البحث عن "جميلة" Main_art_1568362


عزيزتي حواء... كُفِّي عن التحديق في المرآة "لبعض الوقت". عزيزي آدم… توقف عن التقليب في صفحات المجلات، أو مواقع الإنترنت؛ وتعالوا نشترك في هذه الأفكار والتساؤلات.
 هل أنا جميلة؟ سؤال يدور في ذهن كل امرأة، مهما كان عمرها، قد تُصِّرح به أو تكتمه، لكنه يشغلها كثيرًا!! هل هذه هي المرأة التي تزوجتها؟ لماذا لم أتزوج واحدة أجمل؟! خاطر يمر بذهن كل زوج مرة أو عدة مرات.
و"عندما يأتي المساء"... تحمل "حواء" هواجسها وقلقها، ويحمل "آدم" المقارنات التي يعقدها طوال الوقت بين زوجته والأخريات في العمل، أو في الصُّور.
 ويجلسان وجهًا لوجه!! الجمال والثقافة حكمنا على امرأة ما بأنها جميلة خاضع للثقافة التي نعيشها، ونعيش بها.
 والثقافة هنا ليست فقط القراءات، والخبرات، والصور، والأفكار، والتقاليد الاجتماعية؛ لكنها هذا كله، وربما زيادة. في الثقافة الغربية المعاصرة فإن الرافد اليوناني القديم يؤثر بشدة؛ وهذا الرافد ما زال يعيش عبر التماثيل الموجودة في الكنائس والمتاحف، وفيها نرى الجسد المثالي يتراوح طوله بين السبعة أقدام والثمانية.
كما نرى الوسط قصيرًا، والبطن محيطها متوسط الاعتدال، وبقية التفاصيل أنتم تعرفونها. ومع الوقت، وخاصة في القرن العشرين، تحركت مقاييس الجمال تجاه نحافة أكبر، وارتبطت هذه النحافة "الجديدة" بتحوّل هام في وضع المرأة في المجتمع من كونها أُمًا بالأساس؛ تكتسب أهميتها ومكانتها من خصوبتها وأمومتها، إلى كونها موضوعًا جنسيًا مثيرًا للشهوة، وباحثًا عن الإعجاب في عيون الرجال، أكثر من بحثه عن السعادة في عيون الأبناء الصغار "المزعجين"!! وارتبط تحرر المرأة من "قيود" الأسرة والأمومة بسيطرتها وتحكمها في جسدها وفي علاقاتها بالرجال من حولها، وارتبط هذا كله بالنحافة التي صارت عنوانًا للتحرر، وإثارة الرجال.
 وتوالت بعد ذلك آلاف الوسائل التي كرّست هذه الصورة الذهنية عن المرأة الجميلة، ونحن عندما نترجم كلمة Model إلى عارضة نغفل أن معناها الأصلي "نموذج"، لقد أصبح جسد العارضة أو ملكة الجمال، وما شابه هو عنوان الجمال، ومعياره المستقر في الأذهان، واستقر معه أن هذا الجسد هو الطريق للنجاح في العلاقات الاجتماعية والجنسية.
 السباق المجنون وفي إطار هذا انطلق "الماراثون"، ولم يتوقف، بحثًا عن هذا "الجمال" الأسطوري الذي نراه في الصور، ويُدير رؤوسنا وعقولنا طموحًا إليه.
وتنوَّعت السبل والوسائل للحصول على هذا الجسد الرشيق؛ بدءًا من أنظمة الغذاء والتغذية المنضبطة ببرنامج محدد يحسب السعرات، ويحدد الأنواع بحيث تساوي "الجسد الرشيق"، أو أصبح هو "الجسد الصحي"، ويتم السعي لهذا المثال رغم اختلاف قابليات الجسم وطبيعته من إنسان إلى آخر؛ سواء من ناحية ميله إلى البدانة أو النحافة، أو سُرعة أو بطء عمليات التمثيل الغذائي فيه.. إلخ.
 وانتشرت مع هذا السباق أمراض مصاحبة لأنماط غذائية غير متوازنة، وكلنا قد سمع عن أمراض مثل "البوليميا"، وهو المرض التي كانت الأميرة "ديانا" مُصابة به، وفيه يُصاب الإنسان بالشره، فيأكل كميات ضخمة من أنواع متعددة ثم يتقيَّأ كل ما أكله؛ ترجمة لخوف دفين - ربما - من السمنة!! وأمراض أخرى أُضافت إلى التشخيصات النفس/عضوية بابًا كاملاً يُسمى: اضطرابات الأكلEating disorders !! ورغم أن النسبة في حدوث هذه الأمراض ما زالت أكبر بكثير في الدول الأوربية وأمريكا، لكن الأعداد تتزايد في بقية أنحاء العالم..
والبركة في "العولمة" !! الرياضة .. ليست للجميع حتى الرياضة أصبحت وسيلة لاكتساب الجسد الرشيق/ الصحي، وانتشرت أنظمة التمارين، وكتب ومجلات التدريبات والرقصات Aerobics التي تساعد على التخسيس، واكتساب جسد جذاب، وقوام ممشوق.
ولا يعني رصدنا لهذه الظواهر والمتغيرات "عزيزتي حواء" أننا نشجع على نشر وتعميم هذه الأجساد "البرميلية" التي تسير في شوارعنا، وتتثاءب في بيوتنا!! كما لا نرى الخير في "كرش" السيد "آدم"، والذي تزداد استدارته وترهله مع العمر ! ! بل نحن ندعو إلى الرياضة من أجل الصحة، ومن أجل أن يكون الجسد سليمًا، ونعتقد أن هذه السلامة والعافية: اكتسابها والمحافظة عليها بالرياضة وغيرها تدخل تحت باب: "إن لبدنك عليك حقًا"،
 ما نستنكره هنا هو أن يكون السعي نحو نموذج معيَّن للجسد
-أو أن يكون الهدف الأسمى من الجسد السليم- أن يصبح مثيرًا للشهوة؛ رغم أن الشهوة في أصلها ليست حرامًا، وهي من الله، وليست من غيره، ودور الإنسان أن يضعها في الإطار المنضبط إذا كان ملتزمًا بدين أو خلق، لم يجبره أحد حين التزم به.
 إذن نريد الرياضة بالمعقول، وبنَيَّة أداء حق البدن. التجميل أم الجمال التجميل، في المفهوم الحديث، هو فن إبراز الجمال؛ فلا يكفي طبقًا للتصور الشائع اليوم في المجلات، وبرامج الدش، ومواقع الإنترنت، وأحاديث النساء أن الله قد خلق الشفاه بحمرة معينة، إنما ينبغي زيادة هذه الحُمرة بتغيير درجتها، أو ربما يمكن تغيير لونها إلى ألوان أخرى "أكثر إثارة"، ونفس الشيء يقال في الأظافر، والرموش، والجفون، وبشرة الوجه، والجسد، والوصفات كثيرة؛ منها ما يعود إلى الطبيعة بدهان "الزبادي" على الوجه، أو حمامات "اللبن" ، أو قناع "الخيار" ، ومنها ما يستخدم المستحضرات الكيميائية في إبراز الأنوثة، وإشعال النار في القلوب!! طبعًا نحن نرى أن استخدام هذه الأدوات والوسائل محكوم بالسياق المحيط: فالشارع والعمل ليس محلاً لاستعراض الإكسسوارات، وأنواع العطور، حتى لو كان الزملاء من النساء فقط. والبيت أيضًا ليس مجالاً للتنفيس عن كبت "عدم التبرج" في الشارع، فبعض المستحضرات ضار بالبشرة رغم شكله الجميل، وماركاته العالمية. الزينة المعقولة جميلة، والمعقولية نسبية، ولكن بالتأكيد أن ما نراه في العالم، وفي حياتنا وبيوتنا ليس معقولاً بأية مقاييس، خاصة في تطرفه حين تهمل المرأة زينتها، أو تبالغ فيها "مثل الأخريات". الموضة ..
 يا جاهل فكرة الموضة المتغيرة كل حين، الشاطحة في كل اتجاه، العارية أحيانًا، والغريبة أحيانًا أخرى. هذه الفكرة خرجت بالملابس عن وظيفتها الأولى؛ وهي ستر الجسم ووقايته من الحر أو البرد. وبالغت في وظيفة الزينة، وكون الملابس ميدانًا لاستعراض الثراء والمكانة الاجتماعية.
سؤال وجيه: فيما ينفق الرجال والنساء أموالهم إذا لم يشتروا الهدايا والمقتنيات النفيسة من عطور ، وملابس ، وتحف… إلخ، وكيف تكون الحياة بدون هذه "المتع" "والأشياء" الجميلة ؟! وأقول: الجمال أذواق … والشعور بالجمال في شيء أو شخص إدراك وثقافة … ثقافة.
 نعود إلى الموضة، وارتباطها بفكرة التغيير، نحن ندعو إلى التغيير بما يتناسب مع الإمكانيات الجسمانية والمادية، ولا نحب أن نرى جسدًا مترهلاً يحشر نفسه في ملابس ضيقة متجاهلاً حجمه!! وفي ظنه أن هذا سيكون جميلاً.
 الجميل هو المناسب، والتغيير من مناسب إلى مناسب آخر هو الذي ندعو إليه، والموضة عالم يمكن أن نأخذ منه بعض الأفكار المناسبة "إن وجدت". الجمال بأسرع طريق جراحات التجميل عالم يتضخم، ويتحدّى … أنه بالمشرط وشعاع الليزر يمكنه أن يحيل العجوز شابة في العشرينات، ويخفى "العيوب" أو يزيلها، وفي "الماراثون" يطرح نفسه بقوة على أنه الأسرع والأسهل والأكثر فاعلية.
 "باميلا أندرسون" ممثلة أمريكية شهيرة كانت مضرب المثل في الجمال بصدرها، رغم أن بقية مقاييس جسدها ليست مثالية، وكان الناس جميعًا يعرفون أن هذا الصدر ليس طبيعيًا، ولكنه مَحْقُون بالسيليكون، وهي إحدى الطرق الجراحية لتجميل، وتكبير الصدر، وإكسابه الصلابة، وبعد فترة تعبت "باميلا" من السيليكون، وضحَّت بصدرها "الجميل" في سبيل صدرها الطبيعي الذي عادت إليه بجراحة أخرى. ولا ننصح بالتسرع أو التوسع في اللجوء إلى مثل هذه الجراحات، والاقتصار عليها في حالة وجود شكوى مرضية مُلحة، أو عيب شكلي فادح- هو الأولى.
 وهاجس الجمال والجاذبية له طرق كثيرة للتعبير عنه، والتعامل معه أهون من مبضع الجراح. ماذا يُريد الرجال ؟؟ في عدة دراسات أمريكية حديثة ظهر أن رغبات الرجال ربما تختلف عن تصورات النساء لها، وعن إلحاح الإعلام والإعلان.
ففي الوقت الذي تظن النساء أن الرجال يردن القوام النحيف فإن أغلب الرجال المبحوثين في هذه الدراسات أفادوا بأنهم يفضلون القوام المعتدل المتوازن بين النحافة والبدانة.
دراسة أخرى اختلفت فيها رغبات الرجال عن ظنون النساء حول الحجم المرغوب لصدر المرأة.
 ودراسة ثالثة أفاد فيها الرجال أنهم يجدون جمال العين وجاذبيتها وتفاعلها أهم من الخصر النحيل، أو السيقان الطويلة.. الخ. وطبعًا فإن هذه الأمور يمكن أن تتنوع من رجل إلى رجل في اختلاف تفضيلاته، أو ينبغي أن تتنوع، وألا تظل تصورات الرجال والنساء أسيرة لهذا النمط المعروض في الصور، إن هذا النمط ينبغي النظر إليه كاستثناء -ولهذا يظهر دون غيره ويتصدر- وتنويعه وسط أشكال وأنماط كثيرة للجمال. عشق البدن فانٍ في علاقات الحب الرومانسيّ لم يكن الجسد بهذه الأهمية "لماذا؟"
وفي عصور سابقة كان حضور الروح، والجمال الداخلي يتجلّى بوسائل كثيرة غير جمال الجسد. لماذا زادت أهمية الجسد كصورة للذات؟ لماذا يركز التصور المعاصر للإنسان على الجسد كميدان للصراعات الفكرية والاقتصادية بالتجميل والتعديل والشد والمستحضرات مع التعرية عند البعض، وبنفس المنظومة مع التغطية عند آخرين. هل هي المادية تتلاعب بعقول الجميع، وتؤثر عليهم، والجسد هو مادة أولاً وأخيرًا؟ هل يمكن استعادة الإنسان الذي هو جسد وأشياء أخرى كثيرة؟ هل يمكن استعادة الرومانسية، ولو بأشكال أخرى جديدة؟ أم إن طوفان الصور على شاشات التلفزيون والكمبيوتر، وصفحات المجلات وبرامج التخسيس، وداعيات الأزياء ستنتصر علينا ... على الإنسان!!