بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم
إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
القرآن الكريم وما صحّ من
السنة منهج كامل يقتضي أن تنفذ بنوده كلها:
أيها الأخوة الكرام، مع درس
جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا آية اليوم:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ(105) ﴾
( سورة المائدة
)
هذه الآية يشم منها أنه في
بعض الظروف عليك أن تهتم بنفسك فقط ودع عنك أمر العامة، الدعوة إلى الله قبل أن
نتابع الحديث عن هذه الآية لابدّ من حقائق نضعها بين أيديكم، الحقيقة الأولى هؤلاء
اليهود الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض إيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعضهم
الآخر سبب هلاكهم، يجب أن نعتقد أيها الأخوة أن القرآن الكريم وما صحّ من السنة
منهج كامل، هذا المنهج يقتضي أن تنفذ بنوده كلها، وكل أمر في القرآن الكريم وفي
السنة الصحيحة يقتضي الوجوب، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
( سورة النحل الآية: 125
)
هذا أمر يقتضي
الوجوب.
الدعوة إلى الله فرض عين في
حدود ما تعرف ومع من تعرف:
أنت لماذا تصلي ؟ لأن الله
أمرك بالصلاة وهذا أمر آخر، فبينما أن تفهم الدين خمس عبادات شعائرية، وبين أن تفهم
الدين عشرات ألوف الأوامر المتنوعة الشمولية التي تدور معك في كل حياتك بدءاًً من
فراش الزوجية وانتهاءً بالعلاقات الدولية، الحقيقة الأولى أن الدعوة إلى الله فرض
عين، الصلاة فرض عين أما صلاة الجنازة فرض كفاية إذا صلى البعض على هذا الميت
الآخرون ليسوا مكلفين، الدعوة إلى الله فرض عين لولا الدليل لقال من شاء ما شاء،
الدليل قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ
الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
( سورة العصر )
التواصي بالحق هو كالدعوة
إلى الله فرض عين، ربع النجاة التواصي بالحق.
اتباع رسول الله يقتضي أن
تدعو الناس على بصيرة:
لا تنجو إلا بأربعة أشياء
أن تتعرف على الله، وأن تطبق منهجه، وأن تدعو إليه، وأن تصبر على معرفته، وتطبيق
أمره، والدعوة إليه، آية ثانية:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
( سورة النحل الآية: 125
)
آية ثالثة:
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي
﴾
( سورة يوسف الآية: 108
)
فالذي لا يدعو إلى الله على
بصيرة قطعاً ليس متبعاً لرسول الله ولأنه لا يتبع رسول الله هو لا يحب الله
والدليل:
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ
تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
( سورة آل عمران الآية: 31
)
أول دليل، الثاني، الثالث
من كتاب الله.
الدعوة
إلى الله فرض عين ولكن الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعرف ومع من تعرف، مع من
تعرف أهلك، أولادك، أخوتك، أخواتك، أعمامك، أخوالك، زملاؤك، جيرانك، أهل حيك، رواد
مسجدك، مع من تعرف وفي حدود ما تعلم، سمعت تفسير حديث فقط هذا الذي
سمعته:
(( بلغوا عني ولو آية
))
[ أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو ]
فالدعوة إلى الله فرض عين
على كل مسلم بدون استثناء.
أنواع الجهاد:
الآن: ومن لم يجاهد أو يحدث
نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق، والجهاد أنواع:
1 – جهاد النفس والهوى:
جهاد النفس
والهوى.
2 ـ الجهاد الدعوي:
هناك جهاد
الدعوي:
﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ
جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
( سورة الفرقان
)
أن تعلم الناس القرآن، أن
تعلم الناس سنة النبي العدنان، إذاً أتمنى أن تقنعوا معي أن كل واحد منكم مكلف
بالدعوة إلى الله لكن في حدود ما يعلم، سمعت خطبة، سمعت تفسير آية، تفسير حديث، لست
مكلفاً فوق ذلك، كدعوة هي فرض عين على كل مسلم ومع من تعرف، ولكن إذا قال الله عز
وجل:
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 104
)
هنا من للتبعيض، أي بعضكم
أن يتفرغوا، وأن يتعمقوا، وأن يبدعوا ويتمكنوا من إيضاح أية قضية في الدين والرد
على أية شبهة، هذه دعوة من نوع فرض الكفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، هذه
مهمة كبار العلماء.
الدعوة إلى الله فرض عين
على المسلم وفرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل:
إذاً هناك دعوة إلى الله
كفرض عين، يعني أنت لما تتأثر تأثراً بالغاً بدرس وتأخذ الشريط تقدمه لصديقك هذه
دعوة، ليس شرطاً أن تحدثه أنت، لو أتيت به إلى المسجد هذه دعوة، لو أسمعته شريطاً
هذه دعوة، لو قدمت له كتيباً صغيراً تأثرت به دعوة، لو حاورته هذه دعوة، لو خدمته
تمهيداً لامتلاك قلبه هذه دعوة، فالدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية، فرض عين على
كل مسلم وفرض كفاية إذا قام بعض المسلمين بالتبحر، والتعمق، والتفرغ، ومتابعة
العلم، حتى أصبحوا مراجع للدين أفتوا وبينوا ووضحوا وعززوا وما إلى ذلك.
إذاً هناك دعوة إلى الله تعد
فرضاً عينياً وهناك دعوة إلى الله تعد فرضاً كفائياً.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ:
آية لها معنيان:
1ـ على الإنسان أن يحمل نفسه على معرفة الله و طاعته والدعوة إليه
والجهاد في سبيله:
الآن في ضوء هذه المقدمة
نقرأ هذه الآية:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ(105) ﴾
( سورة المائدة
)
هذه الآية قد تفهم فهماً
خاصاً:
عن قيس ابن أبي
حازم رحمه الله قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: " يا أيها الناس إنكم تقرؤون
هذه الآية وتضعونها على غير موضعها عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم، وإنا
سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على
يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب
"
[ سنن أبي داود عن قيس بن أبي حازم
]
عليكم أنفسكم أي اهتموا
بأنفسكم، عرفوها بربها، احملوها على طاعة، احملوها على الجهاد في سبيله، هذه الآية
من معانيها أن تحمل نفسك على معرفة الله، وعلى طاعته، وعلى الجهاد في سبيله،
والجهاد أنواع، جهاد نفسي جهاد النفس والهوى، وجهاد دعوي:
﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ
جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
( سورة الفرقان
)
3 ـ الجهاد البنائي:
وجهاد بنائي، ابنِ نفسك،
طور اختصاصك، كن قوياً كن في خدمة المسلمين.
4 ـ الجهاد القتالي:
جهاد قتالي.
5 ـ الجهاد الإلكتروني:
والآن هناك جهاد خامس جهاد
إلكتروني، تدمير مواقع العدو.
من تسلح بالإيمان لن يستطيع
الضال أن ينال منه:
على كل الجهاد أنواع، إذاً
المعنى الأول احمل نفسك على معرفة الله، وعلى طاعته، وعلى الدعوة إليه، وعلى الجهاد
في سبيله:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ (105) ﴾
( سورة المائدة
)
فإن عرفتم نفسكم بربها،
وحملتم نفسكم على طاعته، لا يستطيع الأعداء أن ينالوا منكم:
﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (105) ﴾
( سورة المائدة
)
الضال ولو كان قوياً لا
يستطيع أن ينال منكم لأنكم تسلحتم بسلاح الإيمان والإيمان قوة:
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد )
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 10
)
متى لا يستطيع العدو أن
ينال منا ؟ إذا عرفنا ربنا، وطبقنا منهجه، وحملنا أنفسنا على مجاهدة النفس والهوى،
وعلى الدعوة إلى الله، وعلى بناء النفس، وعلى الإعداد للعدو، هذا المعنى
الأول.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
(105) ﴾
( سورة المائدة
)
2 ـ عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة إذا انتشر الفساد:
أيها الأخوة هذا معنى رائع
ومقبول ويأخذ الحد الأقصى، لكن معظم المسلمين إذا قرؤوا هذه الآية يفهمونها فهماً
آخر، فهماً يتعلق بآخر الزمان إذا عمّ الفساد في الأرض، إذا أصبحت المادة هي كل
شيء، أي:
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا
مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ
))
[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني]
شحاً مطاعاً، مادية مقيتة،
يبيع الواحد آخرته بالدنيا، يبيع دينه بدينا غيره، وهوى متبعاً، الجنس، شغل الناس
الشاغل، وإعجاب كل ذي رأي برأيه كبر وشهوة مسيطرة ومادية مقيتة هذه صفات آخر
الزمان، هذه صفات الناس في آخر الزمان، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا
يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
(( موت كقعاص الغنم
))
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح
]
تطهير عرقي لا يدري القاتل
لمَ يقتل، ولا المقتول فيما قُتل.