قال الله تعالى (( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )). لقد ابتلى الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بكلمات الطاعة بما فيها من أوامر ونواه فأتمهن بمعنى أتى الطاعات على وجهها الكامل فحاز بذلك جائزة الخلة حيث قال الله تعالى عنه : (( واتخذ الله إبراهيم خليلا )). وعندما نتأمل الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم الخليل عليه السلام نجد من ضمنها أمر الله له بمواجهة النمرود حاكم عصره الطاغية المكابر والمتجاسر على الله عز وجل ، وهو ابتلاء عظيم حيث خاطر إبراهيم الخليل بنفسه أمام هذا الطاغية من أجل الدعوة إلى الله عز وجل وإحقاق الحق وإبطال الباطل. و من ضمن كلمات الابتلاء أيضا تحطيم أصنام قومه ،وهي مغامرة لا تقل خطورة عن مواجهة الحاكم الطاغية ، وقد جرت بالفعل على إبراهيم عقوبة غير مسبوقة في تاريخ العقوبات البشرية وهي عقوبة الموت حرقا ، وهذه أيضا تضحية بالنفس من أجل الدعوة إلى الله عز وجل. ومن كلمات الابتلاء أيضا أمره بالهجرة حيث هاجر إبراهيم الخليل موطنه إلى مواطن غريبة عنه استجابة لأمر الله عز وجل ، وغير خاف ما في ابتلاء ترك الوطن من مشقة ومكروه وما فيه من مخاطرة بالنفس خصوصا عندما يتعلق الأمر بترك الأهل والولد في مفازة ، قاحلة لا ماء فيه ولا زرع ، وعندما يتعلق الأمر بمولود رزقه إبراهيم على الكبر وتعلق به قلبه أيما تعلق ، و لا يوجد أشد على النفس من ترك ما يتعلق به القلب ومع ذلك فقد ضحى إبراهيم بحبة القلب من أجل الدعوة إلى الله عز وجل. ومن كلمات الابتلاء أمر الله عز وجل له بذبح الولد الحبيب إسماعيل عليه السلام بعد بلوغه السعي مع أبيه، ولا يوجد أشق على النفس من فقدان الولد بحيث تكون تصفيته بيد والده نحرا وهو الذي أحبه حب من رزق الولد على الكبر وبعد شوق وحرقة كبيرين. فقد يتحمل الإنسان آلام خروج روحه مهما كانت طريقة موته ولكنه لا يتحمل آلام فقدان الولد قرة العين لأن آلام خروج الروح محدودة بينما آلام فقدان الولد وبيد الوالد نحرا لا حد لها ولا طاقة لأحد بها لأن مدتها تدوم دوام حياة الأب المفجوع بولده ، ومع ذلك فقد تحملها إبراهيم الخليل بعزم وصبر فكان بذلك متما لكلمات الطاعة التي ابتلاه الله عز وجل بها ، فحاز بذلك جائزة الخلة ، وإمامة العالمين ، وقدوة المسلمين لقوله تعالى : (( قد كان لكم إسوة حسنة في إبراهيم )) .و لقد وصف الله تعالى طاعة نبيه الكريم إبراهيم الخليل بوصف التوفية فقال عنه : (( وإبراهيم الذي وفى )) وبالفعل لقد وفى إبراهيم الخليل الطاعة حقها. ويمكن القول أن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام قد حطم رقما قياسيا في الطاعة لم يشاركه فيه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وحاز بذلك ميدالية الخلة مع ميداليات أخرى وهي إمامة العالمين ، وقدوة المؤمنين . وكل أنبياء الله عز وجل نالوا حظهم من الابتلاء بكلمات الطاعة فكانت لهم أرقامهم القياسية ولهم ميدالياتهم ، وكل الفئات التي تليهم في الطاعة من صديقين وشهداء وصالحين ومطيعين كان لها حظها من الابتلاء بكلمات الطاعة ، وكانت لها حظوظها من محبة الله عز وجل بقدر حجم الابتلاء. ولكل مؤمن ومؤمنة في كل زمان وفي كل مكان حظه من الابتلاء بكلمات الطاعة ، وله نصيبه من محبة الله عز وجل بقدر حجم الابتلاء. وكما أعطى الله عز وجل نبيه الكريم إبراهيم الخليل عليه السلام أعلى درجة بسبب إتمامه كلمات الطاعة وهي درجة الخلة ، ودرجة إمامة العالمين ، وقدوة المؤمنين فإنه كلما اجتهد مؤمن في طاعة الله عز وجل طالبا تمام الطاعة كلما بوأه الله تعالى درجة المحبة و القيادة والقدوة على حسب قدره في الطاعة.