاط اللازم بين الطفل وأترابه، حيث يمكن أن يتعلم قوانين الأخذ والعطاء، والتفاعل الاجتماعي الضروري لهذه المرحلة.. وحتى إذا كان الطفل من المحظوظين الذين يستطيعون أن يجدوا لهم أماكن في إحدى الحضانات المكلفة، فإن مظاهر الرعاية التي تقدمها هذه الحضانات لا تشكل بأي حال من الأحوال الظروف المثلى التي يجب أن نحيط بها طفلنا.. وإذا كانت هذه الفترة من حياة الطفل هي فترة حرجة من حيث تكوين شخصيته مستقبلاً، لذلك لا يجب أن ننظر إلى الرعاية النهارية لطفل ما قبل المدرسة على أنها أمر ثانوي في أي نظام تربوي لنا، ولقد فطنت إلى ذلك الدول المتقدمة منذ بداية النصف الثاني من القرن المنصرم، فأصبحت الحضانات ومراكز ما قبل المدرسة، حيث يجد الطفل رعاية بديلة عن رعاية المنـزل، مجالاً رئيساً من مجالات التنمية الاجتماعية.
ففي الدول التي كانت تنتهج النهج الاشتراكي نجد أن هدف التربية، ومراكز ما قبل المدرسة، هو تنشئة الطفل على التعاون، والاشتراك في العمل الجماعي، فيتعلم الطفل أن المجتمع يقر، ويتقبل، ويقدر الشخص الذي يعمل جيداً كعضو في فريق، ولا يقدر أو يقر أولئك الذين يسعون إلى تحقيق مطالب ذاتية أو اختيارات فردية.. وعلى العكس في الولايات المتحدة الأمريكية تعمل مراكز ما قبل المدرسة وفقاً لمجموعة من المبادئ والمناهج التي تؤدي جميعها إلى تنمية قيمة الفردية والاستقلالية والتنافس، وبهذا الشكل يضمن المجتمع لنفسه درجة من التجانس وتأكيد القيم التي اختارها لنفسه، ومن ثم كان لابد لنا من الاهتمام بإنشاء مراكز الرعاية اليومية لأطفالنا في هذه المرحلة، وسواء كانت الأماكن التي تنشأ فيها هذه المراكز هي بنايات مخصصة لذلك، أم أماكن معدة لهذا الغرض فوق أسطح المنازل، أم أفنية وساحات بجوار المجمعات السكنية أو في وسـطها، أم في غير ذلك مما يمكن تنظيمه، سواء على مسـتوى الدولة أو على مستوى الأفراد.
وهناك مواصفات معينة لابد أن تتوافر في تلك المراكز لكي تكون صالحة للهدف الذي تنشأ من أجله، ويمكن تحديد تلك المواصفات من نواح ثلاث:
الناحية الأولى: هي تلك التي تتعلق بالأهداف التي يجب أن تحققها هذه المراكز.
والناحية الثانية: هي تلك التي تتعلق بالأبعاد المادية للمكان المخصص للمراكز.
أما الناحية الثالثة: فهي تلك التي تتعلق بمن يقوم بالعمل في تلك المراكز.
هذا، وينبغي ألا تكون تلك المراكز بأي حال من الأحوال مقدمة أو تمهيداً للمرحلة المدرسية، بمعنى ألا تكون العملية التعليمية هدفاً مباشراً من أهدافها، وإن كان الطفل يتعلم بشكل غير مباشر بعض الخبرات المعرفية أثناء قيامـه باللعب أو بالنشـاطات الحركـية، أو الاجتماعية أو المعرفية المختلفة.
أما أهداف هذه المراكز فهي أولاً - وبالذات - أهداف تنموية، بمعنى أن برامجها لابد أن تخطط أساساً للوصول إلى تحقيق متطلبات النمو لطفل هذه المرحلة، ومن ثم فإن على هذه المراكز أن تعمل على تزويد الطفل بالمهارات، والصفات السلوكية العامة في هذا الاتجاه.
فللعب دور هام في مرحلة ما قبل المدرسة.. فعن طريقه يتعلم الطفل الاعتماد على النفس، بالإضافة إلى أن اللعب وسيلة لتفريغ صراعات الطفل الداخلية، وتكيفه مع المجتمع والمحيط الحيوي حوله، وهو كذلك أسلوب فعال في إكساب الطفل كثيراً من الخبرات والعادات الخلقية والاجتماعية وإعطائه فرصة لممارسة التفاعل مع غيره من الأطفال والكبار، حتى يكتسب المهارات التي تؤهله للتفاعل والتكيف مع المجتمع.
اللعب ضرورة لتنمية الذكاء
إن أهمية اللعب في مرحلة ما قبل التعليم المدرسي، تكمن في أنه يمكن تربية الطفل من خلال اللعب، وهناك ضرر جسيم يترتب على إلحاق طفل - ما قبل المدرسة - بدور الحضانة ورياض الأطفال بـهدف تعلم القراءة والكتابة والحـساب فقط بشـكل تقليدي، مما يترتب عليه أن يمضي الطفل العديد من الساعات وهو جالس بدون حركة، والأهل سعداء لاعتقادهم بأنهم يعدونه للمدرسة، لكنهم في حقيقة الأمر يضحون بطفولته، مما يؤدي إلى إرهاق الطفل بالتعليم وتنمية الجانب العقلي عنده مقابل إهمال جوانب النمو الأخرى. فالهدف الرئيس من التربية والتعليم، عن طريق اللعب، هو إكساب الطفل العديد من المهارات، والمعارف، من خلاله، سواء كان لعباً حراً أو لعباً تعليمياً، كما أن الطفل في هذه المرحلة يمكن أن يتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب من خلال اللعب وليس بالصورة التقليدية المتبعة.
فمن فوائد اللعب التربوية أنه يعتبر أداة تساعد الطفل على إيجاد نوع من التوازن بين عالمه الداخلي وعالمه الخارجي، مما يخلق له نوعاً من التوازن الذي يحقق له نوعاً من الراحة والسعادة. كما أن للعب تأثيراً على نمو الطفل وفض صراعاته الداخلية، وهو يلعب دوراً هاماً في تنمية الجانب المعرفي، أو التكوين المعرفي للطفل والقدرة الإبداعية والابتكارية لديه، ويمكن للأهل من خلال ملاحظة سلوك الطفل وانفعالاته أثناء اللعب تقويم سلوكه العام واكتشاف مشاكله من خلال ما يمكن تسجيله من ملاحظات أثناء ذلك؛ كما أنه وسيلة للنمو العقلي واللغوي للطفل، فعن طريقه يمكن مساعدة الطفل على تصحيح أفكاره والإجابة عن أسئلته ومخاطبته، فتتطور لغته وأفكاره إلى حركة أثناء اللعب.
كما يعتبر اللعب وسيلة لتعميق التأثر والتأثير الجمالي عند الأطفال، وتنمية قدراتهم الابتكارية، فمن المعروف أن كل الأطفال تقريباً لديهم القدرة على الابتكار خلال السنوات الأولى من العمر، ولكن معظمهم يفقد هذه القدرة فيما بعد، نتيجة عيوب في التربية بعدم منحهم حرية كافية للتعبير عن البيئة.. ويساعد اللعب أيضاً على تنمية النشاط لدى الطفل، وإعداده للعمل الجاد، بالإضافة إلى أنه يعود الطفل على المجهود الجسمي والنفسي اللازمين للعمل.
من هنا، فإننا نرى أن اللعب في مرحلة ما قبل التعليم المدرسي حق لكل طفل، وليس ترفاً. ويجب العمل على المزيد من الدراسات عن اللعب وأثره باعتباره أحد الأساليب التربوية الهامة لتنشئة الطفل في هذه السن بشكل سليم إذا ما أحسن توجيهه.. كما يجب تقوية الإيمان بأهداف اللعب التربوية في هذه المرحلة العمرية كوسيلة لتنمية قدرات الطفل الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية والابتكارية.
وإذا كان لديـنا تصور لموقف نموذجـي للرعاية النهاريـة لطفل ما قبل المدرسة، سواء من حيث أهدافها أو مكانـها أو القائمين عليها، أو أنواع النشاط المتضمن فيها، فليس معنى ذلك أن ينتظر الطفل في منـزله حتى تتوافر له مثل تلك المراكز النموذجية، بل أن وجود ساحة خاصة في كل مُجمع، أو وجود فناء متسـع في كل عمارة سـكنية، أو إعداد العمارات بالشكل الذي يتوافر فيه ولو بعض تلك المواصفات لهو خير على أي حال من عدم وجود ذلك بالمرة، وبإمكان الدولة أن تصدر من التشريعات مبدئياً، ما يحقق تلك الإنشاءات، فلا يُرَخَّص لعمارة سكنية أو مجمع سكني إلا إذا وفر مثل تلك الأماكن، كذلك يمكن أن تتطوع الأمهات غير العاملات وكذلك الشابات - بعض الوقت - للعمل بتلك المراكز، كما يمكن أن تتعاون المحليات على إنشاء مثل تلك المراكز وعلى تعيين المتخصصين لها.
كل هذه بدائل نضعها أمام السلطات التي بيدها الأمر حتى لا يُترك الطفل في رعاية الخدم أو يكون عبئاً ثقـيلاً على الجيـران، أو حتى وحيداً في المنـزل بما لا يحقق أي هدف من أهداف التنمية في هذه المرحلة، بل مما قد تكون له آثاره المدمـرة على حياة الطفل النفسـية فيما بعد، ويتضح ذلك فيما نراه من أطفال يرتبكون أمام مواجهة أي شيء، أو نجد آخرين لا يحسنون التصرف بشكل طبيعي، ولا يعد كل من يرتبك من الأطفال أو يعجز عن أداء حـركة ما، أو يعجز عن التعبير عن نفسه بوضوح، متخلفاً، فقد يكون الطفل عادي الذكاء لكنه عاجز عن التعلم.. فما الفرق بين التخلف والعجز عن التعلم؟
قد يقع كثير من الأباء في الارتباك والحيرة حين يلحظون عدم قدرة صغيرهم على إمساك الأشياء بيديه، أو يلحظون إفراطاً في حركته واندفاعه، كما يواجه المعلمون صعوبات في تدريس بعض الطلبة، ممن يثيرون الشغب في حجرة الدراسة، أو يقومـون بمضايقـة زمـلائهم، أو يهملون في أداء واجباتهم، أو يكرهون المدرسة والدروس، وتشير الدراسات إلى وجود ارتباط بين هذه المظاهر السلوكية والاضطراب في الوظيفة العقلية أو الإدراك، مما يعني إمكانية معالجة كثير منها إذا تيسر تشخيصه في مرحلة مبكرة.
وقد يوصف هؤلاء - خطأ - بأنهم متخلفون عقلياً، وقد يكون بينهم مـثل تلك الحالات، غير أن الدراسـات الحديثة الجادة ترى - ضمن معايير معينة - أن نصف هؤلاء، يوصف «بالعجز عن التعلم».. فالطفل المتخلف عقلياً يكون محدود الفهم والقدرة على التعلم، أما الطفل «العاجز» عن التعلم» فإنه طفل مختلف، إذ لا يقل ذكاؤه عن المتوسط، وتكون لمثل هذا الطفل قدرة حبيسة، تتحول إلى طاقة إيجابية إذا حَسُنَ التعامل معها، أو قد تنفجر عن سلوك طائش، إذا لم نتفهمها.. إن حوالي 10 % من أطفال العالم يعانون من هذه المشكلة، كما أن تشخيص المعلم المبكر لهذه الحالة قد يساعد على تقديم العون المناسب في مجابهة جوانب العجز.
كما أن هناك أحكاماً غير دقيقة تصدر على العديد من الأطفال بسبب التصنيف غير الدقيق لحالاتهم، إذ يوصفون بالاضطراب الانفعالي، أو بالتخلف العقلي، دون أن يكونوا كذلك فعلاً.. وتتجسد المأساة حين يتم تحويل هؤلاء إلى مؤسـسات خـاصة، لا ينبغي أن يكونوا فيها، خاصة تلك المؤسسات المختصة بعلاج العجز عن التعلم، فهي غير معنية بمسألة الذكاء، وإنما بمسائل محددة تتصل بعملية التعلم والسلوك، حيث يتعذر على بعض الأطفال تعلم القراءة والكتابة أو التهجي أو مبادئ الحساب، على الرغم من قدراتهم في نواح أخرى.. والطفل المتسم بالذكاء يدرك إخفاقه وعجزه عن مجاراة الآخرين بما يُعجِزه عن إدراك كنهه، ومن ثم ينعكس هذا كله على سلوكه، ليبدو مشاغباً أو منعزلاً.
فكثيراً ما يصنف العاجز عن التعلم كمتخلف عقلياً، فتخسر المجتمعات بعض الذين يتمتعون بذكاء عال بسبب هذا الفهم القاصر (ولولا حسن الحظ لجاء تصنيف أينشتاين وأديسون في قائمة المتخلفين عقلياً بسبب حالة العجز عن التعلم التي صاحبتهما)، فإن علة (العجز عن التعلم) ما تزال مجهولة، ولم يحسم العلم أمره فيها حتى الآن.. ولكيفية التمييز بين الأطفال المصابين بالعجز عن التعلم، وكيفية تهيئة مصادر التشخيص والمعالجة، للمساعدة على إعدادهم لممارسة حياة الكبار بنجاح، نورد بعض الحكايات لأطفال تثير الأسى و اللوعة، لنتبين تلك الفروق.
فالطفل «ب.» بدا متقد الذهن، لكنه تجاوز بسوء سلوكه حدود الصبر لدى أبويه ومعلمته، مما دفع أمه إلى التفكير بقتله مع أخويه، والانتحار تخلصاً من الضغط الذي عانته بسببه، غير أن أملاً جاء عن طريق طبيب نفسي اكتشف حالة الطفل وهو في سن العاشرة، حيث حوله إلى مدرسة خاصة، أنشئت لمعالجة المصابين بالعجز عن التعلم، فلم يكن الطفل متخلفاً عقلياً كما صدر الحكم عليه قبل اكتشاف حالته، بل استطاع أن يتعلم، وأن يضبط سلوكه كالأسـوياء من أقرانه، ووصل بعد سنوات ثلاث من الجد إلى مستواه الطبيعي، وتخرج من المدرسة الثانوية، ثم التحق بمعهد لدراسة علم المحاسبة.
إن العجز عن التعلم لا تتشابه أعراضه لدى مختلف الأفراد الذين يعانون منه، فهاهي الطفلة (ر.) تختلف في حالتها عن الطفل (ب.) فهي تعاني من صعوبة في القراءة، لأنها لا تميز الاختلافات بين حروف الهجاء.. والطفل (م.) يجيد القراءة، غير أنه لم يستطع أن يتعلم عملية الطرح في الحساب، إذ لا يستوعب مفهوم اختلاف قيمة العدد عن غيره، علماً بأنه في العاشرة من عمره.. ويعاني الطفل (ت.) من صعوبة في استعمال المقص في الروضة، فقد يكون تحكمه العضلي قابلاً للتحسن بما يتيح له تعلم الكتابة .
وتتبين مجموعة الأعراض الرئيسة في النقاط الآتية:
1- الانتباه ومستوى النشاط: يكون الطفل مفرط النشاط، دائب الحركة، أو يبدو سمـجاً غليظاً، ويهرع لاستطلاع كل حركة غريـبة بما يبدد انتباهه.
2- الحركة ونمو الإدراك: يكون الطفل أخرق في تصرفاته، فقد يرتطم بالأشياء، ويتعثر بالسجادة، وإناء الحليب، وقد يجد صعوبة في استعمال أفلام التلوين أو في الكتابة، أو في ارتداء قميصه، وقد يعاني من مشكلات إدراكية بصرية أو سمعية، ويضطرب الإدراك عند بعض الأطفال بالنسبة للاتجاهات: فوق، تحت، يمين، يسار، أمام، خلف.
3- اللغة ونمو الفكر: تترافق اللغة والفكر، ولابد لهما أن ينميا معاً عند الطفل العادي، لكن هذا الترافق يختل لدى الأطفال الذين يعانون من العجز عن التعلم، بسبب معاناتهم من مشكلات إدراكية سمعية، ويبرز لديهم اضطراب في النطق، وينتقل الأمر إلى التجريد الذي يحتاج إلى ارتباط المفردة بالمفهوم، وبالتالي القدرة على الاستنتاج و الاستدلال.
4- النمو الانفعالي والاجتماعي: لا يمكننا حصر أنواع المشكلات الانفعالية وتباينها، ويتعرض الطفل العاجز عن التعلم عادة إلى تحديات تفوق قدراته، فهو قد لا يحسن الجري أو الإمساك بالكرة، أو فهم موضوع اللعبة، فينكشف عجزه أمام أقرانه، ونتيجة لذلك قد تتحطم «الأنا الداخلية» للطفل، فيصبح فريسة للتوتر، ومن ثم قد يحاول تغطية عجزه بالصخب أو الجدل العقيم، مما يتسبب في عدم توافقه مع المجتمع، فضلاً عن اضطراباته النفسية.
من كل ما سبق يصبح ضرورياً أن يكون هناك دور حيوي للاختصاصي النفسي الذي يقوِّم القدرة العقلية للطفل العاجز عن التعلم، وذلك عن طريق اختبارات مقننة، متعددة الجوانب، لفظية وغير لفظية، كما يبحث عن جود المشكلات الانفعالية والاجتماعية وطبيعتها، ويرشد الأبوين والمعلمات لاتخاذ ما يرونه صالحاً لتحسين وضعه.. وثمة مختصون آخرون يسعون لتقويم مدى تقدمه ولتعديل خطط علاجه، ويكون هؤلاء مختصين في التربية الخاصة، وهم الإخصائي النفسي، واختصاصي السمع (وليس الأذن)، والأخير يستخدم أجهزة متقدمة لمعرفة كيف تكون الترجمة الداخلية للسمع لدى الطفل.
أما المدرسة فإن لها دورها في إعداد الطفل لمرحلة الرشاد وتنظيم تحصيله، إذ قد لا تكون صفوف المدرسة النظامية مكاناً مناسباً لعلاج الحالة، ولعل في تطبيق نظام المعلمة المتنقلة، واستخدام غرفة المصادر، فائدة لعلاج حالات العجز الطفيف عن التعلم، وخير ما نجده تلك النصائح التي تقدمها الدكتورة «إيليس تومسون» لمعلمة مثل ذلك الطفل، إذ تقول: «جربوا الإصرار، جربوا الاستقلال، وجربوا تصميم مستوى الصعوبة حسب حالة كل طفل، جربوا أي شيء، عدا الازدراء و التوبيخ».. كما أنها تستصرخ المعلمين والمعلمات قائلة: «حسنوا التعليم يتحسن السلوك القويم».
لكن هل هناك صلة بين العجز عن التعلم وجنوح الأحداث؟
يعتقد بعض العلماء بوجود هذه العلاقة، دون سند علمي، غير أنهم يدعون لاستقراء بعض إشاراتها، فثمة طفل يعجز عن ضبط نفسه، وآخر يحاول استخدام سكينة ضد من وصفه «بالتخلف»، والطفل الجانح يكون قد أخفق على الأغلب في القراءة، فلا يفهم بالتالي الكثير من المدلولات مما يعرضه إلى مردودات سلبية. فالمدارس تفرز إلى الشوارع هذا النوع من المخفقين الذين يكونون ضحايا، بأشكال مختلفة، لعدم النضج بما قد يقودهم إلى الجنوح.
ويؤكد العلماء على ضرورة رعاية الأم الحامل من الناحيتين الغذائية والطبية، ورعاية جميع المواليد حتى نهاية السنة الأولى من أعمارهم، حيث إن هذا يؤدي إلى تخفيض نسبة ما يعرف بمرض المخ الذي قد يتسبب في العجز - إلى العشر- وهم يدعون إلى مساعدة الأطفال بتقصي أسباب الجنوح، لضمان أن يعيشوا بهدوء وسلام من خلال فهم الأسباب التي تقودهم إلى الجنوح، وبذلك يمكننا أن نجعلهم مواطنين صالحين ومنتجين.
من ناحية أخرى فإننا كثيراً ما نسمع قصصاً عن نوابغ أبطالها من الأطفال الذين لم تتعد أعمارهم أصابع اليد الواحدة أحياناً، فعلى سبيل المثال اشتهر طفل برازيلي لم يتعد من العمر الرابعة التحدث بتسع لغات، وغير ذلك من نماذج مشرفة في عالم الطفولة البريء.. فهل يرجع ذلك إلى نبوغ هـؤلاء الأطفال أم إلى تشجيع الآباء واهتمامهم الزائد بـهم، أم هو نتيجة التحاقهم مبكراً بالمدرسة واهتمام مدرسيهم بهم، أم أن هناك عوامل أخرى مساعدة ؟
ونتيجة لهذه التساؤلات العديدة، ومن أجل جيل أفضل، انتشرت أخيراً نظرية جديدة عكس النظرية السائدة التي تحدثنا عنها منذ قليل، هذه النظرية الجديدة تقول: لماذا ننتظر ثلاث أو أربع سنوات ثم نبدأ في تعليم أطفالنا؟.. صاحب هذه النظرية هو د.«جلين دومان» الذي ألف كتاباً عن التعليم المبكر للأطفال، وقد ترجم إلى لغات عدة، ونظراً للفكرة الجديدة التي ينادي بها الكتاب فقد دفع عدداً كبيراً من الآباء إلى اقتنائه.
بدأ د. «دومان» في تطبيق نظريته عملياً، وذلك بأن افتتح مدرسة في مدينة فيلاديلفيا أطلق عليها اسـم (من أجل أطفال أفضل)، وسـرعان ما افتتح فروعاً أخرى في مدينتي هيوستون، ولوس انجلوس، ويتم الآن إنشاء مدرسـة مماثلة في واشـنطن، وتنقسم الدراسة في هذه المدارس إلى نوعين:
النوع الأول: عبارة عن مناهج لتعليم الآباء والأمهات وسائل التعليم المبكر لأطفالهم، ويستمر المنهج حوالي أسبوع، مما يدفع الآباء والأمهات إلى تطبيق هذه الوسائل لتعليم أطفالهم في المنـزل منذ مراحل حياتهم الأولى، ويمكن الحصول على هذه الدورات التدريبية مسجلة على شرائط فيديو.
وهنا لابد من التساؤل عما يمكن تطبيقه من هذه النظرية الجديدة في بلادنا وعن مدى نجاحها في إبراز واستغلال طاقات الطفل، وإمكانياته التي قال عنها بعض علماء النفس: إنها بلا حدود، ومعرفة ما إذا كان التعليم المبكر يحرم الطفولة متعتها وتلقائيتها، وعن أثر التعليم المبكر في خلق جيل من العباقرة، وعما إذا كان تعليم اللغات الأجنبية للطفل في سن مبكرة مفيد له أم مضر، خاصة وأن الآراء حول القضية تتناقض إذ أن هناك من يعتبر الطفل قادراً على الاستيعاب في سن مبكرة، في حين يرى آخرون أن عقل الطفل عاجز عن استيعاب ما لا طاقة له على استيعابه.
إن التطور الديناميكي للذكاء في الأطفال طبقاً لتقسيم العالم النفسي السويسري «جين بيوجيب»، يمر بأربع مراحل متتالية، تعتمد كل منها على المرحلة السابقة لها، ويختلف معدل تطور تفكير الطفل وذكائه خلال هذه المراحل الأربع حسب عوامل التركيب الوراثي للطفل والبيئة المحيطة به.
فالمرحلة الأولى، وهي المرحلة الحسية الحركية تبدأ من لحظة الولادة وحتى سن العامين، ففي هذه المرحلة يبدأ الطفل في تحويل الانعكاسات الحركية البدائية - كمحاولة وضع الأشياء في الفم وامتصاصها - على أفعال هادفة لمعرفة طبيعة هذه الأشياء وتصنيفها إلى أشياء قابلة أو غير قابلة للامتصاص، وهكذا.. وخلال هذه المرحلة أيضاً يبدأ الطفل في تكوين المعاني للأشياء المحيطة به، ومعرفة أن هذه الأشياء موجودة ومنفصلة عن جسمه؛ وينمو هذا التفكير لدى الطفل بنمو قدراته الحسية و الحركية، فيبدأ في تكوين رابطة بين حاستي البصر واللمس. وفي نهاية العام الثاني من عمره يكون العالم الخارجي المحيط به - سواء الأشخاص أو الأشياء - معروفاً لديه إلى حد كبير، وفي هذه المرحلة العمرية يستطيع الطفل التعرف على الأشياء حتى إذا نقلت من مكانها المعتاد.
وبالنسبة للمرحلة الثانية، فتبدأ في نهاية السنة الثانية حتى الخامسة، وهي المرحلة التي يتعين على الطفل أن يلعب فيها بكل مشاعره، فباللعب يبني شخصيته وينمو عقله.
وبالنسبة للمرحلة الثالـثة، التي تبدأ في نـهاية السـنة الخامسـة أو بداية السادسة وحتى سن الحادية عشرة، فإنها تتميز أساساً بتطور العمليات العقلية التي تبنى على المنطق ومعرفة الأرقام والعلاقات الحسابية المختلفة.
أما بالنسبة للمرحلة الرابعة، والأخيرة فهي تبدأ من سن الثانية عشرة وحتى سن النضوج، التي يطلق عليها مرحلة المراهقة، وهي تتميز بالمقدرة على التصور وسعة الخيال والتفكير المنطقي، والتفرقة بين ما هو مثالي وما هو واقعي، وأيضا المقدرة على نقد الذات.
وهناك حقيقة علمية ربما تتوه عن أذهان بعض الآباء، وهي أن الحركة البسيطة التي يقوم بها الطفل بعد ولادته تساعد على نموه الجسماني، وبمرور الأيام وزيادة حركته واشتغاله باللعب الملائمة لعمره تتنبه مراكز معينة في المخ لتزيد من إفراز الهرمون الخاص بنمو وتطور الجسم، بينما يقل حجم ونمو الطفل الخامل.. أما بالنسبة للنضج العصبي للطفل، فإن بعض أجزاء من جهازه العصبي لا يكتمل نموها إلا خلال العامين الأولين من العمر، فباللعب أيضاً تقوى عضلات الصغير وتتناسق حركة أطرافه.
إذن فاللعب من أهم الوسائل التي يعرف الطفل من خلالها العالم من حوله وينمي علاقته بالآخرين، كما أن الأطفال الذين يمارسون اللعب في وقت مبكر يكونون اجتماعيين وأكثر قابلية لحل مشاكلهم بأنفسهم، ويكونون أكثر قدرة على التركيز، فقد أتاح اللعب لحواسهم فرصة للتدريب الحقيقي والسليم.. أما بالنسبة للتعليم المبكر، فإنه يعتقد أن أفضل وسيلة لتعليم الطفل مبكراً هو إيهامه بأن المسألة كلها «لعبة مثيرة» يستمتع بها ويقدم عليها، فبإمكان الأم أن تعلم طفلها الذي يبلغ من العمر سنتين القراءة، وذلك بالنظر إلى الصورة المرافقة للكلام، فطبيعة المخ البشري تسمح للطفل خلال السنوات الست الأولى من عمره باستيعاب الحقائق بمعدل مذهل.
أما بالنسبة لمقدرة الطفل على تعلم اللغات الأجنبية فهي مقدرة فائقة خاصة إذا تعلمها في سن مبكرة، مما يزيد من إتقانه لها، فكلما تأخر في تعلمها زادت صعوبتها.
وأفضل سن لتلقي الصغير لغة إضافية إلى جانب لغته الأصلية هو الثانية من العمر، وذلك أيضاً عن طريق اللعب، فالطفل الذي تهتم به أمه وتعلمه في مرحلة ما قبل المدرسة وتستعين بوسائل الإيضاح في تعليمه بتفوق على زملائه في الدراسـة، كما تزيد نسـبة ذكائه، كما أن تعميم الدراسة السمعية البصرية في جميع المدارس وتطبيقها على الأطفال من سن السادسة خطوة مهمة، لثبوت نجاحها في الكثير من المدارس، وذلك لما تقوم به هذه الطريقة من تأكيد المعلومة عن طريق الصوت و الصورة.
ولكي تتضح الصورة أمامنا لابد من ذكر مراحل تطور هذا المجال، التي يمكن تقسيمها طبقاً للطابع السائد في كل مرحلة إلى أربع مراحل رئيسة:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة التأسيس، وتتسم بالبحوث الطبية خاصة في المخ وعمله و العوامل المؤثرة في أدائه الوظيفي بالتركيز على حالات ضعف أو عدم القدرة على القراءة، ومن بين الأطباء من صمم برامج تربوية تعليمية لمن يعاني من تلك المشكلة مثل "هنشلود" الذي أطلق على هذه الحالة «عمى الكلمة».
المرحلة الثانية: مرحلة التحول أو التغيير في الاتجاه، التي صممت فيها أساليب للتشخيص من أجل التعليم، وكذلك وضعت فيها برامج التعليم الخاصة بمثل هؤلاء الأفراد.
المرحلة الثالثة: مرحلة النمو السريع و الواسع للبرامج المتخصصة، ومع بداية هذه المرحلة، في عام 1963م، تم إعطاؤها الاسم الرسمي: «صعوبات التعلم»، وفي هذه المرحلة كثفت البحوث العلمية التي تهدف إلى كشف طبيعة وأبعاد المشكلة وتصميم البرامج التربوية على أسس عملية التعلم ومواجهة "صعوبات التعلم".
المرحلة الرابعة: المرحلة المعاصرة، من 1980م وحتى الآن، التي تتصف بالاتجاهات الحديثة في تربية وتعليم من يواجهون «صعوبات التعلم» في جميع المراحل المبكرة إلى ما فوق الجامعية.
كما اتسع الاهتمام ليتعدى النواحي الأكاديمية إلى النواحي النفسية والوجدانية والاجتماعية للفرد، سواء أثناء التعليم أو في مجالات الحياة الأخرى، كما أن التقنية المتطورة قد وظفت في مجالات تربية وتعليم من يعانون من «صعوبات التعلم» في مجالات الدراسة والعمل. وظهرت في هذه الفترة الاستراتيجيات والأساليب المتخصصة والمجربة عملياً وذات القاعدة العلمية الراسخة.
وعليه، أصبح المجال يعرف بمجال «صعوبات التعلم»، والمصطلح يشير إلى تلك الظاهرة، التي تبدو على بعض الأفراد رغم تمتـعهم بذكاء عادي أو فوق العادي، ورغم سلامة أدوات التعليم المعروفة كالسمع والبصر واللمس، ورغم وجود المعلم والكتاب وسلامة العواطف والسلوك.
أما «بطء التعلم» فهو مصطلح جاء عارضاً نتيجة لجهود علمية حاولت تفسير ظاهرة «صعوبة التعلم». فمن المعروف أن التعليم يبنى على أسس علمية نظرية مثل النظرية السلوكية ونظرية النمو، على سبيل المثال لا الحصر، فمن العلماء من اتخذ من نظرية النمو قاعدة أساسية لبحوثه العلمية، وعليه فسر ظاهرة تخلف التحصيل الدراسي على أنها ناتجة عن قصور في نمو ناحية أو أكثر من نواحي النمو الضرورية لمهارات التعلم، وعلى ذلك فإن الوقت عامل مهم.. وبمرور الوقت، وقد قدره بعضهم بسنتين، تنمو مهارات الاستعداد للتعلم وتنحل المشكلة . وأطلقوا على الحالة «بطء التعلم» وعلى التلاميذ «بطيئي التعلم».
ولحل هذه المشكلة سارع أولياء الأمور والأطباء، وعلماء النفس، وعلماء التربية، والتربويون، في أواخر الستينيات الميلادية وأوائل السبعينيات إلى تصميم البرامج والأساليب التي تأخذ فكرة تأخر النمو هذه بعين الاعتبار، ولكن سرعان ما اتضح للجميع أن «صعوبات التعلم» أمر أكثر وأعمق من كونه مجرد تأخر في النمو ينتج عنه بطء في التعلم. ولكثرة انتشار ذلك في الكتب التربوية والنفسية المنشورة في ذلك الوقت، بقي المصطلح عالقاً في أذهان كثير ممن تلقوا تعليمهم في ذلك الوقت ثم انقطعوا من حينها عن متابعة تطور الدراسات في هذا المجال.
وفي عام 1984م، قام العالم المشهور، في مجال التربية الخاصة «كيرك» بتأليف كتاب بالاشتراك مع «كالفنت» أسمياه «صعوبات التعلم النمائية والأكاديمية»، وهو يعد من الكتب الكلاسيكية في هذا الحقل، شرحاً فيه طبيعة الصعوبات التي يواجهها الأطفال قبل وأثناء المرحلة الأكاديمية.
أما عن مدى انتشار «صعوبات التعلم» بين الطلبة فإن الإحصاءات من أمريكا تدل على أن ما يقرب من 5 % من الطلاب يعانون من هذه المشكلة. ولا تقتصر على مرحلة دون أخرى، فالمشكلة حياتية تلازم الفرد طوال حياته، ولكن مع التدخل التربوي المتخصص يمكن للفرد أن ينال أعلى الشهادات رغم وجود المشكلة.
إن مشكلة «صعوبات التعلم» لا تقتصر على الشخص الذي يعاني منها مباشرة، بل يمتد أثرها إلى الأسرة والمعلمين وكل من يهمه شأن ذلك الفرد. فعلى الرغم من أن الفرد هو الذي يواجه المشكلة مباشرة، وتؤثر على حالته النفسية وعلى وضعه الاجتماعي، إلا أن أولياء الأمور يعيـشون في ألم وقلق وحيـرة خاصة في البلدان التي لا تقدم فيها الخدمات المتطورة لمثل هؤلاء الأبناء. أما المعلمون فينقسمون إلى أقسام، فمنهم المعلم الواعي والحريص على مصلحة طلابه، الذي يعيش في حيرة من أمره، فهو يعرف أن قصور تحصيل التلميذ لا يعود إلى إهماله أو إهمال أسرته ولكنه مرتبط بأمر آخر. وهناك المعلم الذي يعزو الأمر وبكل بساطة إلى الإهمال، وكفى، فيريح باله ويخرج من حيرته.
ومن حيث تدرج «صعوبات التعلم»، فإنها تتدرج من حالات بسيطة إلى حالات شديدة. فبينما نجد أن بعض الأطفال يجد صعوبة في القراءة، وما يتعلق بها من مهارات، إلا أنه لا يعاني بنفس الدرجة من الصعوبات في الحساب والرياضيات. وهناك بعض آخر يعاني من «صعوبات التعلم» في جميع المواد، وربما أيضاً في المهارات الاجتماعية، وهذه الحالة تتصف بالشدة والصعوبة.
اكتشاف صعوبات التعلم:
ليس من الصعب على أولياء الأمور والمدرسة "المعلمين" أن يلاحظوا خللاً في سير الطفل في الدراسة، ولكن ليس من السهولة بمكان تحديد ماهية وأبعاد المشكلة. وهنا يأتي دور ما يعرف في التربية الخاصة بالتشخيص، أي محاولة معرفة مصدر وطبيعة وحجم المشكلة التي جعلت الطفل لا يسير في تعلمه كالمتوقع. فالتشخيص إذاً عملية دقيقة يقوم بها مختص مدرب يعرف ما يشاهده من مظاهر للمشكلة، وكيف يفسر تلك المظاهر، ويفرق بين صعوبات التعلم وغيرها من المشكلات الأخرى، التي قد تعيق سير الدراسة لدى التلاميذ، ويعرف متى يحيل الطفل إلى أخصائيين آخرين إذا لزم الأمر. فالأصل في التشخيص المتكامل أنه عمل فريق متنوع التخصصات.
ولا ننسى أن الغرض الأساس من التشخيص هو وضع برامج تربوية تقوم على أسس علمية صحيحة تستفيد من نقاط القوة لدى الطفل في محاولة تلبية احتياجاته عن طريق توظيف الأساليب والاستراتيجيات التدريسية والتعليمية، مع الأخذ بعين الاعتبار احتياجاته غير الأكاديمية كالنفسية والوجدانية. ويجب أن يشمل التشخيص دراسة دقيقة ومتمعنة لأعمال الطفل المدرسية والأعمال التي يقدمها، وكذلك مقابلة التلميذ بصورة شخصية ومناقشته لمعرفة أنماط الأخطاء وأنواعها وكمياتها وأسبابها.
فعلى الرغم من أن بعض الأخطاء معروفة السبب، لمجرد رؤيته والتأمل فيه،