جميلة بوحيرد
يعتبر حي القصبة بموقعه و معالمه و هندسته شاهدا على ذاكرة الأمة و تاريخ الشعب الجزائري لإحتوائه أكبر تجمع عمراني لمباني يعود تاريخ بنائها الى العهد التركي ، و منها : قصر " مصطفى باشا " و قصر " دار الصوف " و قصر "دار القادوس"و قصر " سيدي عبد الرحمان" و " دار عزيزة بنت السلطان" و قصر " دار الحمرة " الذي تحول الى دار للثقافة الى جانب قصر "أحمد باي "الذي يستغله المسرح الوطني ، و عُرف الحي إبان ثورة التحرير بالحي المُشتبه فيه دائما من طرف المُستعمر نظرا لأنه كان مخبئا جيدا للثوار و المُجاهدين لسهولة الإختفاء في بعض المباني القديمة ، ومن ثمة عرف حي القصبة حكاية شعب إبان الثورة التحريرية حيث كتبت بحروف من الدم حكاية الثوار و المناضلين الجزائريين و الشهداء مثل زيغود يوسف ،و محمد بومنجل ، و العربي بن المهيدي، و فاطمة زرداني ، و ديدوش مراد و شلغوم العيد.
في احدى بيوت هذا الحي وُلدت جميلة بوحيرد يوم 09 يونيو (جوان )1935، و نشأت في أسرة متماسكة جدا ، والدتها السيدة " بية " رحمها الله تونسية الأصل من مدينة صفاقس التونسية الجنوبية ، و تحديدا من عائلة بوعكاز الرقيق و هو ولي صالح ، لذلك كانت جميلة تقول دوما : التونسيون " أخوالي".
أما والدها فهو السيد عمر بوحيرد أصيل المدينة الساحلية " جيجل" (259 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة) ،كانت تربُطها علاقة مذهلة مع والدها و مع عالمه : فقد كان رجلا رياضيا في تفكيره و في تصرفاته و نموذجا للرجل الواعي المثقف و الثائر المحب لوطنه ، كان يذهلها كما تقول و هو يتلاعب بمعاني الكالمات ، عبره وعت الحب و الوطن و الثورة و النضال ، قصدت المدرسة قبل أن تتم عامها السادس ، كان التلاميذ يرددون في طابور الصباح " فرنسا أمنا " لكن الطفلة جميلة بوحيرد كانت تصرخ و تقول : " جزائر أمنا " ، يومها أخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من الطابور و عاقبها عقابا شديدا لكنها لم تتراجع.
كانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها ، أنجبت والدتها سبعة شبان توقي منهم إثنان وبقي منهم : (نورالدين ، إلياس ، هادي ، عزيز ، نادر ) ، واصلت تعليمها في مدرسة "الأنديجين"( الأهالي )و لأنها كانت تعشق الأناقة و تصاميم الأزياء التحقت بمعهد الخياطة و التفصيل " بسوسطارة "الجزائرية و لولا الثورة كما تقول " لكنتُ كوكو شانيل الجزائر ".
والدها رحمه الله و منذ كان عمرها أربع سنوات زرع فيها حبه المعنوي و المادي للرياضة ، مارست الرقص الكلاسكي لعدة سنوات ، و كانت بارعة في ركوب الخيل الى أن أندلعت الثورة الجزائرية .
كأي فتاة جزائرية كان يسكنها الحب الكبير فأصرت على أن تمد جذورها في تربة وطنها ، و شجعها على ذلك عمها " مصطفى بوحيرد " فأنضمت الى جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الإحتلال الفرنسي و هي في العشرين من عمرها ، عملت في البداية كأمينة سر "لعبان رمضان " و نظرا لشجاعتها الكبيرة إلتحقت بصفوف الفدائيين في مجموعة " ياسف سعدي " و كانت أول المتطوعات للموت بزرعها القنابل في طريق الإستعمار الفرنسي ، بالتنسيق مع زميلة الكفاح " جميلة بوعزة "التي كانت تسلمها القنابل فتقوم بتفجيرها كما حدث في 09 نوفمبر 1957 بنهج ميشلي -شارع ديدوش مراد حاليا - ، و في 26 يناير 1957 بحانة كوك هاردي . و نتيجة لبطولتها أصبحت المطاردة رقم واحد ، كما كانت السكرتيرة الخاصة بل و الذراع الأيمن لياسف سعدي الذي إرتبك كثيرا و تشتت صفوفه عندما أُلقي القبض عليها يوم 09 أبريل 1957 بشارع سيفنكس عندما سقطت على الأرض تنزف دما بعد إصابتها برصاصة في الكتف و ألقي القبض عليها ، و بدأت رحلتها مع العذاب من 9 إلى 26 أبريل 1957 ، و أي عذاب ؟؟؟
****************** :