منتديات الجزائر التعليمية
تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Ezlb9t10




منتديات الجزائر التعليمية
تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Ezlb9t10



منتديات الجزائر التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الجزائر التعليمية دخول

منتديات الجزائر التعليمية ترحب بزوارها الكرام وتتمنى الانضمام الى ساحتها


descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:




فإن الله جل وعلا كتب مقادير كل شيء قبل خلق السماوات والأرض، فكل ما هو كائن فهو في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ومنذ أن أهبط آدم عليه السلام من الجنة إلى هذه ألأرض – وهذا والله أعلم – إيذانًا ببدء الابتلاءات والمصائب لأنها دار البلاء والاختبار فهو عليه الصلاة والسلام وذريته من بعده معرضون للمصائب على تنوعها.




ومن ثم انقسم الناس فمنهم الموفقون الذين }إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{[البقرة: 156] فجزاهم الله بما صبروا إيمانا وتوفيقا وكانت هذه المصائب ممحصة لسيئاتهم ورافعة لدرجاتهم.




وقسم غير موفقين فبمجرد أن تنزل بأحدهم مصيبة إذا هو يتسخط ويجزع ويظهر المخالفة الشرعية فتجده يلطم الخد ويشق الجيب وينوح على ميته ويقول الألفاظ الممنوعة، فيجره ذلك إلى الآثام والشرور ومضاعفة المصاب.




قال عليه الصلاة والسلام: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط»([1]).




وإنَّ من أعظم المصائب التي يبتلى بها المرء فقدان الأحبة والأقربين بموتهم وانتقالهم عن هذه الدار. وحيث إن الواجب على المسلم أن يتحلى بالصبر في هذه الحالة ويلتجئ إلى ربه تبارك وتعالى ويكثر من الذكر والاسترجاع. فقد حاولت الإسهام في تسلية من يصاب بهذه المصائب وذكرت فضيلة الصبر وأوردت بعض النصوص وذكر القصص المفيدة وبعض الأحكام الشرعية لأخذ العبرة والاقتداء بالسلف الكرام، قال الإمام أحمد رحمه الله: «ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا»([2]) وهذا يدل على فضله وأهميته.




والصبر عند أهل العلم على ثلاثة أنواع:




1- صبر على طاعة الله عز وجل.


2- صبر عن محارم الله عز وجل.


3- صبر على أقدار الله عز وجل.




وتكلمت على النوع الثالث فقط لأن موضوع الصبر يحتاج إلى أكثر من ذلك، وخصصت الكلام أيضًا على فقد الأحبة والأقربين.




أرجو الله جل وعلا أن تكون هذه الكلمات معينة على الصبر ومحتذى لمن ناله شيءٌ من الأذى والعون والسداد من الله، رزقنا الله العلم النافع والعمل الصالح، وجعلنا شاكرين لنعمه مثنين بها عليه قابليها، صابرين على مر القضاء محتسبين الأجر من الله.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




([1]) رواه الترمذي في الزهد: باب ما جاء في الصبر على البلاء (2396) وصححه الألباني في صحيح الجامع (285، 2110).
([2]) حاشية كتاب التوحيد (258).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
صبر جميل




قال تعالى: }فَصَبْرٌ جَمِيلٌ{[يوسف: 18] فالمراد به الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى.




قال مجاهد: لا أشكو ذلك لأحد.




وقال أبو حيان: المعنى: أجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم من قبل.




وما أحسن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فهي وسام ينبغي لكل مسلم أن يتزين بها ويتحلى بها ويعمل بها ظاهرًا وباطنًا قولاً وعملاً. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام أو يا غُليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن»؟ قلت: بلى، فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»([1]).




ويوم كأنَّا المصطلين بحره


 
وإن لم يكن نار قيام على الجمر


صبرنا له صبرًا جميلاً وإنما


 
تفرج أبواب الكريهة بالصبر




قال بعض السلف: «لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس»([2]).




وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وقد قيل الصبر الجميل بغير شكوى إلى المخلوق؛ ولهذا قُريَ على أحمد بن حنبل في مرضه أن طاووسًا كان يكره أنين المريض ويقول: إنه شكوى. فما أنَّ أحمد حتى مات». وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل، فإن يعقوب قال: }فَصَبْرٌ جَمِيلٌ{ وقال: }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{[يوسف: 86] وكان عمر رضي الله عنه يقرأ في الفجر بسورة (يونس) و (يوسف) و (النحل) فمر بهذه الآية في قراءته فبكى حتى سمع نشيجه من آخر الصفوف...».




وقال: وفي الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل به أهل الطائف ما فعلوا: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملَّكته أمري: إن لم يكن بك غضب عليَّ لا أبالي؛ غير أن عافيتك أوسع لي؛ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل عليَّ غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك»([3]).




وما مسني عسر ففوضت أمره


 
إلى الملك الجبار إلا تيسرًا




وقال ابن الأثير رحمه الله: «الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها»([4]).




فصبرًا فإن الصبر خير غنيمة


 
ويا فوز من قد كان للصبر يرجع


وبت واثقًا باللطف من خير راحم


 
فألطافه من لمحة العين أسرع


وإن جاء خطب فانتظر فرجًا له


 
فسوف تراه في غد عنك يرفع


وكن راجعًا لله في كل حالة


 
فليس لنا إلا إلى الله مرجع




* * *




([1]) رواه أحمد في المسند (10/307) وإسناده صحيح.
([2]) زاد المعاد (4/192).
([3]) مجموع الفتاوى (10/183-184) والحديث رواه الطبراني من حديث عبد الله بن جعفر وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/35) ورجاله ثقات إلا أن فيه تدليس ابن إسحاق.
([4]) النهاية في غريب الحديث (1/382).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الموت غاية كل حي




قال الله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{[آل عمران: 185]، وقال: }قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ{[الجمعة: 8].




وقال سبحانه: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ{[النساء: 78].




وخاطب سبحانه وتعالى أكرم رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال له: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{[الزمر: 30]، وكتب سبحانه الفناء على كل الخلائق: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{[الرحمن: 26، 27]، وقال سبحانه: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{[الأنبياء: 34].




فالموت حتم لازم، وسنة ماضية، وقدر مقدور، ولن يفر منه مخلوق فالواجب على المسلم إذًا أن يتأمل ذلك وأن يستعد لقبول ما قدره الله، ويتزود من الصالحات قبل الممات، فاليوم مات فلان وغدًا قد يكون هو الميت.




وسرى الحديث وقد تساءل بعضهم


 
أَوَما سمعتم عن وفاة فلان


قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا


 
غير المهيمن كل شيء فان




وقال ابن الوردي رحمه الله:




كتب الموت على الخلق فكم


 
فل من جيش وأفنى من دول


أين نمرود وكنعان ومن


 
ملك الأرض وولىَّ وعزل


ِأين عاد أين قارون ومن


 
رفع الأهرام من يسمع يخل


أين من سادوا وشادوا وبنوا


 
هلك الكل ولم تغن الحيل


أين أرباب الحجا أهل التقى


 
أين أهل العلم والقوم الأول


سيعيد الله كلا منهم


 
وسيجزي فاعلا ما قد فعل






والعجب أننا إذا سمعنا أن فلانًا من الناس توفي فإننا نوجل ونرعوي ونتذكر هذا المصير المحتوم الذي كلنا سنصل إليه، وقد يصاحب هذا شيء من النشاط والجد في الطاعة والعبادة، وإحجام ونفرة عن المحرمات؛ ولكن سرعان ما ننسى ذلك ونعود إلى تقصيرنا ونلهو. نسأل الله جل وعلا أن يحيي قلوبنا ويحسن خاتمتنا.




تروعنا الجنائز مقبلات


 
ونلهو حين تذهب مدبرات


كروعة هجمت لمغار ذئب


 
فلما غاب عادت راتعات




إذا فالمتحتم علينا أن نستعد لذلك الموقف فنقدم الأعمال الصالحات، ونترك المحرمات، ونقبل على الكريم الرحيم، ومن تقرب إلى الله شبرًا تقرب منه ذراعا ومن أتاه يمشي أتى إليه هرولة، ولا يزال المسلم يتقرب إلى الله بالنوافل والمستحبات حتى يحبه الله فإذا أحبَّه الله كان الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فإذا سأله أعطاه وإذا استعاذ به أعاذه وإذا استنصره نصره. يقول أبو الحسن التهامي:




حكم المنية في البرية جاري


 
ما هذه الدنيا بدار قرار


بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا


 
حتى يرى خبرًا من الأخبار


طبعت على كدر وأنت تريدها


 
صفوًا من الأقذاء والأكدار


ومكلف الأيام ضد طباعها


 
متطلب في الماء جذوة نار

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
المصاب من حرم الثواب




الخيرة كلها فيما اختاره الله سبحانه وتعالى ولو كرهت النفوس بعضا من ذلك، وذلك أن الله عز وجل يختبر عباده ليربو إيمان العبد ويتبين الصابر من غيره، ولو نظر المرء إلى التاريخ لوجد أن خير الناس وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من الصحابة والصالحين لقوا من البلاء والشدة والمصائب الشيء الكثير ولكنهم وهم أعلم الناس وأكملهم إيمانًا صبروا فنالوا خيرا كثيرا. وخصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد فجع مرات عديدة بأحب الناس إليه فخديجة أم المؤمنين المرأة الكاملة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم وأيدته بنفسها ومالها وكانت من أحب نسائه إليه ماتت في حياته. وعمه أبو طالب – وكان مشركًا – ناصر دعوته وما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة أبي طالب وهو القائل:




والله لن يصلوا إليك بجمعهم


 
حتى أوسد في التراب دفينا




وهو القائل:




ولقد علمت بأن دين محمد


 
من خير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذار مسبة


 
لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
"


أيضا توفي في حياته فحزن عليه حتى سمي ذلك العام – عام الحزن – توفيت فيه خديجة وعمه أبو طالب.




وممن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لموته أسد الله – حمزة بن عبد المطلب – عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة – فقد كان لموته الأثر البالغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قتل رضي الله عنه في معركة أحد شهيدًا في سبيل الله.




قال ابن إسحاق: «وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه – حمزة – وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها: يا أمة إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت: ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرنَّ إن شاء الله. فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت ([1]). وقالت رضي الله عنها ترثي أخاها حمزة رضي الله عنه:


أسائلة أصحاب أحد مخافة


 
بنات أبي من أعجم وخبير


فقال الخبير إن حمزة قد ثوى


 
وزير رسول الله خير وزير


دعاه إله الحق ذو العرش دعوة


 
إلى جنة يحيا بها وسرور


فذلك ما كنا نرجى ونرتجي


 
لحمزة يوم الحشر خير مصير


فوالله لا أنساك ما هبت الصبا


 
بكاء وحزنا محضري ومسيري


على أسد الله الذي كان مدرهًا ([2])


 
يذود عن الإسلام كل كفور


فياليت شلوي ([3]) عند ذاك وأعظمي


 
لدى أضبع تعتادني ونسور


أقول وقد أعلى النعي عشيرتي


 
جزى الله خيرًا من أخ ونصير ([4])




ومما يدل على شدة حزن ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة قوله لوحشي وهو الذي قتل حمزة – بعدما أسلم وقص عليه مقتل حمزة قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»([5]).




وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد:


بكت عيني وحق لها بكاها


 
وما يغني البكاء ولا العويل


على أسد الإله غداة قالوا


 
أحمزة ذاكم الرجل القتيل


أصيب المسلمون به جميعًا


 
هناك وقد أصيب به الرسول


أبا يُعْلي لك الأركان هدت


 
وأنت الماجد البر الوصول


عليك سلام ربك في جنان


 
مخالطها نعيم لا يزول


ألا يا هاشم الأخيار صبرًا


 
فكل فعالكم حسن جميل


رسول الله مصطبر كريم


 
بأمر الله ينطق إذ يقول




* * *


([1]) انظر البداية والنهاية (4/42).
([2]) مدرهًا – سيدا.
([3]) شلوى – جسري.
([4]) البداية والنهاية (4/62).
([5]) رواه البخاري (4072).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
المصاب من حرم الثواب




الخيرة كلها فيما اختاره الله سبحانه وتعالى ولو كرهت النفوس بعضا من ذلك، وذلك أن الله عز وجل يختبر عباده ليربو إيمان العبد ويتبين الصابر من غيره، ولو نظر المرء إلى التاريخ لوجد أن خير الناس وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من الصحابة والصالحين لقوا من البلاء والشدة والمصائب الشيء الكثير ولكنهم وهم أعلم الناس وأكملهم إيمانًا صبروا فنالوا خيرا كثيرا. وخصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم فقد فجع مرات عديدة بأحب الناس إليه فخديجة أم المؤمنين المرأة الكاملة التي ناصرت النبي صلى الله عليه وسلم وأيدته بنفسها ومالها وكانت من أحب نسائه إليه ماتت في حياته. وعمه أبو طالب – وكان مشركًا – ناصر دعوته وما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد وفاة أبي طالب وهو القائل:




والله لن يصلوا إليك بجمعهم


 
حتى أوسد في التراب دفينا




وهو القائل:




ولقد علمت بأن دين محمد


 
من خير أديان البرية دينا


لولا الملامة أو حذار مسبة


 
لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
"


أيضا توفي في حياته فحزن عليه حتى سمي ذلك العام – عام الحزن – توفيت فيه خديجة وعمه أبو طالب.




وممن حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لموته أسد الله – حمزة بن عبد المطلب – عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة – فقد كان لموته الأثر البالغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قتل رضي الله عنه في معركة أحد شهيدًا في سبيل الله.




قال ابن إسحاق: «وقد أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه – حمزة – وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها: يا أمة إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت: ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرنَّ إن شاء الله. فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت ([1]). وقالت رضي الله عنها ترثي أخاها حمزة رضي الله عنه:


أسائلة أصحاب أحد مخافة


 
بنات أبي من أعجم وخبير


فقال الخبير إن حمزة قد ثوى


 
وزير رسول الله خير وزير


دعاه إله الحق ذو العرش دعوة


 
إلى جنة يحيا بها وسرور


فذلك ما كنا نرجى ونرتجي


 
لحمزة يوم الحشر خير مصير


فوالله لا أنساك ما هبت الصبا


 
بكاء وحزنا محضري ومسيري


على أسد الله الذي كان مدرهًا ([2])


 
يذود عن الإسلام كل كفور


فياليت شلوي ([3]) عند ذاك وأعظمي


 
لدى أضبع تعتادني ونسور


أقول وقد أعلى النعي عشيرتي


 
جزى الله خيرًا من أخ ونصير ([4])




ومما يدل على شدة حزن ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة قوله لوحشي وهو الذي قتل حمزة – بعدما أسلم وقص عليه مقتل حمزة قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»([5]).




وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد:


بكت عيني وحق لها بكاها


 
وما يغني البكاء ولا العويل


على أسد الإله غداة قالوا


 
أحمزة ذاكم الرجل القتيل


أصيب المسلمون به جميعًا


 
هناك وقد أصيب به الرسول


أبا يُعْلي لك الأركان هدت


 
وأنت الماجد البر الوصول


عليك سلام ربك في جنان


 
مخالطها نعيم لا يزول


ألا يا هاشم الأخيار صبرًا


 
فكل فعالكم حسن جميل


رسول الله مصطبر كريم


 
بأمر الله ينطق إذ يقول




* * *


([1]) انظر البداية والنهاية (4/42).
([2]) مدرهًا – سيدا.
([3]) شلوى – جسري.
([4]) البداية والنهاية (4/62).
([5]) رواه البخاري (4072).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
أكمل الهدي




أكمل الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من هديه عليه الصلاة والسلام إذا أصيب بأحد ممن يحبه أن يحزن لذلك وتدمع عينه ويسترجع ويحمد الله ويصبر على ذلك.




والناس يختلفون عند المصائب على ثلاثة أقسام:




القسم الأول: من إذا نزلت به مصيبة جزع وسخط وشق جيبه ولطم خده وأخذ يصرخ وينوح على ميته ويتسخط على أقدار الله. وهذا والعياذ بالله قد أسخط ربه وأفرح الشيطان، وشابه أهل الجاهلية وابتعد عن هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولم ينل الأجر بل نال الوزر، والخطيئة ولم يستفد من ذلك شيئا.




القسم الثاني: بالعكس من ذلك فإذا نزلت به مصيبة ضحك واستبشر وانشرح صدره؛ ظنًا منه أن هذا هو الذي يجب أن يفعله المسلم وأن هذا هو معنى الصبر. حتى إن بعض العارفين لما مات ولده ضحك فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه.




القسم الثالث: وهو الذي يجب على المسلم فعله وهو أن يرضى بقضاء الله وقدره مع حزنه على مصابه ودمع عينه من غير جزع ولا تسخط ولا اعتراض ويكثر من الحوقلة والاسترجاع والدعاء، وحمد الله.




ولذا سأل ابن القيم رحمه الله شيخه أبا العباس بن تيمية رحمه الله عن حال هذا العارف الذي ضحك عند مصابه فقال: «هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف فإنه أعطى العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضا عن الله، ولرحمة الولد والرقة عليه، فحمد الله، ورضي عنه في قضائه وبكى رحمة ورأفة فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله، ومحبته له على الرضا والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضا عن عبودية الرحمة والرأفة»([1]).




وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «الواقع أن التبسم عند المصائب لا يدل على كمال المرتبة بل يدل على نقص المرتبة وأن الإنسان أراد أن يطرد ما في قلبه من الحزن بهذا التبسم، لكن إذا الحزن لم يرد على القلب من الأصل فذلك أكمل. وعلى هذا فإن الإنسان إذا أصيب بمصيبة وحزن لها ولكنه بالنظر لقضاء الله وقدره هي عنده سواء مع عدمها فإن هذا هو الرضا، لكن كون الإنسان يصاب بمصيبة، كأن يكون له ابن ميت وهو في المقبرة يضحك أو يبتسم فهذا غير مناسب، وهذا يدل على أن قلبه لم يتحمل، وأراد أن يطرد هذا بهذا، فنقصت حاله عن حال من كان قلبه متحملاً بدون أن يوجد شيء ظاهر يطرد هذا الشيء...»([2]).


([1]) زاد المعاد (1/499).
([2]) فتاوى الشيخ محمد بن العثيمين (1/53) إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود.

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
الصبر من مكارم الأخلاق




لما كان أعظم الناس خلقًا وأكرمهم خصالاً الأنبياء المرسلون عليهم الصلاة والسلام فإنك تجد أنهم تحلوا بالصبر وأن حياتهم مليئة بالمصائب والأذى ولكنهم عليهم الصلاة والسلام صابرون على ما أصابهم محتسبون الأجر من الله }وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ{[إبراهيم: 12]، }إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ{[يوسف: 86] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»([1]).




ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خلقه القرآن»([2]). والله جل وعلا خاطبه فقال له: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{[القلم: 4].




يقول الشيخ العلامة محمد بن عثيمين: «وكلنا يعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها ملائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم فالمرض مثلاً لا يلائم الإنسان، فكل إنسان يحب أن يكون صحيحًا معافى. وكذلك الفقر لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون غنيًا وكذلك الجهل لا يلائم الإنسان، فالإنسان يحب أن يكون عالمًا، لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل، منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته. ومنها ما لا يكون كذلك. فما هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقداره؟




حسن الخلق مع الله نحو أقداره: أن ترضى بما قدر الله لك، وأن تطمئن إليه وأن تعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدَّره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر. وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن.


ولهذا امتدح الله الصابرين فقال تعالى: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{[البقرة: 155، 156] فأجمل بمسلم نزلت به نازلة، فاتسع صدره لها، وأخذ بنصيب عظيم من مكارم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه؛ فهو جمع بين خيرين – خير الصبر والرضا وخير الأجر والمثوبة من الله عز وجل([3]).
* * *


([1]) رواه أحمد (2/381) قال محقق المسند صحيح، وهذا إسناد قوي.
([2]) رواه البخاري رقم (6203) كتاب الأدب. ومسلم رقم (30) كتاب الآداب.
([3]) مكارم الأخلاق (22-23).

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
*جيد *شكرا لك

descriptionتسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب - صفحة 1 Emptyرد: تسلية المصاب عند فقد الأقربين والأصحاب

more_horiz
*جيد *بارك الله فيك
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد