ُأسقط في يده..... إذ لم تُجدِ نفعاً كُل الخطط - التي أعدها ونفذها في سبيل الخلاص
من مكائد وشرور مديره في العمل - فهو رجلٌ غليظ الطباع - عصبي المزاج
مُعجب بنفسه أشد الإعجاب - واثق منها حتى الغرور - وكان لسوء حال زوجته
المريضة - و بطون أولاده الجائعة - بالغ الأثرٍ في توكيد إحساسه باليأس والعجز
أمام جبروته - و حمله الخوف من الغرق في مستنقع البطالة المقيت إلى الإذعان
والرضوخ لأوامره الجائرة - ومضت الأيام وهو في همٍ وحزنٍ - وقلق و وهن
إذ كيف السبيل إلى الخلاص من أسره. وذات ليلة، اهتدى إلى فكرة أتته في ساعة تفكيرٍ
مُضنٍ - وبادر يحيك خيوطها بعناية وتدبر- تذكر موهبته في الشعر - بعد أن حباه الله
برهافة الحس و وجودة التعبير عن دُرر العقل من حكمةٍ وفكر و خلجاتِ القلوب
من حبٍ وخوف ومكنونات النفس من قبح وجمال. انتظر بفارغ الصبر يوم عيد ميلاد
المدير - وفي اليوم الموعود - أرسل إلى منزله باقة زهور جميلة - وهدية ثمينة
قد استدان ثمنها - وظرفا أنيقا وضع بداخله - رسالة نظم فيها قصيدة عصماء
تتقاطر من أبياتها كلمات المديح والثناء - جاعلاً منه رجل الزمان - وصاحب القول الفصل،
وانتظر الغد بفارغ الصبر- وكوابيس النهار القادم تلعب لعبتها في عقله. وفي الصباح،
فوجىء بحاجب المدير - يدخل غرفته و يسارع إلى إعطائه قراراً إدارياً. تسارعت دقات
قلبه.. اعتقد للوهلة الأولى- أن المدير قد غضب من فعلته بالأمس - و أن عقوبة جسيمة
بانتظاره. التهم كلماتها بسرعة البرق - وما أن قرأ قرار تعيينه في منصبٍ رفيع في المؤسسة
حتى تنفس الصعداء - و ارتمى إلى أقرب كرسي إليه و كأنما يستريح من عناء سفر شاق طويل،
وابتسم بتهكم حين قرأ على هامش القرار حكمة صغيرة تقول "أن تصل متاخراً خير من أن لا تصل أبدا"،
ثم شكر الحاجب واضعاً في جيبه بعض ما يملك - مُبدياً سعادته وغبطته بهذه المكرمة الكبيرة.
وما أن غادر الحاجب المكان - حتى أمسك بورقة القرار بيدٍ نعتت برجفتها أخلاق صاحبها،
فلم يعهد نفسه من قبل مُنافقاً أو مُداهناً - أو من المتقربين من الباطل زُلفى .. تملكه الشعور
بأن الثمن الذي دفعه لقاء تلك المكرمة قد كان باهظاً ومؤلماً - كيف بوسعه أن يسرد
على مسامع أطفاله حكايا يُمسك أبطالها براية الحق بقوة - دفاعاً عن الفضيلة -غير عابئين
بقوى الشر الحاقدة؟ بدأ يتحسس رائحة الخذلان تفوح من صندوق حكاياه النبيلة، فدمعت عيناه بحرقة و أسى - و أمسك بورقة جديدة - وكتب على رأس الصفحة....خيانةُ قلم